لطالما سمعت عن تلك السجون التي يقترن اسمها بالرعب، مثل تدمر وصيدنايا في سوريا، حيث الداخل مفقود والخارج مجنون، فخلف هذه الأبواب المغلقة مئات بل آلاف من الأنفس البريئة التي سلب منها حقها في العيش، ثم لا تفتح إلا للموت.
منذ أمس وأنا أترقب أخبار المعتقلين المغيبين، وأراقب جهود الناس في البحث عن الأبواب التي تقود إلى أولئك الذين ضاعت أسماؤهم في سراديب النسيان.
تخيلوا يا كرام… جموع من البشر تقف عاجزة، ترتطم بالجدران، دون أن تصل حتى إلى عتبات تلك الأبواب!
أبواب أحكمت إغلاقها قسوة البشر وظلم الأنظمة، فلا تترك حتى بصيص أمل يتسلل عبر شقوقها.
هنا، تذكرت أهلنا وشعبنا الروهينجا الذين التقيت بهم في أسفاري.
لقد رأيتهم في أزقة اللجوء، في معسكرات الشتات، وفي أروقة المعتقلات، يتحدثون عن وطن أُخذ منهم، وعن هويات لم يملكوها يومًا وعن إخوتهم الذين لم يصلوا أصلا إلى تلك السجون، لأنهم غرقوا في البحار والمحيطات أو دُفنوا بمقابر جماعية في الحدود الماليزية والتايلندية.
وإن حالفهم ما نسميه حظًا ووصلوا اليابسة، فمصيرهم المعتقلات التي تسلب من أعمارهم السنين، لا لجريمة ارتكبوها، بل فقط لأنهم يحملون ذنبًا واحدًا… ذنب أن يكونوا بلا وثائق، بلا وطن، بلا دولة تعترف بهم أو تفتح ذراعيها لحمايتهم.
إنها مأساة لها بداية ولكن لم تغلق فصولها بعد ولم تكتب لها نهاية، تُحاك خيوطها بين أمواج الغربة وأبواب السجون… مأساة تتحدث عن بشر لم يُمنحوا حق الانتماء، وكأنهم لا ينتمون لعالم البشر.
أتذكر هنا قول الشاعر:
أتراها ضاقت علينا وحدنا
يا كاتب التاريخ ماذا جدَّ فاستثنيتنا