العالم يتخلى تدريجياً عن الروهينجا

لاجئون من الروهينجا يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية بمخيم "كوتوبالونغ" في بنغلادش (صورة: AFP)
لاجئون من الروهينجا يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية بمخيم "كوتوبالونغ" في بنغلادش (صورة: AFP)
شارك

فيما يصرف العالم نظره، يتلاشى التمويل الدولي للاجئي الروهينجا في بنغلادش، بما في ذلك تخفيضات كبيرة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مما يترك نحو مليون شخص يائس في مواجهة خطر الجوع والمرض.

تكشف عيون الأطفال الصغار الحقيقة نظرات خاوية محاطة بتجاويف داكنة كان ينبغي أن تكون ممتلئة وناعمة، وهناك دلائل أخرى رؤوس أكبر قليلاً من أجسادهم، وأطراف نحيلة كالعيدان، هذه علامات لا تخطئها العين على سوء التغذية المزمن.

في المخيمات المؤقتة الشاسعة في كوكس بازار، والتي تضم واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم، تُعد هذه العلامات مشهداً مألوفاً يدمي القلب، يعيش أكثر من مليون لاجئ روهنجي في 33 مخيماً بمنطقتي أوخيا وتكناف، من بينهم يعاني نحو 320,000 طفل من سوء التغذية، ويزداد هذا العدد سنويا بنحو 22,000 طفل يولدون في عالم عاجز عن إطعامهم.

فرّ هؤلاء اللاجئون من الإبادة الجماعية والاضطهاد في ميانمار، لكنهم يواجهون الآن شكلاً آخر من العنف، حرمان يومي بطيء من الغذاء والرعاية الصحية والكرامة.

تفاقم الأزمة

حتى وقت قريب، كان برنامج الأغذية العالمي يوفر 12.50 دولاراً أمريكياً شهرياً لكل لاجئ وكان هذا بالكاد يكفي لتجنب المجاعة، وفي أوائل مارس، حذّر البرنامج من أن هذه الحصص قد تنخفض إلى 6 دولارات شهرياً ما لم يتم تقديم مساعدات عاجلة، وقد عُدلت الحصة لاحقاً إلى 12 دولاراً شهرياً، لكن هذا لا يزال أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب.

لإدراك مدى ضآلة هذا المبلغ، في بنغلادش، يبلغ سعر كيلو الأرز حوالي 49 سنتاً، والعدس 32 سنتاً، والدجاج 2.46 دولاراً، يمكن بسهولة تخيل كيف أن أسرة مكونة من أربعة أفراد تتلقى 1.56 دولار فقط في اليوم، بالكاد تستطيع الحصول على طعام يسد الرمق.

ويقول الأطباء إن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام وثلاثة أعوام يحتاجون إلى ما لا يقل عن 1,400 سعرة حرارية يومياً، أما من تتراوح أعمارهم بين تسعة وثلاثة عشر عاماً فيحتاجون إلى 1,600، والنساء إلى ما يصل إلى 2,400 سعرة، والرجال إلى 2,500 سعرة أو أكثر حسب الطول والبنية.

الحصص الحالية تترك الروهينجا تحت هذه المستويات بكثير، والعواقب ليست فورية فحسب بل تمتد لأجيال، فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية معرضون لتقزم النمو، وضعف المناعة، وتأخر النمو العقلي الدائم.

هذه ليست كارثة مفاجئة بل مأساة بطيئة الحركة، تتكشف على مدى سنوات، يعيش الروهينجا في حالة من “التيه” في بنغلادش منذ نزوحهم الجماعي عام 2017 حين فرّ أكثر من 750,000 شخص مما وصفته الأمم المتحدة بـ”نموذج للإبادة العرقية” على يد جيش ميانمار. وقد سبق ذلك موجات لجوء منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب الاضطهاد المتكرر.

