يجب على العالم تكثيف الجهود لمساعدة “الجيل الضائع” من الروهينجا

لاجئون من الروهينجا يتجولون في سوق بمخيم للاجئين في منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش، 28-9-2024 (صورة: Reuters)
لاجئون من الروهينجا يتجولون في سوق بمخيم للاجئين في منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش، 28-9-2024 (صورة: Reuters)
شارك

لقد اتخذت أزمة لاجئي الروهينجا، وهي واحدة من أطول الكوارث الإنسانية وأكثرها تدميراً في عصرنا، منعطفاً ديموغرافياً حاداً، ومع ارتفاع معدل المواليد في مخيمات اللاجئين والتدفق المستمر للاجئين الجدد الفارين من الصراع في ميانمار، وصلت الأزمة إلى مستويات غير مستدامة.

وتكافح بنغلادش، التي تعاني بالفعل من وجود أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا، للتعامل مع هذا الطلب الهائل على الموارد، وفي الوقت نفسه، يبدو المجتمع الدولي مشلولاً بسبب الجمود السياسي، مما يترك بنغلادش تتحمل وطأة الأزمة وحدها.

ويشكل الأطفال أكثر من نصف عدد اللاجئين، مع محدودية فرص الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية أو الخدمات الأساسية، وينشأ هؤلاء الشباب، الذين لم يعرف الكثير منهم الحياة خارج حدود مخيم اللاجئين، في ظروف تعوق نموهم، جسدياً ونفسياً، والعواقب الطويلة الأجل لهذا الانفجار الديموغرافي وخيمة: جيل بلا تعليم أو فرص عمل أو شعور بالهوية، محاصر في حلقة مفرغة من الفقر والنزوح.

لقد أظهرت بنغلادش كرماً ملحوظاً في استضافة لاجئي الروهينجا، ولكن الضغوط على موارد البلاد والبنية الأساسية وصلت الآن إلى مستويات حرجة، وإن المخيمات المكتظة هي أرض خصبة للأمراض وسوء التغذية والعنف، والخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والصرف الصحي، مثقلة، ومع وجود المزيد من الأفواه لإطعامها وموارد أقل للجميع، فإن الوضع يتدهور بسرعة.

كانت حكومة بنغلادش صريحة بشأن عجزها عن إدارة هذه الأزمة بمفردها، وفي السنوات الأخيرة، وجهت دكا نداءات متكررة للحصول على دعم دولي أكبر، سواء من حيث المساعدات المالية أو الضغط السياسي على ميانمار لتسهيل العودة الآمنة للاجئين، ومع ذلك، فإن هذه الدعوات سقطت إلى حد كبير على آذان صماء، وكان المانحون الدوليون بطيئين في إطلاق الأموال، وقوبلت الجهود الرامية إلى إعادة الروهينجا بالعداء أو اللامبالاة من قبل النظام العسكري في ميانمار.

وعلاوة على ذلك، أدى تدفق اللاجئين الجدد إلى تعقيد الأمور بشكل أكبر، حيث اشتعل الصراع بين الجيش في ميانمار وجيش أراكان مرة أخرى، مما أجبر الآلاف من الروهينجا على الفرار من ديارهم، ويؤدي وصول هؤلاء اللاجئين الجدد، الذين غالبا ما يعانون من صدمات نفسية ويحتاجون بشدة إلى المساعدة الفورية، إلى زيادة الضغوط على النظام المثقل بالفعل.

إن الشباب الروهينجا يواجهون مستقبلاً قاتماً، فالخدمات التعليمية غير كافية على الإطلاق، حيث يفتقر ما يقرب من 83% من المراهقين والشباب إلى أي شكل من أشكال التعليم أو التدريب المهني، وحتى في الحالات التي يتوفر فيها التعليم غير الرسمي، فإنه غالبا ما يكون دون المستوى المطلوب، والمناهج الدراسية غير مصممة لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال النازحين، ونتيجة لهذا، يكبر العديد من أطفال الروهينجا دون معرفة القراءة والكتابة الأساسية والمهارات اللازمة لإعادة بناء حياتهم أو الاندماج في أي مجتمع، سواء في بنغلادش أو ميانمار.

