تجويع عديمي الجنسية “الروهينجا”

مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
شارك

أليس من الصعب تخيُّل البقاء على قيد الحياة بـ20 سنتًا فقط في اليوم؟ لكن، منذ الأول من أبريل، يعيش أكثر من مليون لاجئ روهنجي في بنغلادش على هذا المبلغ بالضبط، بعد سبع سنوات في مخيمات مكتظة دون جنسية، دون رعاية صحية، دون تعليم، دون كرامة، دون عمل، دون مستقبل يعيشون الآن على ستة دولارات فقط شهرياً، وهو ما يعادل ثمن كوب قهوة في نيويورك، وها هو ما يُقدَّم باسم “العالم الحر” كمساعدة كافية لأناس جُرِّدوا مسبقاً من كل شيء.

هذا الخفض الأخير الذي أعلن عنه برنامج الأغذية العالمي ليس مجرد تعثّر مؤقت؛ إنه تآكل بطيء، حبة بحبة، لكرامة الإنسان، في عام 2023، انخفضت الحصص الغذائية من 12 دولاراً إلى 10 ثم إلى 8، قبل أن تعود مؤقتاً إلى 12.50 دولاراً بعد موجة احتجاج عالمية، لكن ذلك لم يُحدث فارقًا كبيرًا، إذ ارتفعت معدلات سوء التغذية، وأصبح الأطفال أكثر مرضاً والأمهات أكثر ضعفاً، والآن انخفضت الحصص إلى 6 دولارات فقط، ولا يمكن تجميل هذه الحقيقة.

لم تعد هذه “مساعدات إنسانية”، إنها تخلٍّ وإهانة عندما تبلغ تكلفة الوجبة الأساسية في المخيم نحو 50 سنتاً، بينما يُمنح اللاجئ 20 سنتاً فقط يومياً، بالكاد تكفي لشراء نصف وجبة (أشبه بمن يحضر العشاء ومعه فقط قيمة البقشيش)، عائلات الروهينجا بدأت بالفعل بتقليص عدد الوجبات وتقسيم الفتات وتحديد من يأكل ومن لا.

يُرجِع برنامج الأغذية العالمي هذا الخفض إلى “إرهاق المانحين”، الولايات المتحدة ومعظم دول العالم أداروا ظهورهم، تم تحويل التمويل إلى أزمات “أكثر قبولاً سياسياً” مثل أوكرانيا، الروهينجا لم يعودوا يتصدرون العناوين، وصاروا غير مرئيين في العالم البراغماتي الذي يحركه الصفقات كما لدى ترامب، لكن المساعدات لا يجب أن ترتبط بالاتجاهات أو بالمكاسب السياسية، لأن العمل الإنساني يفقد معناه حين يتعامل بتمييز.

استضافة أكثر من مليون لاجئ أي أكثر من سكان بعض الدول، مع ما تواجهه بنغلادش من أزمات هو عبء مرهق، الدول التي أدانت ذات يوم تطهير ميانمار العرقي مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، اختفت من المشهد الأخلاقي، ومن السهل قول “لن يحدث مجدداً” أمام الميكروفونات، لكن من الصعب تمويل الوجبات التي تُبقي الناجين أحياء.

الجوع لا يُضعف الأجساد فقط، بل يمزق نسيج المجتمع، الجائعون لا يصطفون بهدوء بانتظار المساعدات، بل يتحركون، يهربون، يركبون قوارب الموت، يفعلون ما يلزم للبقاء، بالنسبة للروهينجا قد يعني ذلك الوقوع فريسة للمتاجرين بالبشر أو المغامرة برحلات بحرية قاتلة أو الانجراف نحو جماعات مسلحة تعدهم بـ”هدف”.

أما عن الوعود الجوفاء، فقد أعلنت ميانمار مؤخراً أن 180 ألفاً من الروهينجا “مؤهلون” للعودة، يبدو الأمر واعداً إلى أن نتذكّر أن هذا هو نفس النظام الذي نظّم الإبادة الجماعية ضدهم؛ نفس النظام الذي وقّع على اتفاق إعادة التوطين عام 2017 ولم ينفّذ منه شيئًا يُذكر، أقل من ألف شخص عادوا، وحتى هؤلاء شعروا وكأنهم تم ترحيلهم قسراً لا إعادتهم، لأن العودة بدون أمان وحرية وجنسية ليست حلاً، بل فخاً مغطى بكلمات مثل “الديمقراطية”.

دعونا لا نجمّل الواقع، الروهينجا محاصرون من جميع الجهات: ميانمار لا تريدهم، بنغلادش لا تستطيع تحمّلهم، والعالم يرفض إطعامهم.

كفى هذا الجمود! لا بد أن يتغير شيء، البداية تكون من الأساسيات، يجب إعادة الحصص الغذائية ليس في العام القادم ولا الشهر المقبل ولا عندما تعود العناوين الإخبارية ولا عندما يصبح الأمر ملائماً سياسياً ولا بعد أن يموت المزيد من الروهينجا بصمت، بل الآن!

على الدول الغنية أن تفتح خزائنها وتتوقف عن التظاهر بعدم سماع الإنذار الكارثي، لكن المال وحده لا يكفي، الروهينجا بحاجة إلى مسارات حقيقية: الزراعة، مشاريع صغيرة، أو حتى الحد الأدنى من الاستقلال، أي شيء يُعيد لهم السيطرة على حياتهم، كما يجب على العالم أن يضغط على ميانمار لإلغاء قانون الجنسية لعام 1982، ومنح الروهينجا مستقبلاً حقيقياً.

(*الكاتب: سيد نامدار علي شاه، محاضر في اللغة الإنجليزية في إدارة التعليم العالي بإقليم خيبر بختونخوا الباكستاني، نشر المقال بموقع “إكسبريس تريبيون”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.