أحياناً أسأل نفسي: لماذا نوجد في هذا العالم؟ ما الغاية من وجودنا حين نُولد في عالم لا يكفّ عن تذكيرنا بأننا غير مرغوب فينا؟ ومع مرور الوقت وتوالى التجارب، أدركت حقيقة مؤلمة: يُعامل اللاجئون غالباً كما لو أنهم ليسوا بشراً بحق، بل مشكلات يجب إدارتها أرقاماً في تقارير أو ظلالاً على هامش المجتمعات.
يتم إحصاؤنا من أجل البيانات، ولكن لا أحد يحسب لنا حساباً في الحياة الفعلية، تُدوَّن أسماؤنا في الوثائق الرسمية وسجلات المساعدات والسياسات، ومع ذلك نبقى غير مرئيين في قلوب العالم، نُقصى من الأماكن ذاتها التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان والكرامة والمساواة، تصبح كلمة “لاجئ” وصمة تجردنا من فرديتنا، من أحلامنا، ومن قصصنا.
يمكن تشبيه حال اللاجئين، وخاصة الروهينجا بحال الأطفال الأيتام، الذين فقدوا وطنهم الأم ويعيشون تحت رعاية حكومة غريبة لا تمنحهم الأمان، بالنسبة للروهينجا، كان الوطن ذات يوم مصدر الانتماء والهوية والجذور كالأم التي ترعى أطفالها وتحنو عليهم، لكن التهجير القسري من ميانمار بسبب الاضطهاد العنيف دمّر هذا الشعور بالانتماء، وتركهم ضائعين في المجهول، وطنهم الأم الذي كان يوماً مصدر الأمان والرعاية أصبح بعيد المنال كما الطفل الذي يفقد والدته.
العبء النفسي لهذا التجاهل كبير، فالمسألة لا تتعلق فقط بعدم الانتماء المادي، بل بالشعور الدائم بأنك تُرى كـ”آخر” تذكار حي لأزمة، ضحية لحرب، أو نازح بلا مأوى، نحمل هذه الهويات قسراً لا خياراً، مُشكَّلة بتاريخ لم نكتبه، ومع ذلك يُتوقع منا أن نصمت، أن نتأقلم، وألّا نأخذ حيزاً من الوجود.
بالنسبة لكثير من اللاجئين، فإن النجاة لا تعني فقط الهروب من العنف، بل النجاة من وحدة النسيان، تعني محاولة بناء حياة في مجتمعات تنظر إليك كمؤقت، حتى وإن مرّت سنوات، تعني أن تحلم من جديد، بينما يتوقع العالم منك أن تبقى صامتاً.
لكن وجودنا ليس عبثياً حياتنا مليئة بالقصص، عن الصمود، وعن الحب، وعن التضامن، وعن القوة التي غالباً ما تُغفل في كل يوم، لا نكافح فقط من أجل مأوى، بل من أجل الحق في أن نكون متساوين في عالم يرفض رؤيتنا، أن نعيش بلا خوف، أن نتعلم، أن ننمو، أن نُساهم، أن نكون بشراً فحسب، لا نطلب أكثر من الحقوق الأساسية التي تُمنح لغيرنا، ومع ذلك لا نزال نُعامل وكأننا غير مرئيين.
نحن لا نزال هنا، لا نزال نعيش، وهذا الوجود رغم تجاهله أو إنكاره يحمل في طياته قوة لا تُنكر، إنه تذكير بأن اللاجئين ليسوا مجرد ضحايا، بل أفراد، رغم كل شيء، ما زالوا يتقدمون للأمام، نحن موجودون وفي استمرارنا هذا قوة.
(الكاتبة: سمية صديق أحمد: طالبة ماجستير بمجال العلوم الصحية والأمراض وصحة الطفل في جامعة “زونجولداك بولنت أجيفيت” التركية، ترجمت المقال وكالة أنباء أراكان)