اللاجئون الروهينجا: على العالم سد فجوة التمويل

لاجئون من الروهينجا في أحد أسواق مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: ABC)
لاجئون من الروهينجا في أحد أسواق مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: ABC)
شارك

بقلم: مير مصطفى الرحمن

تستمر أزمة الروهينجا، التي تدخل عامها السابع، في اختبار قدرة النظام الإنساني العالمي على الصمود، وامتحان الضمير الأخلاقي للعالم، حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ روهنجي حالياً في مخيمات مكتظة وغير صحية في منطقة كوكس بازار في بنغلادش، بعد أن طُردوا من موطنهم التاريخي في ولاية أراكان بميانمار إثر واحدة من أكثر حملات العنف العرقي وحشية في التاريخ الحديث، هؤلاء اللاجئون يعيشون تحت أغطية قماشية مؤقتة، في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، إذ تبلغ مساحة المخيمات 24 كيلومتراً مربعاً فقط.

ورغم الجهود البطولية التي تبذلها حكومة بنغلادش والمجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية الدولية، فإن أوضاع الروهينجا تزداد سوءاً، فقد تدهورت الظروف في المخيمات بسبب استمرار النزوح وتدهور البيئة، فيما يهدد نقص التمويل الدولي البالغ الخطورة بقاء هذه الفئة الضعيفة من السكان، ومن دون تحرك دولي عاجل قد تتفاقم الأزمة الإنسانية، مما يدفع مجتمعاً مصدوماً أصلاً إلى حافة اليأس.

وقد اندلعت أزمة الروهينجا الحالية في أغسطس 2017 عندما شنّ جيش ميانمار حملة عنف ممنهجة في ولاية أراكان، أجبرت أكثر من 700 ألف من الروهينجا على الفرار إلى بنغلادش، ومع تدفق اللاجئين أصبحت بنغلادش تستضيف أكبر تجمع للاجئين في العالم، وعلى الرغم من حرمان الروهينجا من الجنسية الكاملة والحقوق الأساسية في ميانمار، فإن حجم الوحشية التي ارتُكبت بحقهم من حرق واغتصاب وقتل عشوائي دفع الأمم المتحدة لوصفها بأنها “تطهير عرقي نموذجي”.

في مواجهة تلك الفظائع، تحرك المجتمع الدولي في البداية بجدية، فقد أُنشئ “خطة الاستجابة المشتركة” (JRP) لتمكين وكالات الأمم المتحدة والحكومة البنغالية من تنسيق الجهود وتوفير الغذاء والرعاية الصحية والمأوى والمياه والتعليم للاجئين، وكانت تلك مثالاً بارزاً للتعاون المتعدد الأطراف، حيث قدمت العديد من الدول والمنظمات دعماً سخياً، لكن هذا الزخم بدأ يتلاشى الآن، فهناك أزمة في التعاطف يقابلها تراجع في الالتزام.

وبحسب تقارير، فإن وضع التمويل لأزمة الروهينجا وصل إلى نقطة حرجة، ففي عام 2024، طلبت خطة الاستجابة المشتركة تمويلاً بقيمة 934 مليون دولار، لكن حتى مايو لم يتم تأمين سوى 15% فقط من هذا المبلغ، ويستمر هذا التراجع في التمويل منذ العام الماضي، حيث جُمِع فقط 558 مليون دولار من أصل 852 مليوناً مطلوبة، وهذه الفجوة المتزايدة بين الاحتياجات والموارد ليست مجرد مسألة إدارية، بل مسألة حياة أو موت.

وقد أدى هذا النقص في التمويل إلى عواقب وخيمة، فعلى سبيل المثال، خفّض برنامج الأغذية العالمي (WFP) قيمة قسيمة الغذاء الشهرية للاجئ الواحد من 12.50 دولاراً إلى 6 دولارات فقط.

وحذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) من أن الخدمات الصحية ستتوقف بحلول سبتمبر ما لم يتم توفير تمويل إضافي، وأن المساعدات الغذائية قد تتوقف تماماً بحلول ديسمبر مثل هذه التطورات ستكون كارثية، حيث سيؤدي ذلك إلى تفشي سوء التغذية والأمراض والاضطرابات الاجتماعية.

ويفاقم من أزمة التمويل تغيّر أولويات المانحين العالميين، إذ تحوّل العديد من المانحين الغربيين، بمن فيهم الولايات المتحدة إلى تخصيص مواردهم لدعم أوكرانيا أو بؤر توتر جيوسياسية أخرى، مما جعل أزمات إنسانية مثل أزمة الروهينجا تتراجع في سلم الأولويات، وفي ظل تقلص ميزانيات الإغاثة الإنسانية حول العالم، يزداد عدد النازحين، ما يجعل هذا التراجع ليس فشلاً اقتصادياً فقط، بل فشلاً أخلاقياً أيضاً.

