تعرض لاجئو الروهينجا للعنف لفترة طويلة عبر التاريخ، وأصبحت أزمة اللاجئين الروهينجا قضية عالمية ملحة، ومن هنا، يجب فهم الأزمة من منظور أوسع يتناول التنافس على القوة الجيوسياسية والاستراتيجية.
وتبرز هنا مجموعة من الأسئلة: ما هي العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تؤثر بشكل حاسم على أزمة اللاجئين الروهينجا؟ لماذا تدعم الصين موقف ميانمار في هذه الأزمة؟ وإلى أي مدى تؤثر أزمة الروهينجا على مبادرة الحزام والطريق؟ هذه الأسئلة تستدعي تحليلاً أكاديمياً دقيقاً للوصول إلى فهم أفضل ورؤى أعمق حول النظام العالمي والإقليمي المتغير.
خلفية
مع صعود القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، تنبأ البروفيسور ستيفن والت عام 2018 في ورقته البحثية بعنوان “القوى الصاعدة ومخاطر الحرب: نظرة واقعية للعلاقات الصينية الأميركية” بأن الولايات المتحدة والصين ستنظران إلى بعضهما كخصمين بشكل متزايد، وستنخرطان في منافسة أمنية أكثر حدة.
خلال حملة القمع في عام 2017 في ولاية أراكان (راخين)، تم تهجير حوالي 742 ألف شخص من الروهينجا من ميانمار إلى بنغلادش المجاورة، وقتل حوالي 6700 رجل وامرأة وطفل من الروهينجا.
لدى الصين مصالح اقتصادية وجيواستراتيجية ضخمة في ولاية أراكان بميانمار، وتعد مبادرة الحزام والطريق الصينية استراتيجية لتعزيز العولمة والمصالح الإقليمية.
حقق اقتصاد الصين تطوراً سريعاً وانتشاراً واسع النطاق خلال الثلاثين سنة الماضية من الإصلاحات والانفتاح، ما جعل صعود الصين ظاهرة عالمية.
جذبت مبادرة الحزام والطريق الصينية اهتماماً واسعاً من الدوائر السياسية والأكاديمية، وتسعى المبادرة لخلق التعاون في خمسة مجالات رئيسية: تيسير التجارة والاستثمار، وتنسيق السياسات، وتطوير البنية التحتية والاتصال، والتكامل المالي، وتواصل الشعوب.
وتضم المبادرة دولاً تمتد عبر وسط وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وأوقيانوسيا، ووسط وشرق أوروبا، وغرب آسيا، وشمال أفريقيا، وتغطي حوالي 900 مشروع بقيمة تصل إلى تريليون دولار أمريكي منذ منتصف عام 2018، وتتراوح قيمة الاستثمارات المتوقعة للصين في إطار المبادرة بين 1.4 تريليون و6 تريليونات دولار.
وتقع قضية الروهينجا على رأس أولويات حكومة الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، حيث قدمت الصين الحماية الدبلوماسية لميانمار ضد الانتقادات الدولية بعد فرار نحو ثلاثة أرباع مليون شخص من الروهينجا إلى بنغلادش عقب الحملة العسكرية في أراكان عام 2017.
مخاوف بنغلادش الأمنية
تتقاسم ميانمار حدوداً مع بنغلادش والهند والصين، وتمثل بوابة نحو المحيط الهندي، لذا فإن تدفق الروهينجا نحو الحدود البرية لبنغلادش يثير مخاوف جدية بشأن الأمن القومي البنغلاديشي.
كدولة مضيفة، تواجه بنغلادش عدداً من التهديدات الأمنية غير التقليدية الناجمة عن أزمة الروهينجا، فعلى سبيل المثال، يعد الاتجار بالمخدرات تهديداً كبيراً للأمن الإقليمي والاستقرار الداخلي، حيث تعتبر المخدرات غير المشروعة مصدراً لتقويض الوحدة الوطنية وقد تؤدي في الحالات القصوى إلى فشل الدولة، وأصبح إدمان المخدرات مصدر قلق اجتماعي كبير.
