لماذا هناك حاجة ملحة لعقد مؤتمر عالمي بشأن الروهينجا؟

طفل يسير داخل مخيم للاجئي الروهينجا في "كوكس بازار" في بنغلادش في 30-9-2024 (صورة: Reuters)
طفل يسير داخل مخيم للاجئي الروهينجا في "كوكس بازار" في بنغلادش في 30-9-2024 (صورة: Reuters)
شارك

إن أزمة الروهينجا واحدة من أفظع المآسي الإنسانية في عصرنا الحالي، ولكن مع تحول الاهتمام الدولي إلى أماكن أخرى، تم دفع مأساة لاجئي الروهينجا العالقين في بنغلادش نحو الهامش، إن هذه الأزمة تتطلب اهتماماً دولياً فورياً ومستداماً، والدعوة الأخيرة من قبل الحائز على جائزة نوبل للسلام  رئيس الحكومة المؤقتة ببنغلادش محمد يونس لعقد مؤتمر عالمي بشأن قضية الروهينجا لم تكن لتأتي في توقيت أنسب من هذا.

إن الموقف داخل مخيمات اللاجئين في بنغلادش يسوء يوماً بعد يوم، إذ تستضيف هذه المخيمات التي تعد الأكبر حول العالم أكثر من مليون لاجئ روهنجي فروا من الاضطهاد والإبادة في ميانمار، ويستمر عدد سكان هذه المخيمات في الزيادة سواء بسبب الوافدين الجدد أو ارتفاع معدل المواليد.

ومع ضخامة حجم الأزمة إلا أن الجهود الدولية لمعالجتها كانت شبه منعدمة، وتركت بنغلادش وحدها لتحمل هذا العبء الهائل، فيما تحصل على دعم قليل من جانب جيرانها الإقليميين أو المجتمع الدولي.

إن الحل المستدام الوحيد لهذه الأزمة هو العودة الطوعية الآمنة للروهينجا إلى أرضهم في ميانمار، إلا أن الواقع على الأرض يجعل هذا الاحتمال بعيداً جداً، فمنذ طرد الروهينجا في عام 2017 تم حرق وهدم قرى كاملة للروهينجا بشكل منهجي في ولاية أراكان (راخين) ووزعت أراضيهم على أفراد عرق “الراخين” وغيرهم من الموالين لجيش ميانمار.

وحتى إن وجدت الإرادة السياسية للعودة، وهي غير موجودة، فإن البنية التحتية المادية اللازمة لعودة الروهينجا إلى ميانمار لم تعد موجودة.

أضف إلى تلك التعقيدات التحولات في ديناميكيات السلطة داخل ميانمار، فجيش ميانمار الذي شن حملة الإبادة الجماعية ضد الروهينجا عام 2017 بدأ يفقد السيطرة على ولاية أراكان، ويسيطر جيش أراكان، وهو جماعة متمردة، على معظم أنحاء المنطقة، وفي حين قد يفتح هذا الباب فرص جديدة للحوار إلا أنه يسلط الضوء على المشهد السياسي المنقسم وغير المستقر والذي يجعل التوصل لحل لأزمة الروهينجا أكثر صعوبة.

ومن جانب بنغلادش، فيتعين عليها أن تأخذ أخطائها الاستراتيجية في عين الاعتبار، ففي البداية حاولت بنغلادش الحفاظ على علاقاتها مع ميانمار، حكومةً وجيشاً، عبر التفاوض من أجل التوصل لاتفاق يفضي إلى إعادة الروهينجا وذلك بينما كان الاهتمام الدولي منصباً على الأزمة، إلا أن هذه الاستراتيجية فشلت كلياً، فلم يكن جيش ميانمار يعتزم من الأساس احترام أي اتفاق، وضيعت بنغلادش من يدها فرصة وضع أقصى قدر من الضغوط على ميانمار عبر الآليات القانونية الدولية.

