يجب على كندا أن تفعل المزيد من أجل الروهينجا

أطفال لاجئون من الروهينجا يعبئون مياه الشرب بعد اندلاع حريق منتصف الليل في مخيم اللاجئين في كوتوبالونج بمنطقة كوكس بازار في بنغلادش، 7 يناير 2024. (صورة: AP)
شارك

قبل سبع سنوات، بدأت واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، وقد توسعت هذه الأزمة بسرعة هذا العام، وتلعب كندا دوراً هاماً في مساعدة الضحايا.

في عام 2017، نفذ الجيش في ميانمار حملة قمع مميتة ضد شعب الروهينجا في ولاية أراكان، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.

وأُجبر 770 ألف شخص آخرين على الفرار إلى بنغلادش، حيث يعيش أكثر من مليون شخص الآن في مخيمات اللاجئين، بما في ذلك الآلاف الذين كانوا هناك منذ تسعينيات القرن العشرين، ولا يملك هؤلاء الناجون من محاولة الإبادة الجماعية سوى القليل من الأمل في العودة إلى ميانمار، حيث عزز الجيش سلطته في انقلاب في فبراير/شباط 2021.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 600 ألف من الروهينجا ما زالوا في ميانمار، وهم الآن عالقون وسط نيران القتال بين الجيش الميانماري وجيش أراكان، وهي “ميليشيا متمردة ذات أغلبية بوذية تنتمي إلى عرقية راخين”، وتسعى إلى الحكم الذاتي في ولاية أراكان، وفي الثاني من سبتمبر/ أيلول، اعتبر الجيش الميانماري جيش أراكان جماعة إرهابية .

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عيَّن رئيس الوزراء جاستن ترودو، بوب راي مبعوثاً خاصاً إلى ميانمار لمعالجة أزمة الروهينجا، وقد قدم راي 17 توصية للعمل الكندي في تقريره لعام 2018 .

القليل من العمل

ولم يحدث الكثير منذ ذلك الحين، لكن الحكومة الفيدرالية لا تزال قادرة على لعب دور رئيسي في حماية الروهينجا من خلال أربع خطوات: “إعادة توطين اللاجئين في كندا،وتعزيز التحقيقات الدولية في الجرائم التي ارتكبها الجيش في ميانمار وجيش أراكان، وإنشاء مجموعة عمل معنية بالروهينجا كما أوصى راي، وتعيين مبعوث خاص جديد”.

على الرغم من أن الروهينجا ليسوا مقاتلين في المعارك بين الجيش الميانماري والجيش الأنغولي، إلا أنهم يتعرضون للتلاعب بهم واستهدافهم عمداً من قبل الجانبين.

تاريخياً، تعايش مسلمو الروهينجا والبوذيون في المنطقة المعروفة باسم أراكان، والتي يطلق عليها الآن ولاية راخين، وقد تشكل هذا التعايش من خلال التفاهم والاحترام والصداقة، حيث ساهم كلا المجتمعين في التراث المشترك للمنطقة.

وفي الآونة الأخيرة، حققت حركة أراكان مكاسب كبيرة ضد الجيش في مناطق ولاية أراكان حيث يتركز ما تبقى من الروهينجا، وقد اختارت الحركة العنف والعداء تجاه الروهينجا، بدلاً من إعادة بناء التماسك والانسجام.

كان قائد جيش ميانمار توان مرات ناينغ ينشر العداء ضد الروهينجا، ففي مارس/آذار كتب على موقع إكس (تويتر سابقاً): “لا يوجد خطأ في تسمية البنغاليين بـ”البنغاليين”.

وتذكرنا هذه الكلمات باللغة التي يستخدمها الجيش في ميانمار، مما يوحي بأن الروهينجا هم مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش وليسوا مجموعة عرقية أصلية لها جذور شرعية في المنطقة.

من جانبه، عمل الجيش على تأجيج التوترات بين مجتمعي الروهينجا وراخين، بما في ذلك التجنيد القسري للرجال والفتيان الروهينجا مؤخراً للقتال ضد جيش أراكان.

في 17 مايو/ أيار، دمر هجوم متعمد شنته ميليشيات عرقية ميانمار وسط بلدة بوثيداونج، أكبر مستوطنة متبقية للروهينجا، وأسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن 24 من الروهينجا ونزوح أكثر من 150 ألف شخص.

جرائم ميانمار وتداعياتها في كندا

كان منزل عمة زوجتي أحد المنازل العديدة التي دمرتها الحرائق، وقد هربت هي وأطفالها الأربعة الصغار إلى الجزء الجنوبي من المنطقة، حيث يواجهون تهديدات يومية من قبل جيش أراكان.

لقد أصبحت مدينة بوثيداونغ، التي كانت في السابق مدينة نابضة بالحياة بالنسبة للروهينجا، خالية الآن من سكانها الروهينجا، وكان والد عبد الله، وهو روهينجي كندي يعيش في كيتشنر، أونتاريو، من بين أولئك الذين تعرضوا للاعتقالات التعسفية واحتجاز الروهينجا المتعلمين وقادة المجتمع من قبل جيش أراكان، ومن المؤسف أن عبد الله لا يعرف شيئاً عن مصير والده.

في الخامس من أغسطس/ آب، تعرضت مسقط رأسي مونغدو لهجوم، وأشارت التقارير إلى أن جيش أراكان نفذ عدة غارات بطائرات بدون طيار، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 400 مدني من الروهينجا كانوا يحاولون عبور نهر ناف إلى بنغلادش المجاورة.

لقد فقد صديقي المقرب محمد سالم، وهو متطوع في نشاطات إنسانية من الروهينجا، أطفاله الخمسة بشكل مأساوي عندما ضربت طائرة بدون طيار القارب الذي كان يحمل عائلته، على الرغم من أن الآلاف من الروهينجا تمكنوا من الوصول إلى بر الأمان في بنغلادش.

