لماذا تبدو خطة إعادة الروهينجا إلى ميانمار جوفاء؟

أعداد من لاجئي الروهينجا أثناء فرارهم من ولاية أراكان غربي ميانمار باتجاه حدود بنغلادش (صورة:أرشيفية من الإنترنت)
أعداد من لاجئي الروهينجا أثناء فرارهم من ولاية أراكان غربي ميانمار باتجاه حدود بنغلادش (صورة:أرشيفية من الإنترنت)
شارك

أثار إعلان ميانمار الأخير بشأن إعادة 180 ألف لاجئ روهنجي من بنغلادش اهتماماً دولياً واسعاً، لكن خلف هذا التصريح يكمن نمط مألوف ومقلق، كون الإعلان يأتي في وقت تعاني فيه ميانمار من أزمة سياسية عميقة وصراعات واسعة وانهيار إداري وتدهور الأوضاع الإنسانية.

أجزاء كبيرة من ولاية أراكان موطن الروهينجا أصبحت الآن تحت سيطرة جيش أراكان، بينما تفقد الطغمة العسكرية التي أطلقت وعد الإعادة السيطرة تدريجياً على الأرض والسلطة، وفي ظل هذه الظروف، يصعب أخذ هذا الوعد على محمل الجد، فيما يبدو وكأنه لفتة سياسية لتخفيف الضغط الدولي أكثر من كونه محاولة صادقة لتصحيح أخطاء الماضي.

وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها ميانمار إعادة الروهينجا، بعد محاولتين عامي 1978 و1992 عقب موجات عنف أجبرت مئات الآلاف على الفرار إلى بنغلادش، وفي الحالتين، وافقت ميانمار على إعادتهم بعد ضغوط دولية قوية، لكن تلك الإعادات كانت متسرعة تفتقر للرقابة ولم تعالج الأسباب الجذرية للفرار، حيث تم حرمان العائدين من الجنسية وفرضت عليهم قيود صارمة وتم التعامل معهم بريبة، ولم تؤدِ تلك الجهود إلى سلام دائم، بل مهدت لمزيد من العنف والتهجير في المستقبل.

والوضع الحالي أسوأ بكثير من العقود السابقة، فمنذ الانقلاب العسكري في فبراير 2021، دخلت ميانمار في دوامة فوضى، حيث تواجه الطغمة العسكرية مقاومة من جماعات عرقية مسلحة وحركات مدنية، وحاليا جيش أراكان يسيطر الآن على مناطق رئيسية في ولاية أراكان فكيف للحكومة العسكرية ضمان عودة آمنة وطوعية للاجئي الروهينجا؟.

والأسوأ لا يوجد أي تغيير حقيقي في السياسات، ولا يزال قانون الجنسية لعام 1982 الذي جرد الروهينجا من جنسيتهم ساريًا، ولم تُقدَّم إصلاحات قانونية ولا اعتراف بهم كمجموعة عرقية في البلاد، وداخل ميانمار، ما يزال أكثر من 100 ألف من الروهينجا يعيشون في مخيمات نزوح داخلي، وقضى الكثيرون منهم أكثر من عقد من الزمن هناك مع وصول محدود للرعاية الصحية والتعليم وحرية التنقل. ومنذ الانقلاب أصبحت إمكانية وصول منظمات الإغاثة أكثر تقييدًا، وبالتالي من غير الواقعي وصف أي إعادة بأنها “طوعية” أو “كريمة”.

كما أن تصميم خطة الإعادة الحالية يعاني من عيوب خطيرة، وافقت ميانمار على استعادة الأفراد المدرجين في القوائم بين عامي 2018 و2020، لكن الكثير من الأطفال وُلدوا في المخيمات بعد هذا التاريخ ولم يتم تضمينهم في تلك القوائم، وهذا يثير مخاوف جدية بشأن تفكيك الأسر حيث يُسمح للآباء بالعودة دون أطفالهم، ومثل هذه الحالات تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية وحق الأسرة في البقاء موحدة، ومن الطبيعي أن ترفض الكثير من العائلات العودة في مثل هذه الظروف.

مشكلة أخرى كبيرة هي أن أصوات الروهينجا أنفسهم لا تُعكس بشكل كافٍ في هذه العملية، وأظهرت دراسات ومقابلات من مخيمات اللاجئين في كوكس بازار أن معظم الروهينجا لا يريدون العودة إلا إذا تم تلبية مطالبهم بالحصول على الجنسية وضمانات الأمان وحرية التنقل والعمل والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.

في المقابل، تتحمل بنغلادش عبئاً إنسانياً هائلاً منذ 2017، حيث يعيش قرابة مليون لاجئ روهنجي في المخيمات على حدودها، وأخذ التمويل الدولي في التراجع، ويتزايد السخط بين المجتمعات المحلية والمسؤولين، ومن المفهوم أن بنغلادش تسعى لإيجاد حل، لكن القبول بخطة إعادة معيبة تفتقر لضمانات الأمان والحقوق قد يعرض الناس للخطر ويعيد إحياء صدمات الماضي، ولكي تنجح أي عملية إعادة مستقبلية، يجب اتخاذ عدة خطوات أساسية

أولا: يجب على ميانمار تغيير قوانينها لمنح الروهينجا الجنسية الكاملة، والاعتراف بالروهينجا كمجموعة عرقية رسمية، ثانيا: يجب إشراك المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة في جميع مراحل العملية بالتحقق من العائدين وضمان النقل الآمن إلى مراقبة عملية الاندماج.

ثالثا: يجب أن تشمل الإعادة جميع أفراد الأسرة ومن غير المقبول فصل الأطفال عن والديهم، رابعا: يجب أن تكون الإعادة جزءاً من جهد أوسع لتحقيق العدالة، خامسا: يجب على ميانمار الاعتراف بالجرائم التي ارتُكبت ضد الروهينجا ومحاسبة الجناة وتقديم تعويضات للضحايا.

سادسا: يجب دعم العائدين بخطط دمج طويلة الأجل، حيث يحتاجون إلى التعليم والرعاية الصحية والسكن والعمل والأرض، ولا ينبغي إعادتهم إلى المخيمات أو ملاجئ مؤقتة بل يجب معاملتهم كمواطنين كاملي الحقوق.

قد يبدو وعد ميانمار الأخير بشأن إعادة الروهينجا واعداً من الخارج، لكنه يتجاهل الأسباب الحقيقية للنزوح من الأزمة السياسية المتفاقمة والقوانين التمييزية غير المُعدلة وغياب المساءلة، كلها تشير إلى أن هذه المبادرة لا تهدف إلى مساعدة الروهينجا بقدر ما تهدف إلى تحسين صورة ميانمار دولياً.

(الكاتب: “محمد نور الزمان خان” وهو زميل بحثي في جامعة ملبورن بأستراليا، نُشر المقال في موقع “The Daily Star” وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.