تُوصَف مخيمات الروهينجا في بنغلادش التي تُعد أكبر مخيم للاجئين في العالم بأنها مكدسة وخطيرة، لكنها بالنسبة لي كانت وطناً لأكثر من ست سنوات، وفي 2017، عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، اضطررت للفرار من إبادة جماعية على يد جيش ميانمار، وعشت في تلك المخيمات حتى قبل عامين عندما أصبحت من أوائل لاجئي الروهينجا الذين أُعيد توطينهم في الولايات المتحدة بعد الإبادة الجماعية.
في الشهر الماضي، عدت لزيارة المخيمات ووقفت أمام ملجئي السابق أحتضن جدتي لأول مرة منذ عامين، وقد غمرتني مشاعر مختلطة، من جهة أنا ممتن للفرصة التي أُتيحت لي للتحدث باسم مجتمعي، وأخرى أشعر بالخوف من أن العالم أصبح أقل اهتماماً بقضيتنا، لذا هذه هي الرسالة التي أود أن أوجهها للعالم.
وجدت 3 حقائق واضحة، أولاً: التخفيضات في المساعدات الإنسانية تحدث آثاراً خطيرة على أكثر من مليون من الناجين من إبادة الروهينجا الذين لا يزالون يعيشون في بنغلادش، ثانياً: نقص التعليم وغياب فرص كسب العيش وانعدام الأمن، وثالثاً: نحن الروهينجا بحاجة لأن تتاح لنا الفرصة أخيراً لتقرير مصيرنا.
منذ مغادرتي للمخيمات قبل عامين، أضرت التخفيضات في المساعدات الإنسانية الدولية بمجتمعي، وأُغلقت 5 مراكز صحية تقريباً باستثناء الحالات الطارئة، واضطر المزود الرئيسي لخدمات ذوي الإعاقة إلى وقف أنشطته، والتخلي عن مئات المتطوعين الذين كانوا يقدمون خدمات التوعية والحماية لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستعداد للرياح الموسمية، ومساعدة النساء الحوامل، مما أدى إلى فقدانهم لبدلاتهم البسيطة التي كانت تشكل دعماً مهماً بجانب الحصص الغذائية الضئيلة.
وفي اليوم الذي عدت فيه إلى الولايات المتحدة، أعلنت منظمة الأغذية العالمية (WFP) عن خفض الحصص الغذائية الشهرية في المخيمات إلى أكثر من النصف، ومن تجارب سابقة، نعلم أن مثل هذا القرار يؤدي إلى زيادة سوء التغذية، ودفع اللاجئين نحو الاتجار بالبشر وزواج الأطفال، وزيادة الوفيات التي يمكن الوقاية منها. لكن في اللحظة الأخيرة أعلنت الولايات المتحدة عن استعادة التمويل لمنظمة الغذاء العالمية لتجنب التخفيض الكارثي في الحصص الغذائية مؤقتاً.
ورغم امتناننا العميق لحكومة بنغلادش وشعبها على استضافتنا وتوفير الملاذ لنا منذ ما يقرب من ثماني سنوات، إلا أن القيود المفروضة داخل المخيمات تعرقل جهود الاعتماد على الذات اللازمة لبناء مستقبل لمجتمعنا، وعدم توفر فرص العمل يجعل الروهينغا معتمدين على مساعدات غير مستقرة، ونقص فرص التعليم يقوّض إمكانية العودة المستدامة مستقبلاً، وقد يدفع الشباب نحو الجريمة، إضافة إلى عدم إشراك أصوات الروهينجا بشكل كافٍ في النقاشات حول مستقبل مجتمعهم.
ومع كل هذه التحديات، أرى أيضاً فرصاً، الحكومة المؤقتة في بنغلادش منفتحة أكثر على الحوار حول التعليم وسبل العيش، والواقع الجديد في ميانمار حيث سيطرت جماعة “جيش أراكان” على معظم ولاية أراكان والحدود مع بنغلادش، يفتح الباب ولو بشكل مبدئي للحوار حول العودة الآمنة.
الحل النهائي بلا شك يكمن داخل ميانمار، كل فرد من الروهينجا سيخبرك أنه يرغب في العودة إلى وطنه، ولكن فقط عندما يكون ذلك آمناً، الحوار مع سلطات أراكان الفعلية قد يكون مفيداً لكنه سيتطلب وقتاً لتجاوز الشكوك المبررة من قبل مجتمع الروهينجا.
ويمكن لبنغلاديش ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية أن تدعم هذا المسار من خلال مراقبة عمليات العودة، وتمكين الروهينجا من الاعتماد على أنفسهم عبر توسيع فرص التعليم وكسب العيش في المخيمات، والأهم من ذلك، يجب الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية لمجتمع الروهينغا.
وأخيراً يجب إشراك الروهينجا في التخطيط لمستقبلهم، المؤتمر العالمي المقرر في سبتمبر 2025 بشأن الروهينجا فرصة مهمة، لكن الشمول الحقيقي يتطلب مشاركة فعالة في صنع القرار، وفي المفاوضات مع جميع الأطراف المعنية بمستقبل الروهينجا، ومناقشة عودتهم إلى ديارهم، كل ما أرجوه هو أن يُسمع هذا النداء.
(الكاتبة: لاكي كريم هي ناشطة روهنجية في مجال حقوق الإنسان، وزميلة في منظمة “اللاجئون الدوليون”، ومؤسسة منظمة “نساء لاجئات من أجل السلام والعدالة”، نُشر المقال بموقع “The Diplomat”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)