تقع بنغلادش بالقرب من مناطق رئيسية لإنتاج المخدرات كالمثلث الذهبي والهلال الذهبي، وتشير تقديرات عام 2016 إلى تعاطي حوالي 10.6 مليون شخص المخدرات بالحقن حول العالم، ما يمثل 0.22% من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً.
ويُزعم أن بعض الروهينجا متورطون في تجارة المخدرات غير المشروعة بسبب الفقر والأمية، وتشير تقارير حديثة إلى وجود حالات “زواج صفقة” بين الجماعات المتمردة في منطقة تلال “شيتاغونغ” ومهربي البشر وتجار المخدرات، واستخدام بنغلادش كنقطة عبور لتجار المخدرات الدوليين.
عندما تصطدم القوى
خلال السنوات الأخيرة، تفاعلت كل من الصين والهند مع بنغلادش عبر تقديم قروض ومبادرات اقتصادية وعروض استثمارية، سعياً وراء تأمين مصالحهما الجيوسياسية فيها.
وخلال زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” الرسمية إلى دكا في أكتوبر 2016، قدمت الصين حزمة بقيمة 24 مليار دولار، في حين ردت الهند بخط ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار ومساعدات اقتصادية أخرى لبنغلادش خلال زيارة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى نيودلهي في أبريل 2017.
وفي إطار سعي الولايات المتحدة لاحتواء صعود الصين، هناك مقولة في العلاقات الدولية تقول: “عدو عدوي صديقي”، وقد أثبتت الصين وباكستان أنهما حليفتان من خلال شراكتهما القوية، وتظهر قوة هذا التحالف في استثمارات الصين الكبيرة في باكستان، إذ بلغ حجم الاستثمارات في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني 62 مليار دولار.
ويهدف الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني إلى تطوير النقل البري وخطوط الأنابيب من ميناء جوادر إلى مقاطعة “شينجيانغ” الصينية كبديل بري لنقطة الاختناق البحرية في مضيق ملقا.
فهم منطقة “المحيطين الهندي والهادئ”
تشير الأبحاث إلى أن الصين تعمل على إنشاء منطقة اقتصادية وميناء بحري عميق في ميانمار لتثبيت نفوذها في خليج البنغال، بينما تعمل الولايات المتحدة والهند على احتواء نفوذها في المنطقة من خلال علاقتها مع بنغلادش وميانمار.
وفي ضوء هذا، تتبنى الولايات المتحدة مصطلح “المحيطين الهندي والهادئ” كاستراتيجية لإعادة التوازن تجاه آسيا، رغم عدم وضوح تعريفه الجغرافي.
ويرى العديد من العلماء الأميركيين أن صعود الرئيس الصيني شي جين بينغ ونفوذ الصين المتزايد في جنوب وشرق بحر الصين ومنطقة المحيط الهندي يشكلان الدافع وراء صياغة الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما تعد منطقة المحيطين الهندي والهادئ ذات أهمية استراتيجية واقتصادية للصين، التي تستثمر في بناء موانئ في جيبوتي، وجوادر، وهامبانتوتا، والمالديف، وتنزانيا.
القلق العالمي
أخيراً، قد يصل المجتمع الدولي إلى إدراك أن وجود عدد كبير من السكان بلا جنسية خارج وطنهم الأصلي يمكن أن يؤدي إلى تدويل الصراع، مهدداً الأمن الإقليمي والعالمي.
ورغم أن الصين تطمح لتحقيق “الحلم الصيني” وتعزيز مكانتها العالمية، إلا أن نجاح مبادرة الحزام والطريق يظل مرهوناً بالتعامل مع أزمة الروهينجا بطريقة ممنهجة لمعالجة قضايا الأمية، والفقر، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة، والاتجار بالبشر، والعنف، والتخلف.
(الكاتب: الدكتور صالح شهريار، أستاذ مساعد في قسم التاريخ والفلسفة بجامعة نورث ساوث في بنغلادش، نشر أبحاثاً في مجلات دولية وشارك في العديد من فصول الكتب، وقدم أعماله في مؤتمرات وندوات دولية. نُشر المقال في موقع “Eurasia Review” وترجمته وكالة أنباء أراكان)