لقد أُجبر الروهينجا في ميانمار على مغادرة منازلهم ليصبحوا لاجئين لسنوات عديدة حفاظاً على حياتهم بسبب التحريض والإبادة العرقية التي ارتكبتها الطغمة العسكرية في ميانمار، في أغسطس 2017، لجأ ما لا يقل عن 700 ألف من الروهينجا إلى بنغلادش لإنقاذ حياتهم في مواجهة أكثر الهجمات العرقية وحشية في الذاكرة الحديثة، وكانوا قد فروا إلى بنغلادش في وقت سابق بسبب نفس الحادثة، ونتيجة لذلك، بلغ عدد الروهينجا الذين لجأوا إلى المناطق الساحلية في بنغلادش الآن حوالي 1.2 مليون شخص.
تُجبر بنغلادش على إيوائهم لأسباب إنسانية، ومع ذلك، لم تتمكن القوى الكبرى في العالم، بما في ذلك الأمم المتحدة، من لعب دور فعال في إيجاد حل حقيقي لمشاكل هذه الفئة الضعيفة من الناس، بل على العكس، تفاقمت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الناس بسبب الوضع الجيوسياسي المعقد، ولم تلعب الهند والصين دوراً نشطاً بما يتماشى مع مصالحهما الخاصة، من ناحية أخرى، قدمت القوى الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة مساعدات مالية وتحدثت عن المشكلة، لكنها لم تتمكن من حلها، وربما كان الاضطراب المتزايد في ميانمار هو ما جعل بنغلادش تشعر بالحاجة إلى التحرك بسرعة: ففي الأشهر الأخيرة، عبر حوالي 20 ألف لاجئ من الروهينجا الحدود إلى بنغلادش.
تلقت بنغلادش لفترة من الزمن كميات كبيرة من المساعدات للروهينجا من مجموعات المانحين المختلفة بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، ولكن هذه المساعدات تقلصت مع مرور الوقت، وإن الأزمات في أماكن أخرى من العالم، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وهجوم إسرائيل على غزة، حولت الانتباه الدولي عن الروهينجا، وكانت بنغلادش مثقلة منذ فترة طويلة بعدد كبير من الروهينجا، مما يشكل تهديداً للبيئة الطبيعية للبلاد، بالإضافة إلى خلق أزمات اجتماعية وسياسية داخلية، من ناحية أخرى، فإن حقوق الإنسان للأشخاص المحصورين في المخيمات محدودة، ويقضون سنوات في حالة من عدم اليقين بشأن متى سيتمكنون من العودة إلى وطنهم، أو ما إذا كانوا سيعودون على الإطلاق.
من ناحية أخرى، كان نظام الشيخة حسينة السابق في بنغلادش دكتاتورياً، إلى جانب الإدارة والشرطة، كانت القوى الأجنبية هي وسيلة بقاء تلك الحكومة، ونتيجة لذلك، كان نظام حسينة السابق ضعيفاً دبلوماسياً وأقل قبولاً من المجتمع الدولي، وبالتالي، لم تتمكن بنغلادش من إثارة قضية الروهينجا على الساحة العالمية.
لكن تلك الحكومة سقطت بعد هروب الشيخة حسينة في حركة جماهيرية في 5 أغسطس/ آب الماضي، وأصبح الحائز على جائزة نوبل الدكتور محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة للبلاد، وبالإضافة إلى حل جميع مشاكل البلاد الأخرى، تقع مشكلة الروهينجا أيضًا على عاتقه، ومن المتوقع أن الدكتور يونس ربما يكون الشخص الأكثر تأهيلاً لهذا العمل، لأنه لا يوجد بنغلادشي آخر يتمتع بنفس اتصالاته ونفوذه الدولي في الوقت الحالي، وتتمثل الخطوة الأولى المهمة في حل المشكلة في أن يقوم يونس، الذي يتمتع بعلاقات دولية كبيرة، بالضغط من أجل المزيد من المساعدات الإنسانية للاجئين الروهينجا في بنغلادش وإيجاد حل مستدام لإعادة الروهينجا من بنغلادش إلى ميانمار.