إن هذا “الجيل الضائع” هو قنبلة ديموغرافية موقوتة، وبدون الوصول إلى التعليم أو فرص العمل المجدية، يصبح الشباب الروهينجا عرضة بشكل متزايد للاستغلال من قبل الشبكات الإجرامية والجماعات المتطرفة التي تعمل داخل المخيمات، وتتزايد التقارير عن عنف العصابات والاتجار بالبشر والتجنيد القسري في المنظمات المسلحة، وينشأ هؤلاء الأطفال، المنبوذون والمحرومون من حقوقهم، في بيئة تعزز التطرف والاستياء، مما يزيد من زعزعة استقرار الوضع المتقلب بالفعل.

وفي حين تكافح بنغلادش تحت وطأة هذه الأزمة، فشل المجتمع الدولي إلى حد كبير في التصرف بشكل حاسم، لقد أصاب التعب الجهات المانحة، وأصبحت المنظمات الإنسانية تكافح من أجل التغلب على نقص التمويل، ولم تقدم العديد من البلدان، المنشغلة بقضاياها الداخلية أو مخاوفها الجيوسياسية، الدعم اللازم لتلبية الاحتياجات المتزايدة لسكان الروهينجا.

وعلاوة على ذلك، تعثرت الجهود الرامية إلى محاسبة ميانمار على حملتها الإبادة الجماعية ضد الروهينجا، وتتحرك الإجراءات القانونية في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ببطء شديد، مما لا يوفر سوى القليل من الأمل في تحقيق العدالة للضحايا، وفي الوقت نفسه، يواصل المجلس العسكري في ميانمار التصرف بإفلات من العقاب، رافضاً خلق الظروف اللازمة للعودة الآمنة والكريمة للروهينجا إلى وطنهم.

وقد أدى فشل المجتمع الدولي في ممارسة ضغوط ذات مغزى على ميانمار، إلى جانب الافتقار إلى الجهود المنسقة لدعم بنغلادش، إلى كارثة إنسانية وديموغرافية، وقد ترك هذا الفشل بنغلادش في موقف لا يمكن الدفاع عنه، وأجبرت على إدارة أزمة هي النتيجة المباشرة لسياسات ميانمار في التطهير العرقي والإبادة الجماعية.

إن المسار الحالي لأزمة الروهينجا غير مستدام، ويجب على بنغلادش والمجتمع الدولي تبني استراتيجية طويلة الأجل لمعالجة التحديات الديموغرافية التي يفرضها عدد اللاجئين المتزايد، وهذا يتطلب نهجا متعدد الجوانب.

– زيادة الدعم الدولي: يتعين على المجتمع الدولي أن يزيد من دعمه المالي واللوجستي لبنغلادش، وهذا لا يشمل المساعدات الإنسانية فحسب، بل يشمل أيضا المساعدات الإنمائية الطويلة الأجل للمساعدة في دمج اللاجئين في الاقتصاد والمجتمع المحليين.

– البرامج التعليمية والمهنية: هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير التعليم والتدريب المهني لشباب الروهينجا، وبدون هذه الفرص، سيستمر “الجيل الضائع” في النمو، مما يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار في المنطقة.

– الضغط على ميانمار: يتعين على المجتمع الدولي أن يطبق ضغوطا سياسية مستدامة على ميانمار لإنهاء حملتها من التطهير العرقي وخلق الظروف للعودة الآمنة للروهينجا، ويشمل ذلك العقوبات المستهدفة والعزلة الدبلوماسية والاستمرار في الإجراءات القانونية في المحاكم الدولية.

– التعاون الإقليمي: لا تستطيع بنغلادش إدارة هذه الأزمة بمفردها، ولابد من إشراك الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك الهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا، لإيجاد حل جماعي يعالج الأسباب الجذرية للصراع في ميانمار والاحتياجات الفورية للاجئين.

إن أزمة الروهينجا ليست مجرد كارثة إنسانية، بل هي قنبلة ديموغرافية موقوتة، وعلى الرغم من بذلها قصارى جهدها، لا تستطيع بنغلادش أن تستمر في تحمل هذا العبء بمفردها، ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن، قبل أن يتفاقم الوضع ويخرج عن نطاق السيطرة، فهناك جيل من أطفال الروهينجا يكبرون في المخيمات، محرومين من الأمل والفرصة، ولا يستطيع العالم أن يتجاهل محنتهم لفترة أطول.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.