طرح محللون وبعض وسائل الإعلام نظريات تشير إلى أن بنغلادش تستعد للانخراط عسكرياً إلى جانب جيش أراكان (الانفصالي) و”الجيش الوطني التشيني” (CNA)، بزعم أنه تحت رعاية الولايات المتحدة، بينما يتكهن آخرون بأن بنغلادش قد تكون تدعم حركات انفصالية أو تلعب دوراً مزعزعاً للاستقرار في المنطقة.
هذه الادعاءات رغم طابعها الدرامي غالباً ما تفتقر إلى أدلة قوية وتميل إلى المبالغة في تقدير دور بنغلادش وطموحاتها، وتثير هذه السرديات تساؤلات بشأن مستقبل سياسة بنغلادش في ميانمار وموقفها الإقليمي الأوسع: هل تستعد بنغلادش بالفعل للتورط عسكرياً أو لحرب بالوكالة؟ أم أن هذه الأفكار الجامحة تعكس مخاوف جيوسياسية أكثر من كونها حقائق واقعية؟.
نظراً لتقاليد السياسة الخارجية البنغلادشية التي تتمحور حول التوازن والدبلوماسية وتعزيز السلام، فمن الضروري تقييم هذه الادعاءات بشكل نقدي وفهم ما تنطوي عليه سياسة بنغلادش الواقعية تجاه ميانمار.
التكهنات حول دور بنغلادش في ميانمار وشمال شرق الهند
تشمل الخلفية لكثير من هذه التكهنات وصف بنغلادش لنفسها بأنها “الوصي الوحيد على المحيط”، واقتراح الأمم المتحدة بإنشاء ممر إنساني عبر بنغلادش إلى منطقة أراكان. وقد فسرت بعض الأطراف هذه التطورات كإشارات استفزازية تجاه الهند وعلامات على طموحات إقليمية متزايدة لبنغلادش.
نشر محللون مؤيدون للهند روايات تفيد بأن بنغلادش تستعد للتدخل عسكرياً في أراكان، بدعم من القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة، كما تداولت تقارير حول قيام الجيش البنغلادشي ببناء قواعد لوجستية قرب الحدود مع ميانمار، وتوسيع قدرات الطائرات المسيرة، وتسهيل اجتماعات سرية بين متمردي أراكان ومسؤولين أمريكيين في دكا.
ومع ذلك، تتجاهل هذه التفسيرات كثيراً من الحقائق والسياق الدبلوماسي الأوسع، فمعظم هذه الادعاءات تنبع من مصادر تحمل تحيزات جيوسياسية، خصوصاً تلك التي تخشى من شراكات بنغلادش المتطورة وموقفها الدبلوماسي المتوازن بعد “ثورة يوليو”، كما أن تصوير تواصل بنغلادش مع جيش أراكان كـ”عمليات وكيلة للولايات المتحدة” يغفل عن الضرورات الأمنية البحتة التي تواجهها بنغلادش على حدودها مع ميانمار.
مبادئ سياسة بنغلادش الخارجية
لطالما استرشدت السياسة الخارجية لبنغلادش بمبدأ “الصداقة للجميع، والعداء مع لا أحد”، ويؤكد هذا النهج على التوازن الدبلوماسي، وعدم الانحياز، والتعايش السلمي مع الجيران والقوى العالمية على حد سواء، وتسعى بنغلادش إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع قوى إقليمية مثل الهند والصين، بينما تنخرط أيضاً مع قوى عالمية مثل الولايات المتحدة واليابان.
من المهم الإشارة إلى أن بنغلادش لا تملك سابقة في اتباع دبلوماسية عسكرية هجومية أو التورط في صراعات بالوكالة، فقد أولت دائماً الأولوية للسلام والاستقرار والتنمية، ومع ذلك لا تزال أزمة الروهينجا تمثل الشغل الشاغل لسياستها الخارجية، حيث تسعى بنغلادش إلى حلول إنسانية واتفاقيات لإعادة اللاجئين بدلاً من التصعيد العسكري.