لا يزال هناك الآلاف من الروهينجا في منطقتي مونغدو وبوثيداونغ، الخاضعتين الآن لسيطرة جيش أراكان الذي يُقال إنه يستخدم أيضاً رجالاً وأولاداً من الروهينجا كعمال قسريين، ويواجه هؤلاء المجاعة بسبب نقص الغذاء وسط القتال المستمر.

اعترفت كندا رسمياً بجرائم الجيش الميانماري ضد الروهينجا باعتبارها “إبادة جماعية”، لكن محكمة العدل الدولية لم تصدر قرارها النهائي بشأن هذه القضية.

ويصف العديد من المدافعين عن حقوق الروهينجا الوضع الحالي بأنه “أسوأ مما كان عليه في عام 2017” عندما شن الجيش حملة (الإبادة الجماعية) ضدهم لأول مرة.

يبدو أن جيش أراكان عازم على إنهاء ما بدأه جيش ميانمار، وإن الموجة الأخيرة من عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وهجمات الحرق العمد والنزوح الجماعي تشكل جرائم حرب، فضلاً عن كونها جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي فإنها تتطلب تحقيقاً مستقلاً ومساءلة.

تعيين مبعوث جديد

تتمتع كندا بالخبرة والموارد اللازمة للعب دور قيادي في معالجة هذه الأزمة، ونظراً لحجم ما يحدث، يتعين على كندا أن تضاعف دعمها للروهينجا، وفيما يلي أربع خطوات يتعين على حكومة ترودو اتخاذها.

أولاً، يتعين على كندا أن تعين على الفور بديلاً لبوب راي كمبعوث خاص، وكان إنشاء هذا الدور في عام 2017 يحمل أهمية جوهرية ورمزية هائلة.

في الوقت الذي يتضاءل فيه العمل الدولي لصالح الروهينجا، قد يعمل المبعوث الكندي الخاص الجديد على تحفيز الاهتمام والعمل على المستوى العالمي.

ومن الواضح أن أحد المجالات التي يمكن أن يقودها مثل هذا المبعوث الخاص هو تطوير مقترحات ملموسة بشأن سبل تعزيز التحقيقات في الجرائم المستمرة التي يرتكبها الجيش في ميانمار والجرائم الأخيرة التي ارتكبها جيش أراكان، مع التركيز بشكل خاص على الحفاظ على الأدلة.

ثانياً، ينبغي على كندا أن تضطلع بدور قيادي في إحالة جرائم جيش أراكان إلى المحكمة الجنائية الدولية، كجزء من التحقيق الجاري الذي تجريه المحكمة في الجرائم التي ارتكبها الجيش في ميانمار ضد الروهينجا.

هناك قيود قضائية، نظراً لأن ميانمار لم تصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن كندا يمكن أن تقدم قضية مقنعة مفادها أن التحقيق الحالي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يرتبط بكون بنغلادش طرفاً في النظام الأساسي فضلاً عن كونها موطناً للعديد من مخيمات اللاجئين الروهينجا، و يوفر منتدى مناسباً للنظر في جرائم أراكان.

تسريع إعادة توطين الروهينجا

وينبغي على كندا بعد ذلك أن تنشئ برنامجاً لتسهيل إعادة توطين لاجئي الروهينجا لديها، على غرار ما فعلته للأشخاص الفارين من الصراعات في سوريا وأوكرانيا وأفغانستان.

لمدة سنوات عديدة، كان من المستحيل إعادة توطين لاجئي الروهينجا من بنغلادش إلى أي بلد، على الرغم من حجم اللاجئين والظروف المكتظة في المخيمات.

وكانت الحكومة البنغلادشية تعارض هذا لأنها كانت مقتنعة بأن تحول البلاد إلى نقطة عبور لإعادة التوطين من شأنه أن يؤدي إلى تدفق أعداد أكبر من اللاجئين إلى بنغلادش، وقد انتهت هذه السياسة، لذا فإن الوقت مناسب الآن لكي تنشئ كندا برنامجاً جدياً لإعادة التوطين وتحث البلدان الأخرى على القيام بنفس الشيء.

وأخيراً، ومن أجل تحقيق تنسيق أكثر فعالية، يتعين على كندا أن تنشئ مجموعة عمل معنية بالروهينجا على مستوى الحكومة، كما أوصى راي في تقريره قبل ست سنوات.

إن تعزيز السياسات والبرامج البناءة التي من شأنها أن تقدم مساهمة ملموسة في معالجة هذه الأزمة لابد وأن يشمل على الأقل مسؤولين حكوميين يعملون في المجالات الدبلوماسية والإنسانية وحماية اللاجئين، وهناك أيضاً جوانب اقتصادية وأمنية وعسكرية.

ومن ثم، هناك حاجة إلى وسيلة لضمان إعداد أجندة متماسكة وتنفيذها عبر هذه الإدارات.

ويواجه العالم العديد من التحديات المتعلقة بحقوق الإنسان والإنسانية، ولكن مع استمرار تفاقم هذه الأزمة، لا يمكن نسيان معاناة الروهينجا، لقد كانت هذه محنتهم لفترة طويلة جداً ولا يمكن أن تستمر.

 

( الكاتب مايو علي: حاصل على درجة الماجستير في الحوكمة العالمية من جامعة واترلو، وهو شاعر روهينجي ومؤلف كتاب Exodus و L’effacement و The White Elephant. في عام 2021، أعيد توطينه في كندا).

المقال نشر في موقع “irpp” وترجمته وكالة أنباء أراكان

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.