وتعقد الأمر أكثر بوصول موجات جديدة من اللاجئين الروهينجا إلى بنغلادش، حيث عبر ما لا يقل عن 150 ألف شخص الحدود خلال الـ18 شهراً الماضية بسبب استمرار الاضطهاد في ولاية أراكان، وعلى عكس المتوقع ازدادت الأوضاع سوءاً داخل ميانمار نتيجة الحكم العسكري والصراع المتصاعد، وبالنسبة للروهينجا، ما تزال التهديدات العرقية قائمة، فيما تتحمل بنغلادش عبئاً متزايداً وغير مستدام لاستضافة المزيد من اللاجئين.

ويجب أن يدرك المجتمع الدولي أن بقاء اللاجئين لفترات طويلة في دول الاستضافة دون دعم كافٍ يشكل خطراً طويل الأمد ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل اجتماعياً وبيئياً وسياسياً أيضاً، لقد تحملت المجتمعات المحلية في كوكس بازار أعباءً جسيمة، مثل التدهور البيئي وارتفاع تكاليف المعيشة والضغط الاجتماعي، وليس من العدل أن يُتوقع من بنغلادش الاستمرار في تحمل هذا العبء وحدها.

ومن الضروري أن يتقدم العالم لسد فجوة التمويل في استجابة أزمة الروهينجا، مع ضرورة العمل أيضاً على حلول دائمة، فرغم أن المساعدات الإنسانية ضرورية للبقاء الفوري، إلا أن الحل الوحيد طويل الأمد هو العودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى وطنهم في ميانمار، ويتطلب ذلك ضغطاً دولياً مستمراً ومنسقاً على المجلس العسكري في ميانمار لضمان حقوق الروهينجا ومواطنتهم وأمنهم وإتاحة العدالة لهم.

وفي هذا السياق، يجب على الآليات القانونية والمنابر الدبلوماسية الدولية، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومنظمة التعاون الإسلامي (OIC)، تكثيف جهودها لمحاسبة ميانمار ودفعها نحو إصلاح سياسي شامل.

لقد أظهرت بنغلادش قدراً هائلاً من الكرم بفتح حدودها أمام مجتمع مضطهد، لكن الكرم لا يمكن أن يكون بديلاً عن المسؤولية العالمية، فهذه الأزمة لها جذور دولية، ويجب أن تُحل دولياً.

وسد فجوة التمويل لأزمة الروهينجا يجب أن يبدأ من وضوح أخلاقي، على العالم أن يؤكد أن لا مجموعة بشرية يجب أن تبقى في طي النسيان، محرومة من الكرامة الإنسانية، لمجرد أن مأساتهم لم تعد تتصدر الأخبار، على الدول المانحة أن تعيد التزامها بالمبادئ الإنسانية التي تدّعي الدفاع عنها.

أولاً، يجب على الدول المانحة الكبرى، خاصة أولئك الذين قدموا دعماً كبيراً سابقاً، أن تزيد مساهماتها في خطة الاستجابة المشتركة، كما ينبغي تشجيع الدول الناشئة على المشاركة في هذا الجهد كجزء من المسؤولية العالمية المشتركة.

ثانياً، يجب إزالة الطابع السياسي عن المساعدات الإنسانية، فلا يجوز أن تُستخدم المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية كأداة للتلاعب بالمصالح الجيوسياسية.

ثالثاً، يجب تعزيز التعاون الإقليمي، وعلى دول جنوب وجنوب شرق آسيا تطوير إطار منسق لإدارة أوضاع اللاجئين وتقاسم الأعباء وتقديم المساعدات عبر الحدود.

وأخيراً، يجب أن تظل العودة الطوعية إلى ميانمار الركيزة الأساسية في التعامل مع قضية الروهينجا، ويتطلب ذلك استثماراً في إعادة بناء ولاية أراكان من خلال البنية التحتية، وضمانات الأمن، وآليات حكم شاملة تكفل عودة الروهينجا بأمان وكرامة.

إن معاناة الروهينجا في بنغلادش ليست قضية محلية أو إقليمية فحسب، بل هي اختبار عالمي لإنسانيتنا المشتركة، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك الآن بحزم وسخاء، لسد فجوة التمويل ومنع كارثة إنسانية، وفي الوقت نفسه، يجب أن يضاعف العالم جهوده من أجل حل دائم قائم على الحقوق في ميانمار، لقد قدمت بنغلادش أكثر مما هو مطلوب منها، وحان الوقت الآن ليقوم العالم بدوره.

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.