نقص التمويل الدولي أزمة مزمنة تهدد حياة لاجئي الروهينجا

توزيع مساعدات غذائية على لاجئين من الروهينجا في أحد مخيمات كوكس بازار في بنغلادش (صورة: UNHCR)
توزيع مساعدات غذائية على لاجئين من الروهينجا في أحد مخيمات كوكس بازار في بنغلادش (صورة: UNHCR)
شارك

وكالة أنباء أراكان | خاص

فجّر قرار الإدارة الأمريكية الجديدة في يناير الماضي أزمة إغاثية عالمية، كان ولا يزال الروهينجا من أكثر الفئات تضرراً منها، وذلك بعد أن قررت واشنطن تجميد جزء كبير من المساعدات الدولية.

وقد انعكس هذا القرار بشكل مباشر على مختلف جوانب حياة لاجئي الروهينجا، خاصة في بنغلادش، حيث تراجعت خدمات الصحة والغذاء والتعليم والتأهيل التي كانوا يتلقونها، بعدما فقدت عشرات المؤسسات الدولية والإغاثية مصدر تمويلها الأساسي وأصبحت مهددة بالإغلاق، وتركزت المخاوف بشكل خاص على أزمة الغذاء، بعد أن أعلن برنامج الأغذية العالمي في مارس الماضي عن نيته خفض مساعداته المقدمة للاجئين الروهينجا إلى النصف اعتباراً من أبريل 2025.

وسارعت المنظمات الدولية إلى التحذير من تداعيات هذا القرار، الذي يهدد بتفاقم الجوع بين اللاجئين، ويدفع بهم نحو دائرة سوء التغذية وضعف المناعة وتفشي الأمراض، وعلى إثر هذه التحذيرات، أُطلقت حملات تمويل دولية، وبعد أسابيع تقرر سحب القرار جزئياً، لكن رغم ذلك ظل واقع حياة الروهينجا صعباً، إذ استعادوا مساعدات غذائية لا تكفي احتياجاتهم الأساسية، ولا تزال الجوانب الأخرى من حياتهم متأثرة بشدة نتيجة استمرار نقص التمويل وانخفاض الدعم الدولي.

الدعم الأمريكي شريان حياة

تقييم الحالة الغذائية لطفلة في مخيمات الروهينجا في بنغلادش، 16-7-2024 (صورة: UNICEF)
تقييم الحالة الغذائية لطفلة في مخيمات الروهينجا في بنغلادش، 16-7-2024 (صورة: UNICEF)

منذ أن بدأت الإدارة الأمريكية تقليص إنفاقها الإغاثي عالمياً، سادت المخاوف بشأن مصير أكثر من مليون لاجئ روهنجي يقيمون في بنغلادش، ويُعد الدعم الأمريكي الأهم بالنسبة لهم، وفقاً لتصريحات حكومة بنغلادش، حيث تحتل الولايات المتحدة صدارة قائمة المانحين للاستجابة الإنسانية الخاصة بالروهينجا، وقدمت العام الماضي نحو 301 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 55% من إجمالي التمويل الأجنبي المخصص لهم، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

ومع دخول القرار الأمريكي حيز التنفيذ، ظهرت في مطلع فبراير تقارير تفيد بتقليص نشاط عشرات المراكز الصحية المخصصة للروهينجا في بنغلادش بنسبة تقارب 25%، إلى جانب إغلاق مراكز أخرى أبوابها بسبب نقص التمويل، مما أثر بشكل مباشر على قطاعات الصحة، وشراء اللقاحات، وخدمات ذوي الإعاقة، والمياه والصرف الصحي، إضافة إلى برامج حماية الأطفال، والتعليم، والتأهيل، وفقاً لمسؤولين أمميين وبنغلادشين.

ولم تقتصر تداعيات القرار على الروهينجا في بنغلادش وحدها، بل امتدت أيضاً إلى إندونيسيا، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة وقف تقديم المساعدات لمئات الروهينجا في مدينة “بيكانبارو”، عاصمة إقليم “رياو” الإندونيسي، بسبب “نقص التمويل”، وأكد مراقبون أن هذا النقص هو نتيجة مباشرة للقرار الأمريكي، نظراً لأن الولايات المتحدة تُعد أكبر المساهمين في تمويل المنظمات الدولية المعنية برعاية الروهينجا.

ومع تفاقم الأزمة خلال فبراير الماضي، سارعت دول وجهات مانحة عدة، مثل اليابان وإيطاليا والمفوضية الأوروبية، إلى تخصيص مبالغ إضافية لدعم لاجئي الروهينجا في بنغلادش عبر منظمات أممية مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، في مسعى لتخفيف حدة الأزمة وتحسين الظروف المعيشية والصحية للاجئين، التي باتت على المحك.

 الغذاء أزمة كبرى

وكان قرار برنامج الأغذية العالمي في مارس الماضي بخفض المساعدات المقدمة للاجئي الروهينجا في بنغلادش إلى النصف بمثابة ناقوس خطر دفع عشرات المنظمات الإنسانية إلى التحرك العاجل، محذرة من أن حياة أكثر من مليون لاجئ روهنجي باتت مهددة، ومنادية بجمع التمويل الدولي اللازم لدعمهم قبل دخول القرار حيّز التنفيذ في أبريل.

