وصلت محنة لاجئي الروهينجا في بنغلادش إلى نقطة حرجة جراء خطط برنامج الأغذية العالمي خفض الحصص الغذائية الشهرية للاجئين بشكل حاد من 12.50 دولاراً أمريكياً إلى 6 دولارات فقط للشخص الواحد بدءاً من أبريل المقبل بسبب نقص التمويل.
إن هذا الخفض المفاجئ والكبير للأشخاص الذين عانوا من مصاعب لا يمكن تصورها لن يؤدي إلا إلى تفاقم معاناتهم وإغراقهم في مزيد من عدم اليقين، ولقد حان وقت العمل، ونناشد المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية والأفراد المتعاطفين أن يكثفوا جهودهم ويقدموا دعمهم للاجئي الروهينجا خلال هذه الفترة الحرجة، كما أن دعم السلطات المحلية حيوي في هذه الأزمة إذ تلعب دوراً هاماً في إدارة مخيمات اللاجئين وتنسيق جهود الإغاثة.
ويأتي الخفض في أعقاب محاولات فاشلة لجمع التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات المتزايدة للاجئين، ما ترك أكثر من مليون لاجئ في مخيمات “كوكس بازار” يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، إذ يعتمد اللاجئون كلياً على المساعدات الإنسانية، ووسط انعدام فرص العمل أو التعليم سيؤدي خفض الحصص الغذائية إلى تفاقم سوء التغذية وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض، كما تؤثر هذه الأزمة على المجتمع المحلي الذي يعاني بالفعل من ضغط كبير بسبب عدد كبير من اللاجئين.
وظهرت خطط الخفض في وقت حرج يتزامن مع شهر رمضان المبارك، مما يزيد من معاناة اللاجئين، وقد أعرب مفوض الإغاثة وإعادة التوطين في بنغلادش محمد ميزان الرحمن عن قلقه العميق إزاء الخطوة، مشيراً إلى أن اللاجئين بالكاد يعيشون على الحصة السابقة، وأن الخفض سيؤثر بشكل كبير على صحتهم وتغذيتهم.
وتؤكد الأزمة الحالية الحاجة الملحة إلى دعم دولي متجدد ومستدام للاجئي الروهينجا ومعظمهم من الأطفال والنساء الذين يعيشون في مخيمات مكتظة في منطقة “كوكس بازار” بعد فرارهم من العنف في ميانمار عام 2017، معتمدين بشكل كلي على المساعدات الإنسانية، ومع استمرار انخفاض التمويل الدولي تُصبح حياتهم في خطر داهم، ويجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم لمنع وقوع كارثة إنسانية، كما يمكن للأفراد المساهمة بالتبرع للمنظمات الإنسانية المرموقة أو التطوع بوقتهم لدعم جهود الإغاثة، وقد صرح المؤسس المشارك لتحالف الروهينجا الأحرار “ناي سان لوين” أن تخفيضات قسائم الطعام تُمثل “حكماً بالإعدام” على لاجئي الروهينجا الذين يعانون بالفعل من ظروف قاسية.
الجوع يطرق أبواب المخيمات
وفقًا لمسؤولي برنامج الأغذية العالمي، ستجعل التخفيضات الجديدة ملايين اللاجئين عرضة للجوع وسوء التغذية، وحذروا من تسببها في زيادة معدلات فقر الدم ونقص المناعة لدى الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، مما يفاقم التحديات الصحية داخل المخيمات، ويجعل الأطفال الذين يمثلون المستقبل معرضون لخطر التقزم ومشاكل النمو، إن محنة هؤلاء الأطفال، وهم ضحايا أبرياء لهذه الأزمة، يجب أن يدفعنا جميعاً للعمل.
وأوردت صحيفة “ديلي ستار” البنغلادشية أن آلاف العائلات تقضي أياماً كاملة دون حصولها علىى وجبة طعام مناسبة، وتقتات على حصص صغيرة من الأرز والعدس والزيت فقط، ويخشى العاملون في المجال الإنساني من أن يؤدي استمرار نقص الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية وتزايد العنف داخل المخيمات، وهو ما يؤكد ضرورة التدخل الفوري لمنع المزيد من المعاناة والعنف، وهذا ليس احتمالاً بعيداً، بل هو واقع مريع يتطلب منا الاهتمام والعمل.
الآثار الصحية والأمنية الكارثية
تتجاوز المخاوف قضية الجوع لتشمل تدهور الأوضاع الصحية في المخيمات، إذ يعاني العديد من اللاجئين بالفعل من سوء التغذية ما يعرضهم للأوبئة والأمراض المعدية، ومع تزايد التهابات الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية نتيجةً للبيئة غير الصحية، فإن خفض المساعدات سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل غير مسبوق.
وفي ظل هذه الظروف، قد يلجأ بعض اللاجئين إلى خيارات محفوفة بالمخاطر، مثل محاولة الفرار بحراً إلى دول أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا، مما يعرضهم لخطر الغرق أو الوقوع فريسة لشبكات الاتجار بالبشر، ويرسم هذا صورة قاتمة للعواقب المحتملة لخفض المساعدات، والحاجة الملحة للتدخل لمنع المزيد من المعاناة وخسائر الأرواح، إن الوضع مأساوي وقد حان وقت التحرك.
أزمة التمويل العالمية
تعزو الأمم المتحدة خفض المساعدات إلى نقص التمويل الدولي، إذ انخفضت التبرعات للروهينجا بسبب أولويات إنسانية أخرى مثل الحروب في أوكرانيا وغزة والأزمات الاقتصادية العالمية، ووفق تقرير لوكالة “رويترز”، أدى قرار الولايات المتحدة بخفض دعمها للاجئي الروهينجا إلى زيادة الضغوط المالية ما زاد من تعقيدات الاستجابة الإنسانية للاجئين.
وتواجه الحكومة البنغلاديشية، التي تستضيف اللاجئين منذ أكثر من سبع سنوات، ضغوطاً سياسية واقتصادية متزايدة، ما دفعها إلى فرض قيود أكثر صرامة على حركة اللاجئين ومنعهم من الوصول إلى الأسواق المحلية أو العمل في المناطق الحضرية، وهذا يضيف تعقيد آخر إلى الأزمة ويؤكد الحاجة إلى استجابة دولية منسقة.
ماذا بعد؟
مع تفاقم الأزمة، يدعو النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لزيادة المساعدات وضمان استمرار الدعم الغذائي والصحي للاجئين، وقد ناشدت الأمم المتحدة الجهات المانحة لتوفير تمويل إضافي لمنع وقوع كارثة إنسانية، ولكن لا توجد مؤشرات واضحة على حدوث استجابة فورية.
و يقع على عاتق المجتمع الدولي التزام أخلاقي بضمان حصول لاجئي الروهينجا على الحد الأدنى الضروري لحياة كريمة، ومع تضاؤل الموارد يظل لاجئو الروهينجا محاصرين في دوامة من الخوف والجوع، بين مستقبل غير مؤكد وواقع قاسي يجبرهم على النضال يومياً من أجل البقاء.
*(الكاتب: محمود محمد شاكر: ناشط روهنجي حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة في مجال التنظيم وإدارة الأعمال)