مصالح بنغلادش في ميانمار
يتركز اهتمام بنغلادش بالتعامل مع ميانمار على قضايا الأمن الحدودي، والاهتمامات الإنسانية، والاستقرار الإقليمي، إذ تشترك الدولتان في حدود طويلة ومليئة بالثغرات مع ولاية أراكان، حيث نشأت أزمة لاجئي الروهينجا، ومنذ النزوح الجماعي للاجئين عام 2017، تستثمر بنغلادش بعمق في ضمان عودتهم الآمنة والطوعية والكريمة.
من منظور أمني، يشكل وجود جيش أراكان وهو منظمة مسلحة عرقية تسيطر على جزء كبير من أراضي أراكان تحديات معقدة، فالجيش يسيطر على 80% من أراضي ولاية راخين وجميع نقاط الحدود مع بنغلادش، هذه الحقائق تفرض ضرورة الحفاظ على مستوى معين من التواصل والتنسيق للحد من التهديدات العابرة للحدود.
المصلحة الأساسية لبنغلادش هي ضمان عدم انتقال أي صراع مسلح إلى أراضيها والحفاظ على أمن حدودها، وبالتالي، فإن تواصلها مع جيش أراكان يأتي بدافع براغماتي ودفاعي وليس أيديولوجياً.
السياسة المستقبلية المتوقعة لبنغلادش تجاه ميانمار
استناداً إلى هذه الاعتبارات، من المتوقع أن تتبع سياسة بنغلادش المستقبلية مساراً عقلانياً حذراً فعالاً من حيث التكلفة وموجهاً نحو السلام، ومن غير المرجح أن تنخرط بنغلادش عسكرياً في الحرب الأهلية أو التمردات العرقية داخل ميانمار لتجنب التورط في الصراع الداخلي المعقد، وستحافظ على التواصل مع “الحكومة القائمة” في ميانمار، بغض النظر عن تركيبتها السياسية، لضمان إدارة قضايا الأمن وإعادة اللاجئين.
وستواصل العمل عبر القنوات الثنائية والمتعددة الأطراف، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومنظمة “بيمستيك”، لدفع جهود إعادة الروهينجا وضمان حقوقهم وسلامتهم.
نظراً لسيطرة جيش أراكان على الحدود، ستستمر بنغلادش في قنوات الاتصال البراغماتية لتقليل المخاطر الأمنية وفهم مواقف الجيش بشأن القضايا العابرة للحدود، وستواصل التعاون مع المنظمات الدولية لإدارة مخيمات اللاجئين وتسهيل المساعدات الإنسانية وتهيئة الظروف المناسبة لإعادتهم.
إن الدخول في عمليات عسكرية مع جيش أراكان أو دعم حركات انفصالية سيكون تصرفاً مكلفاً وخطيراً ويهدد استقرار بنغلادش، وأخيراً ستكون سياسات بنغلادش مدفوعة بضرورة حماية سيادتها، ومنع التمردات العابرة للحدود، والحفاظ على السلام الإقليمي من أجل مصالحها الوطنية.
لماذا المشاركة العسكرية أو العمليات بالوكالة أمر مستبعد؟
الادعاءات بأن بنغلادش تستعد لعمليات عسكرية أو تعمل كوكيل للمصالح الأمريكية لا تتماشى مع المنطق الاستراتيجي لبنغلادش، المخاطر الأمنية تفوق الفوائد؛ فالتورط العسكري قد يؤدي إلى هجمات انتقامية، وتدفقات لاجئين جديدة، وتهديدات لوحدة الأراضي، وعدم استقرار داخلي، والتكاليف الاقتصادية والدبلوماسية مرتفعة للغاية، فمسار التنمية في بنغلادش يعتمد على علاقات إقليمية مستقرة وسمعة دولية طيبة.
(الكاتب: عمران حسين وهو محاضر بقسم إدارة الأعمال بجامعة رابندرا مايتري في بنغلادش، كُتب المقال بموقع “Eurasia Review”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)