طرد الروهينجا والبنغاليين يفضح انتهاكات الهند الحدودية

سيدات وأطفال من الروهينجا يعيشون في إحدى المناطق الفقيرة في الهند (صورة: Anadolu)
سيدات وأطفال من الروهينجا يعيشون في إحدى المناطق الفقيرة في الهند (صورة: Anadolu)
شارك

بقلم: كالول مصطفى

رغم الاحتجاجات المتكررة من قبل حكومة بنغلادش ومنظمات حقوق الإنسان في كلا البلدين، تواصل الهند ممارسة “الدفع إلى الداخل” المثيرة للجدل، وهي سياسة طرد قسري لأشخاص إلى داخل الأراضي البنغلادشية دون أي مسوّغ قانوني أو دبلوماسي، تشمل هذه العمليات طيفاً واسعاً من الأفراد، من بينهم مهاجرون يُزعم أنهم دخلوا الهند من بنغلادش منذ سنوات، ولاجئون من الروهينجا مسجّلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في الهند، بل وحتى مسلمون هنود يتحدثون البنغالية من ولايات هندية مختلفة.

وقد كشفت تحقيقات لـBBC أن العديد من المسلمين في ولاية آسام، رغم امتلاكهم أوراقاً قانونية وإقامتهم في الهند لعدة أجيال، قد تم احتجازهم وطردهم إلى داخل بنغلادش، وقد تم حتى الآن طرد أكثر من 200 لاجئ من الروهينجا إلى بنغلادش، من بينهم أكثر من 100 لاجئ مسجّلين لدى مفوضية اللاجئين في الهند.

من الناحية القانونية، إذا دخل مواطن من دولة ما أراضي دولة أخرى بطريقة غير شرعية، فيجب ترحيله وفق الاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، لكن الطريقة التي تعتمدها الهند بطرد الروهينجا قسراً إلى بنغلادش من دون اتباع الإجراءات القانونية تُعد غير شرعية وتنتهك حقوق الإنسان والأعراف الدولية.

كانت آخر موجة كبيرة من هذه العمليات خلال عامي 2002-2003، إبان حكم تحالف الجبهة الوطنية الديمقراطية (NDA) بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، وعلى الرغم من أن هذه الممارسات قد تراجعت لفترة، فإنها عادت للظهور مؤخراً، ويبدو أن هذا التصعيد سياسي بطبيعته، وليس نتيجة لتفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية.

ويُرجع بعض المراقبين ذلك إلى أجندة الهندوتفا التي يتبناها حزب BJP، والتي تصوّر المسلمين وتحديداً الروهينجا كغرباء يهددون الأمن، ومن جهة أخرى، يُنظر إلى هذه الممارسات كوسيلة ضغط ضد بنغلادش بعد سقوط نظام رابطة عوامي الموالي للهند إثر انتفاضة شعبية.

ورغم كل ذلك، لم تتخذ حكومة بنغلادش أي رد فعل مباشر مثل تعليق استخدام الهند للموانئ البنغلادشية أو خطوط الترانزيت، أو إلغاء التعاون التجاري والأمني، في المقابل أقدمت الهند على خطوات أحادية منها سحب بعض امتيازات الترانزيت، وفرض قيود على الواردات البنغلادشية عبر المنافذ البرية، إلى جانب استمرار إطلاق النار عبر الحدود من قِبل BSF، مما أدى إلى مقتل مدنيين بنغلادشيين.

لذلك، فإن عمليات “الدفع إلى الداخل” يمكن أن تُفهم ضمن سياق أوسع من الضغوط الدبلوماسية الأحادية الجانب، ولو كانت الهند فعلاً معنية بمشكلة الهجرة غير الشرعية، لسلكت طريق الحوار والتحقق والترحيل وفق القانون الدولي، بدلاً من ذلك يتم طرد الأشخاص في كثير من الأحيان معصوبي الأعين، ويتعرضون للإهانة ويُتركون دون طعام بطريقة غير إنسانية، هذه ليست إجراءات أمن حدود، بل محاولات متعمدة لإذلال دولة مجاورة ذات سيادة وإرباكها.

تملك بنغلادش والهند اتفاقيات رسمية لإدارة قضايا الحدود بشكل تعاوني، منها “الإرشادات المشتركة بين الهند وبنغلادش” لعام 1975 و”خطة الإدارة المنسقة للحدود” (CBMP) لعام 2011، ومن خلال الحوار في إطار هذه الاتفاقيات يمكن حل مختلف المشكلات الحدودية بما في ذلك تهريب البشر والهجرة غير الموثقة.

فخطة CBMP تعيّن ضباط تنسيق من قوات أمن الحدود الهندية وحرس الحدود البنغلادشي لمعالجة هذه القضايا من خلال الحوار، وإبلاغ القيادات العليا عند الضرورة، لذا فإن الإجراءات الأحادية مثل عمليات “الدفع إلى الداخل” الجماعية تمثل انتهاكًا صارخًا لتلك الاتفاقيات، وتقوّض الثقة وتضعف الآليات المؤسسية التي استُحدثت للتعامل مع مثل هذه الأزمات.

تُعد هذه التصرفات أيضاً انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، فالمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) تنص على أنه لا يجوز طرد أي شخص يقيم بصفة قانونية في دولة ما إلا وفق الإجراءات القانونية، كما تنص المادة 12 على أنه لا يجوز حرمان أي شخص من حقه في دخول بلده.

وقد فسّرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هذه المواد على أنها تنطبق أيضًا على المقيمين لفترات طويلة حتى لو كانوا يفتقرون إلى الوثائق الرسمية كما في حال الروهينجا، وبالتالي فإن الهند ملزمة به قانونياً ما يعني أن الهند تنتهكه صراحة بطرد مواطنيها الناطقين بالبنغالية والمقيمين منذ زمن وكذلك لاجئي الروهينجا إلى داخل بنغلادش.

إضافة إلى ذلك، فإن المادة 22 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم تحظر عمليات الطرد الجماعي، وتُلزم بإجراء تقييم فردي لكل حالة وفقاً للإجراءات القانونية الواجبة.

وتعزز المبادئ نفسها مجموعة من المواثيق الدولية الأخرى منها المادة 4 من البروتوكول رقم 4 للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 22 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والمادة 12 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 26 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان.

لذا، فإن الهند تنتهك عدداً كبيراً من القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية عبر طردها الجماعي لأشخاص يتحدثون البنغالية ويقيمون في الهند منذ فترة طويلة، فضلاً عن لاجئين معترف بهم دولياً من الروهينجا.

وعليه، يجب على حكومة بنغلادش أن تتخذ موقفاً حازماً، وبينما ينبغي الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مفتوحة، لا بد من تدويل القضية، ينبغي إشراك الأمم المتحدة والهيئات الدولية ذات الصلة لتوثيق هذه الانتهاكات والوساطة فيها، وإذا فشلت بنغلادش حتى تحت قيادة الدكتور محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل والمعترف به عالمياً في إيصال هذه المسألة إلى الساحة الدولية، فإنها بذلك تُقصّر في حماية سيادتها الوطنية وكرامة مواطنيها.

(الكاتب: كالول مصطفى مهندس وكاتب يركز في أعماله على قضايا الطاقة والبيئة واقتصاديات التنمية، كُتب المقال بموقع “The Daily Star” وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.