وبعد سنوات قليلة وبعدما خفت الاهتمام الدولي بالأزمة رفعت غامبيا دعوى قضائية ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، إلا أنه مع تضاؤل الزخم الدولي تركت بنغلادش لتتحمل الجانب الأكبر من عبء الأزمة.

أما الروهينجا أنفسهم فيواجهون تحدياً كبيراً آخر وهو الافتقار إلى قيادة موحدة معترف بها عالمياً، فمجتمع الروهينجا منقسم بشدة حيث تدعي مجموعات متعددة أنها تمثل مصالحهم، وقد أعاق هذا الانقسام قدرة الروهينجا على تقديم طرح متماسك أمام العالم والدفاع بشكل فعال عن حقوقهم، وقد يوفر عقد مؤتمر عالمي منصة لمعالجة هذا التشرذم عبر جمع ممثلين عن مجتمع الروهينجا والدول المضيفة والدول المانحة والمنظمات الدولية لرسم مسار للمضي قدماً.

إن مبادرة يونس لتنظيم هذا المؤتمر والتي حظيت بدعم إحدى لجان الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، تشكل خطوة هامة في هذا الاتجاه، فهي توفر فرصة لإعادة تركيز الاهتمام العالمي على أزمة الروهينجا وتحفيز العمل الدولي، كما أنه من الممكن أن يخدم مؤتمر بهذا الحجم عدة قضايا بالغة الأهمية.

أولاً، سيذكر المؤتمر العالم بالكارثة الإنسانية المستمرة في مخيمات بنغلادش والحاجة الماسة إلى وجود حل مستدام.

ثانياً، قد يشحذ المؤتمر همم الدول لكي تفرض عقوبات وتدعم الخطوات القانونية لمحكمة العدل الدولية وتضغط على جيش ميانمار والفاعلين الرئيسيين مثل جيش أراكان لتسهيل العودة الطوعية والآمنة للروهينجا.

ثالثاً، قد يضمن المؤتمر دعماً طويل الأجل لبنغلادش، فلا يمكن لدكا الاستمرار في تحمل العبء وحدها، لذا يمكن للمؤتمر الضغط من أجل زيادة المساعدات المالية وخيارات إعادة التوطين والحصول على دعم أقوى من دول مثل الصين والهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

رابعاً، من خلال لم شمل مجموعات الروهينجا المتفرقة، يمكن للمؤتمر أن يساعد في خلق قيادة موحدة ومعترف بها دولياً وقادرة على الدفاع بشكل فعال عن حقوق مجتمع الروهينجا.

إن المخاطر وصلت إلى مستويات قياسية، والإهمال المستمر لأزمة الروهينجا لا يهدد بكارثة إنسانية فحسب بل يهدد أيضاً باهتزاز الاستقرار الإقليمي، كما أن انعدام الجنسية وطول أمد الحرمان بين سكان الروهينجا قد يؤدي إلى التطرف الذي قد يؤدي بدوره إلى انعدام الأمن في منطقة متقلبة بالفعل، وعلاوة على ذلك، فإن الضغوط على موارد بنغلادش ونسيجها الاجتماعي بات أمراً واضحاً بسبب تصاعد التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

إن الوقت ينفد ولا يمكن للعالم أن يتجاهل الأمر لفترة أطول، كما أن عقد مؤتمر عالمي بشأن أزمة الروهينجا ليس مجرد ضرورة أخلاقية بل ضرورة استراتيجية، وهو فرصة لتصحيح أخطاء الماضي وزرع الأمل بمجتمع تم تجريد أفراده من إنسانيتهم ​​بشكل ممنهج، كما أنه هام لتأكيد التزام المجتمع الدولي بالعدالة والكرامة الإنسانية.

إن يونس محق في الدعوة إلى عقد مثل هذا المؤتمر، والآن بات الأمر في يد المجتمع الدولي أن يستجيب لهذه الدعوة ويتصرف بحزم، إن الروهينجا يستحقون ذلك.

*(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.