مقامرة بنغلادش الخطرة في ممر أراكان

أعداد من الروهينجا بعد عبورهم الحدود مع بنغلادش في طريقهم إلى مخيمات اللاجئين (صورة: Reuters)
شارك

إعلان بنغلادش موافقتها المبدئية على السماح بإنشاء “ممر إنساني” إلى ولاية أراكان في ميانمار تحت إشراف الأمم المتحدة، يجب أن يثير أكثر من مجرد إيماءات مجاملة من المراقبين الدوليين، بل يجب أن يُطلق نقاشاً جاداً حول العواقب غير المقصودة للتدخلات حسنة النية، لا سيما حين تتقاطع الجغرافيا والجيوسياسة والاضطرابات الداخلية بشكل بالغ الهشاشة.

بنغلادش، التي لطالما استضافت على مضض أكثر من مليون لاجئ روهنجي هاربين من اضطهاد جيش ميانمار، تجد نفسها اليوم في عين إعصار إنساني جديد، ولكن هذه المرة تُخاطر بالانتقال من متلقٍ سلبي إلى قناة فاعلة، وهذا التحول مهما بدا نبيلاً ينطوي على طبقات من المخاطر التي ينبغي على دكا مواجهتها بعيون مفتوحة.

الممر الإنساني لا يقتصر على كونه طريقاً لتوصيل المساعدات، بل هو وسيلة لإرسال إشارات سياسية واكتساب نفوذ استراتيجي، ويرتكز التبرير الأساسي لإنشاء الممر على حاجة إنسانية عاجلة: أوضاع مجاعة محتملة في أراكان، وانهيار البنية الاقتصادية المحلية، واحتمال تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى بنغلادش، وتحت هذا الضغط، تصبح فكرة الممر الإنساني مغرية وصعبة الرفض، لكن التاريخ يُظهر أن هذه الممرات نادراً ما تظل محصورة ضمن مهامها الأصلية.

تجارب غروزني في الشيشان، وحلب في سوريا، ودونباس في أوكرانيا، تؤكد أن الممرات الإنسانية لم تكن مجرد طرق آمنة للمساعدات، بل أصبحت ساحات صراع، واستُغلت لأغراض عسكرية وحتى لتهريب السلاح، حتى أطيب النوايا يمكن التلاعب بها، فلماذا ستكون تجربة بنغلادش مختلفة؟.

الموقع الجغرافي وحده يثير القلق، فالممر سيمر بمناطق يسيطر عليها جيش أراكان، وهو فصيل مسلح يخوض معارك ضد جيش ميانمار، وسجله في انتهاكات حقوق الإنسان مقلق بما في ذلك تجاه الروهينجا، والأسوأ أن مجلس ميانمار العسكري أغلق كل الطرق إلى أراكان تقريباً، باستثناء الطريق المحتمل عبر بنغلادش، مما يجعل الممر شرياناً استراتيجياً في صراع إقليمي.

وعليه، فإن بنغلادش معرضة للانجرار إلى توازن ثلاثي معقّد بين مجلس ميانمار العسكري، وجيش أراكان، والمدنيين الروهينجا، بينما تتربص مصالح الصين والهند، وكلاهما له رهانات استراتيجية في أراكان، وهكذا، يتحول “الممر الإنساني” إلى رقعة شطرنج.

ويُفاقم الموقف غياب الإجماع الداخلي في بنغلادش، فبعض المحللين والدبلوماسيين السابقين يشيرون إلى أن القرار لم يخضع لمشاورات كافية داخل الحكومة أو مع المجتمع المدني، بل علم به بعض المعنيين من وسائل الإعلام.

القلق الأكبر أن يصبح الممر ترتيباً دائماً، فإذا استمرت المساعدات، من يضمن وصولها للمدنيين لا للمقاتلين؟ وما الآلية لمراقبة استخدامها؟ وإذا استُخدم الممر لتهريب السلاح أو المخدرات، من يتحمل المسؤولية؟

لذلك، يجب أن تخضع إدارة الممر لسيطرة بنغلادش الكاملة، فأي نقص في الرقابة قد يؤدي إلى تطورات خطيرة وغير متوقعة، والأخطر أن يتسبب الممر في ترسيخ فكرة أن أزمة الروهينجا “تُدار” بدلاً من أن تُحل، ما قد يُضعف الضغط الدولي لإعادتهم إلى وطنهم، وقد يشجع الممر على مزيد من النزوح، إذا أدرك المدنيون أن المساعدات متوفرة خارج الحدود، لا داخلها.

وعلى الرغم من أن دكا وضعت شروطاً لعمل الممر، إلا أنها لم تُعلن “ما هي الشروط؟ من الشركاء المنفذون؟ ما هي استراتيجية الخروج؟” هذه ليست تفاصيل بيروقراطية بل ضمانات سيادية أساسية.

ما العمل؟ أولاً، يجب على بنغلادش أن تطالب بإطار متعدد الأطراف يشمل الأمم المتحدة، إلى جانب الصين والهند ورابطة آسيان، لضمان عدم تحول الممر إلى ساحة صراع، ثانياً، يجب ربط استمرار الممر بتحقيق معايير واضحة كشفافية في توزيع المساعدات، ومراقبة من طرف ثالث، وآلية واقعية لإعادة الروهينجا، ثالثاً على الحكومة البنغالية أن تُشرك الرأي العام في هذا القرار المصيري.

وأخيراً يجب أن تتفادى بنغلادش أن تُستخدم كأداة في لعبة الجغرافيا السياسية، قد يُنقذ الممر أرواحاً، نعم لكنه لا يجب أن يُكلف الدولة استقلالها الاستراتيجي.

العمل الإنساني ليس ضعفاً ولكن حين يتشابك مع السياسة الدولية، يتطلب واقعية صارمة، وعلى بنغلادش أن تكون الآن حذرة، فالممر قد يكون حلاً مؤقتاً لكن لا يجب أن يكون بداية لأزمة دائمة، وإلا فإن المبادرة النبيلة اليوم قد تصبح خطأً فادحاً غداً.

(الكاتب: م. أ. حسين، مساهم خاص في مجلة “Blitz” وهو محلل سياسي ودفاعي يكتب بانتظام في صحف محلية ودولية، كُتب المقال بموقع “Weekly Blitz” وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.