ودعماً لهذا الأمل، دعا مؤخراً إلى أن تنشئ الأمم المتحدة مناطق آمنة للنازحين في ولاية أراكان في ميانمار وتجد طرقاً لمساعدتهم، وقال إن هذا قد يكون بداية جيدة لحل الأزمة المستمرة في أراكان ومنع دخول آلاف اللاجئين الجدد إلى بنغلادش، وقد صرح بذلك عندما جاء المقرر الخاص للأمم المتحدة “توماس أندروز” للقاءه في مكتب المستشار الرئيسي حول وضع حقوق الإنسان في ميانمار.
إعادة الروهينجا إلى بلادهم هو الحل الوحيد، ولكن عملية إعادة التوطين تواجه العديد من التعقيدات، والجهود الدبلوماسية متعددة الأوجه ضرورية لحل أزمة الروهينجا، ويجب على الدول المؤثرة اتخاذ مبادرات فعالة لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار في ميانمار وولاية أراكان.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم الذي زار بنغلادش مؤخراً، وصف محمد يونس أزمة الروهينجا التي طال أمدها بأنها قنبلة زمنية جديدة، وحذر المجتمع الدولي من أنها قد تنفجر في أي وقت، وقال إن حل هذه المشكلة ليس في أيدي بنغلادش، بل في أيدي المجتمع الدولي، ولا يمكننا الانتظار إلى الأبد، هذا أمر يجب معالجته في أسرع وقت ممكن.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، ناقش المقرر الخاص توماس أندروز برئيس الحكومة المؤقتة في بنغلادش أزمة الروهينجا، على هامش الدورة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفي ذلك الوقت، أشاد بالمقترح المكون من ثلاث نقاط الذي قدمه يونس للأمم المتحدة لحل أزمة الروهينجا، ونصح البروفيسور يونس بوقف العنف في ولاية أراكان ومناقشة قضية النازحين مع المجتمع الدولي بما في ذلك رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، كما طلب مساعدة المقرر الخاص لتسريع إعادة توطين آلاف اللاجئين الروهينجا في دول ثالثة.
وقال: “أولاً وقبل كل شيء، نريد من الأمين العام للأمم المتحدة تنظيم مؤتمر حول أزمة الروهينجا بحضور جميع الأطراف المعنية في أقرب وقت ممكن”، وراجع الدكتور يونس حالة أزمة الروهينجا بشكل عام وقال إنه ينبغي اقتراح حل جديد طويل الأمد لإنهائها.
ثانياً، ذكر أن مبادرة “خطة الاستجابة المشتركة” التي تم تنفيذها بالتعاون بين بنغلادش والأمم المتحدة يجب إحياؤها، ووفقاً ليونس، يجب اتخاذ قرارات سياسية لتعزيز عملية جمع الأموال، لأن هناك نقصاً في الأموال المخصصة للإنفاق على الروهينجا.
“يجب على المجتمع الدولي أن يقدم دعماً صادقاً لضمان العدالة لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الروهينجا”، قال يونس في المقترح الثالث.
نأمل أن تتمكن حكومة بنغلادش والأمم المتحدة، إلى جانب القوى العالمية الأخرى، من حل قضية الروهينجا في أقرب وقت، إذا اتخذ يونس مبادرات فعالة في هذا الصدد، فمن المأمول أن يتم حل هذه المشكلة الإنسانية الخطيرة، ويجب أن نكون جميعاً يقظين حتى لا تفقد هذه المشكلة أهميتها في ظل الوضع العالمي المضطرب والمليء بالنزاعات، ودور الدول الكبرى في معالجة هذا التحدي وتسهيل إعادة التوطين أمر حاسم.
ويؤكد يونس أن العالم يجب أن يتحد لصالح موقف بنغلادش بأنها لا تستطيع استقبال المزيد من الروهينجا، وزيادة الإمدادات الإنسانية، ودعم مبادرات التنمية المجتمعية، وممارسة الضغط على ميانمار لتسريع عمليات إعادة التوطين كلها أمثلة على هذا الدعم، وبنغلادش مستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي لتوفير الظروف اللازمة لعودة الروهينجا بشكل كريم ومستدام.
(الكاتب: إبراهيم خليل أحسن، نشر المقال في موقع “eurasiareview”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)