لاجئون من الروهينجا في مخيم كوكس بازار في بنغلادش يحصلون على مساعدات من برنامج الأغذية العالمي (صورة: WFP)
لاجئون من الروهينجا في مخيم كوكس بازار في بنغلادش يحصلون على مساعدات من برنامج الأغذية العالمي (صورة: WFP)

إذ اعتزم البرنامج خفض المساعدات الشهرية من 12.5 دولاراً أمريكياً إلى 6 دولارات فقط، وقال لاجئون، لوكالة أنباء أراكان، إن القرار مدمر لهم ولأسرهم، وإن المبلغ لا يكفي إلا لتوفير طعام أسبوع واحد، أو ربما لشراء الأرز فقط طوال الشهر، ما ينذر بتفشي المزيد من الجوع وأمراض التغذية خاصة بين الأطفال، الذين قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إنهم باتوا في خطر داهم.

ولفتت المنظمة إلى أن القرار يهدد حياة الأطفال، إذ يعاني 15% على الأقل من نقص التغذية الحاد وهي النسبة الأعلى بين لاجئي الروهينجا منذ عام 2017، وإلى أن عدد أطفال الروهينجا الذين يحتاجون رعاية طارئة بسبب نقص التغذية الحاد ارتفع بنسبة 27% في فبراير 2025 مقارنة بفبراير 2024، ما يؤكد أنهم لا يمكنهم تحمل المزيد من تقليص المساعدات.

في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية، أطلق برنامج الأغذية العالمي نداء استغاثة لجمع 81 مليون دولار، لضمان استمرار تقديم المساعدات الغذائية خلال عام 2025، محذراً من أن المساعدات قد تتوقف بالكامل ما لم يتوفر مبلغ 15 مليون دولار على الأقل قبل حلول أبريل.

الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" أثناء زيارته لمخيمات الروهينجا في بنغلادش (صورة: CA Press Wing)
الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” أثناء زيارته لمخيمات الروهينجا في بنغلادش (صورة: CA Press Wing)

وفي السياق ذاته، دعت منظمة “العفو الدولية” المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده العاجلة لتأمين التمويل اللازم، محذرة من التأثير المدمر لتقليص المساعدات، فيما أعربت منظمة “أطباء بلا حدود” عن قلقها العميق، معتبرة أن ترك الروهينجا يواجهون الجوع “أمر غير مقبول” لمجتمع أُبقي معتمداً بشكل كامل على المساعدات.

كما تقدمت أكثر من 110 منظمات إغاثية في بنغلادش وإندونيسيا وأستراليا وسويسرا وغيرها بعريضة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” تطالبه باتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة نقص التمويل وضمان استعادة المساعدات الكاملة للاجئي الروهينجا إلى حين تأمين عودتهم الآمنة إلى ميانمار.

وخلال زيارة تضامينة لمخيمات الروهينجا في مارس الماضي، حيث شارك اللاجئين إفطارهم الرمضاني، تعهد غوتيريش بأن تبذل الأمم المتحدة “كل ما في وسعها” لتأمين التمويل اللازم وتخفيف معاناتهم، واصفاً خفض المساعدات بأنه “جريمة في حق الإنسانية“.

حل مؤقت.. لكن الأزمة مستمرة

ووسط الزخم والقلق الدوليين، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها في 24 من مارس الماضي نداءاً لجمع  934.5 مليون دولار لدعم الروهينجا، إذ دعت المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المجتمع الدولي لتعزيز دعمه للاجئي الروهينجا والمجتمعات المضيفة في بنغلادش، وذلك في ظل تصاعد حالة انعدام الأمن في ميانمار واستمرار نزوح الروهينجا، محذرين من العواقب الوخيمة لنقص التمويل الدولي.

لاجئون من الروهينجا يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية بمخيم "كوتوبالونغ" في بنغلادش (صورة: AFP)
لاجئون من الروهينجا يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية بمخيم “كوتوبالونغ” في بنغلادش (صورة: AFP)

ويعتقد أن الانفراجة جاءت بإعلان الولايات المتحدة تقديم 73 مليون دولار لدعم الروهينجا عبر برنامج الأغذية العالمي، إذ أعقبه بأيام إعلان الأمم المتحدة وقف خطط خفض تمويل الغذاء للاجئي الروهينجا في بنغلادش بعد نجاح حملة لجمع التمويل.

وبهذا الإعلان، جرى احتواء أزمة الغذاء العاجلة في بنغلادش مؤقتاً، كما استؤنفت المساعدات الغذائية للاجئي الروهينجا في إندونيسيا، ورغم أن هذه الخطوة اعتُبرت انتصاراً للإنسانية والتعاون الدولي، إلا أن جوهر الأزمة يظل قائماً؛ فالمساعدات الغذائية التي يتلقاها الروهينجا، حتى بعد استئنافها، ما تزال غير كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، في ظل أوضاع معيشية وصحية متدهورة داخل المخيمات في بنغلادش وإندونيسيا.

ورغم استعادة المساعدات الغذائية إلى مستوياتها الطبيعية مع بداية أبريل، إلا أن بقية جوانب الحياة، مثل الصحة والتعليم وخدمات التأهيل، لا تزال تعاني من آثار نقص التمويل، ما يُبقي مصير الروهينجا معلقاً على استمرار تدفق الدعم الأميركي، في وقت يشهد فيه التمويل الدولي تراجعاً حاداً، وإن استمرار التأرجح في تدفق المساعدات الدولية يدق ناقوس الخطر، ويكشف هشاشة وضع أكثر من مليون ونصف لاجئ روهنجي باتت حياتهم مرهونة بقرارات التمويل الموسمية، في ظل أوضاع معيشية وصحية متدهورة، ونقص مستمر في الاحتياجات الأساسية، بينما تظل أزمة الروهينجا ونزوحهم بعيداً عن وطنهم قائمة دون حل جذري في الأفق.

 

 

 

 

 

 

 

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.