لقد كانت محنة اللاجئين الروهينجا بمثابة أزمة إنسانية هائلة منذ فترة طويلة، ولكن التخفيضات الأخيرة في المساعدات الدولية تهدد الآن بدفع السكان المعرضين للخطر بالفعل إلى خطر أعظم، ويواجه لاجئو الروهينجا، الذين يقيمون في الغالب في مخيمات مترامية الأطراف في بنغلادش، حقيقة قاسية، فالمساعدات غير كافية، وكما يعانون من سوء التغذية الحاد، ومجموعة من التحديات الأخرى المستمرة.
تعرض شعب الروهينجا، وهم أقلية مسلمة في ميانمار، لعقود من الاضطهاد والعنف المنهجي من قبل الجيش في ميانمار، وفي عام 2017، أجبرت حملة وحشية من التطهير العرقي أكثر من 700 ألف من الروهينجا على الفرار إلى بنغلادش المجاورة، حيث يقيمون الآن في أكبر مخيم للاجئين في العالم في منطقة كوكس بازار.
ورغم أن المجتمع الدولي استجاب في البداية بزيادة المساعدات، وتوفير الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، فإن الأزمة استمرت دون حل قابل للتطبيق لإعادة اللاجئين إلى أوطانهم أو إعادة توطينهم.
والآن، بعد مرور سبع سنوات، تضاءل التركيز العالمي على الروهينجا، وتكافح وكالات الإغاثة بسبب انخفاض التمويل، واضطر برنامج الغذاء العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية للاجئين بسبب نقص التبرعات الدولية، مما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في المخيمات.
إن خفض المساعدات ليس إزعاجاً بسيطاً للاجئين الروهينجا؛ بل هو بمثابة إزالة شريان الحياة، وقد اضطر برنامج الغذاء العالمي بالفعل إلى خفض قسائم الغذاء الشهرية لكل لاجئ من 12 دولاراً إلى 10 دولارات، والآن، مع استمرار نقص التمويل، فقد يتم خفضها أكثر، وهذا يعني أن اللاجئين، الذين يعاني الكثير منهم بالفعل من سوء التغذية، سيكون لديهم قدرة أقل على الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية، وبالنسبة لسكان يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الدولية من أجل البقاء، فإن هذا يشكل ضربة مدمرة.
إن التخفيضات هي نتيجة مباشرة لإرهاق المانحين، فمع تضاعف الأزمات العالمية، من الحرب في أوكرانيا إلى الاحتياجات الإنسانية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتبدد الاهتمام والموارد الموجهة نحو الروهينجا، فالدول التي كانت ذات يوم من المساهمين السخيين تعطي الأولوية الآن للاحتياجات المحلية أو تحول التركيز إلى أزمات جيوسياسية أخرى، كما أثقل الوباء كاهل اقتصادات المانحين، مما أدى إلى تفاقم العجز في التمويل.
سوء التغذية
لقد أصبح انعدام الأمن الغذائي الشديد بالفعل حقيقة صارخة بالنسبة للاجئي الروهينجا، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن معدلات سوء التغذية في المخيمات مرتفعة بشكل مثير للقلق، حيث يعاني ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة من التقزم، وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص لأن سوء التغذية في مرحلة الطفولة المبكرة له عواقب لا رجعة فيها على النمو البدني والإدراكي.
إن سوء التغذية لا يعني الجوع فحسب، بل إنه يؤدي إلى إضعاف الجهاز المناعي، مما يجعل الأفراد، وخاصة الأطفال، أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وفي المخيمات المكتظة حيث الصرف الصحي رديء والخدمات الصحية محدودة، يرتفع خطر تفشي أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد، ويخلق سوء التغذية والمرض حلقة مفرغة: فالأجسام الضعيفة أقل قدرة على مكافحة العدوى والأمراض المتكررة تؤدي إلى استنزاف الاحتياطيات الغذائية، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية أكثر خطورة.