لكن الاهتمام العالمي ومعه تمويل المانحين أخذ يتراجع تدريجياً، وعندما تحدثت إلى ممثلين من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أوضحوا أن الدعم الإنساني آخذ في التراجع منذ ما يقرب من عقد، ويُصنّف الوضع في بنغلادش الآن بأنه “أزمة إنسانية ممتدة”، ولم يعد يحظى بالأولوية كما كان في السابق، وأكد عمال الإغاثة أن التمويل مرتبط بالاهتمام الإعلامي فعندما تختفي العناوين، تختفي الأموال.

ويقول برنامج الأغذية العالمي، إن العجز في تمويل الغذاء سببه انخفاض التبرعات بشكل عام، وليس نتيجة قرار من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتقليص المساعدات الخارجية، لكن التخفيض الأخير في تمويل USAID بمقدار 8.8 ملايين دولار للمخيمات، لم يؤثر على الغذاء فقط، بل طال خدمات أساسية مثل الصحة الإنجابية، والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ورعاية الأمهات.

وخلال زيارتي لمخيمي كوتوبالونغ وبالوخالي في مارس، شاهدت الآثار الواقعية لهذه التخفيضات، خمسة عيادات كانت تديرها لجنة الإنقاذ الدولية اضطرت إلى تقييد خدماتها للحالات الطارئة فقط، وأوضح الطاقم أن انخفاض التمويل أدى إلى إغلاق برامج الدعم المجتمعي التي كانت تقدم المساعدة للنساء والأطفال الأكثر عرضة للخطر.

مستقبل في مهب الريح

الآثار الأوسع لهذا الانهيار التمويلي مقلقة للغاية، وقد حذّر خبراء بمن فيهم منسقو المخيمات والعاملون في المنظمات غير الحكومية، من أن اليأس بدأ يتفشى، وأوضحوا كيف أن الجوع والفقر قد يدفعان بعض أفراد المجتمع إلى الانضمام للعصابات أو اللجوء إلى أنشطة غير مشروعة كوسيلة للبقاء، وأشار آخرون إلى ارتفاع حالات العنف المنزلي وزيادة تقارير الاتجار بالبشر داخل المخيمات.

ومع وجود أكثر من مليون شخص عديمي الجنسية يعيشون في مساحات مكتظة محرومين من حق العمل أو التنقل أو الاندماج في المجتمع البنغلادشي فإن الضغط ينذر بالانفجار، ومع استمرار تدفق اللاجئين من ميانمار بسبب الاضطرابات المستمرة يزداد هذا الضغط أكثر فأكثر.

وقد تعهدت المفوضية الأوروبية مؤخراً بتقديم 79.4 مليون دولار كمساعدات لدعم الروهينجا وغيرهم من المتضررين من النزاع في ميانمار، لكن هذا الرقم لا يقترب حتى مما هو مطلوب، فوفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، هناك حاجة عاجلة إلى 96 مليون دولار فقط لاستعادة الحصص الغذائية الكاملة لبقية العام.

حجم الحاجة هائل وشعور التخلي أكبر

ما يحدث في كوكس بازار ليس مجرد أزمة إنسانية بل فشل أخلاقي، لقد عانى الروهينجا بالفعل من فظائع لا توصف، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب وحرق المنازل والحرمان من الجنسية، والآن نشاهدهم يجوعون لا بسبب الحرب بل بسبب لا مبالاة العالم.

عندما شهد العالم معاناتهم لأول مرة، تدفقت مشاعر التعاطف والدعم، لكن التعاطف له تاريخ انتهاء في دورة الأخبار العالمية، التمويل مشروط بالاهتمام، والاهتمام، كما رأينا سريع الزوال.

(الكاتب: شميم شودري وهي كاتبة صحفية مستقلة تقيم في لندن سبق لها تغطية أزمة اللاجئين الروهينجا والحرب في سوريا، نُشر المقال بموقع “TRT Global”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.