إن النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر في هذا السياق، والنساء الحوامل والمرضعات اللاتي يعانين من سوء التغذية أكثر عرضة للمضاعفات أثناء الولادة، كما أن أطفالهن أكثر عرضة للولادة بوزن أقل من الطبيعي وأكثر عرضة للإصابة بالعدوى، والنتيجة التراكمية هي أن السكان يصبحون أضعف وأقل قدرة على الصمود وأكثر اعتماداً على المساعدات المتناقصة.
ولن يقتصر تأثير هذه التخفيضات على المستقبل القريب، فالعواقب الطويلة الأجل لسوء التغذية بين لاجئي الروهينجا قد تؤدي إلى نشوء جيل ضائع، أطفال لا يعانون من التقزم الجسدي فحسب، بل ويفتقرون أيضاً إلى الفرص التعليمية والاقتصادية اللازمة لكسر حلقة الفقر والنزوح.
ويواجه أطفال الروهينجا في المخيمات بالفعل حواجز كبيرة أمام التعليم، فكثير منهم غير قادرين على الوصول إلى التعليم الرسمي، وأولئك الذين يستطيعون الالتحاق غالباً بمدارس تعاني من نقص الموارد ومعلمين غير مدربين، وتتعرض قدرة الطفل الذي يعاني من سوء التغذية على التعلم والتركيز للخطر الشديد، مما يعني أن حتى الفرص التعليمية المحدودة المتاحة قد لا يتم الاستفادة منها بالكامل.
وبدون التعليم المناسب، فإن احتمالات بناء مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال قاتمة، وسوف تستمر عواقب سوء التغذية والافتقار إلى التعليم على نطاق واسع في المجتمع لسنوات، مما يضمن استمرار دورة الفقر والنزوح.
وكانت استجابة المجتمع الدولي لأزمة الروهينجا سريعة وسخية في البداية، لكن هذا الزخم تلاشى، ولا تستطيع بنغلادش، التي استضافت أكثر من مليون لاجئ بتكلفة اجتماعية واقتصادية كبيرة، أن تتحمل العبء بمفردها، وتوضح الموارد المحدودة للبلاد والتحديات المحلية أن المساعدة الدولية ليست ضرورية فحسب، بل إنها بالغة الأهمية.
إن قطع المساعدات لا يعرض شعب الروهينجا للخطر فحسب، بل ويهدد أيضاً بزعزعة استقرار المنطقة المضطربة بالفعل، فقد أصبحت المخيمات أرضاً خصبة للتطرف والجريمة المنظمة مع انتشار اليأس والإحباط، ويشكل التطرف تهديداً حقيقياً للغاية، حيث قد يصبح الشباب المحبطون عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة العاملة في المنطقة، كما قد يؤدي الافتقار إلى الفرص والكارثة الإنسانية المستمرة إلى إثارة موجات أخرى من النزوح، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في البلدان المجاورة وخارجها.
إن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أخلاقية وجيوسياسية لضمان استمرار المساعدات المقدمة إلى الروهينجا، بل وزيادتها، ويتعين على البلدان التي كانت تاريخياً في طليعة تقديم المساعدات الإنسانية، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، أن تجدد التزاماتها، والفشل في القيام بذلك من شأنه أن يؤدي إلى خلق أزمة مطولة لن تؤثر على الروهينجا فحسب، بل وأيضاً على الاستقرار الإقليمي الأوسع.
إن إرهاق المانحين أمر مفهوم في عالم مليء بالأزمات المتنافسة، ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى قضية الروهينجا، إن استعادة وزيادة المساعدات لن ينقذا الأرواح في الأمد القريب فحسب، بل سيساعدان أيضا في منع كارثة إنسانية طويلة الأمد سيكون لها عواقب تتجاوز حدود بنغلادش، ويتعين على العالم أن يتحرك الآن وإلا فسوف يخاطر بمشاهدة أحد أكثر الناس تعرضاً للاضطهاد في التاريخ الحديث وهو يقع في يأس أعمق.
*(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)