أزمة الروهينجا الوجودية اختبار لإنسانيتنا الجماعية

عشرات آلاف الروهينجا يحيون ذكرى الإبادة الجماعية التي شنها جيش ميانمار ضدهم في 17 أغسطس/آب 2017 ، في مظاهرة بمخيمات اللاجئين في بنغلادش (صورة: رويترز)
شارك

إن أقلية الروهينجا، التي عانت من الاضطهاد والتشريد لفترة طويلة، تواجه الآن أزمة وجودية، ففي غضون جيل أو جيلين، قد يتوقف وجود الروهينجا كمجموعة عرقية مميزة، ومع استمرار تدفق مئات الآلاف عبر الحدود من ميانمار إلى بنغلادش، فإننا نصل إلى نقطة حرجة، وسرعان ما سيبقى عدد قليل من الروهينجا في ميانمار بحيث يكاد يكون من المستحيل عليهم إعادة تشكيل أنفسهم كمجموعة عرقية متماسكة، ونظرًا لعدم اعتراف الدولة والعديد من عناصر المجتمع بهم، فإن بقاء الروهينجا كشعب مهدد بشكل خطير.

والواقع أن العدد الهائل من الروهينجا الذين فروا من ميانمار مذهل، ومع تقديرات تتجاوز المليون، فإن غالبية هؤلاء اللاجئين يعيشون الآن في بنغلادش، ويستمر هذا التدفق بلا هوادة، حيث يصل عشرات الآلاف غيرهم، وينضمون إلى سكان اللاجئين المكتظين بالفعل، وداخل مخيمات اللاجئين في بنغلادش، ترتفع معدلات المواليد وينشأ جيل جديد من الروهينجا في عالم بعيد كل البعد عن وطنهم الأصلي، إن هؤلاء الذين ينتمون إلى هذا الجيل الجديد، المعزول عن ميانمار، يواجهون التآكل التدريجي لهويتهم الثقافية.

تفكك الهوية الثقافية
فالروهينجا في مخيمات بنغلادش لا يتعرضون إلا قليلاً للغتهم أو أسلوب حياتهم أو تاريخهم أو ممارساتهم الثقافية، وبدلاً من ذلك، فإن التعليم الذي يتلقونه، إن وجد، غالبًا ما يتبع المنهج البنغلاديشي، وهو ما يبعدهم أكثر عن جذورهم، ومع عدم قدرتهم على الوصول إلى وطنهم، فإن فرصتهم في التعرف على التاريخ والثقافة المحددين لشعب الروهينجا ضئيلة، ومن حيث التصميم، تعطي المخيمات الأولوية للبقاء على قيد الحياة على الحفاظ على الثقافة، ومع مرور السنين، يتفكك النسيج الثقافي للروهينجا ببطء.

ونظرًا لهذا المسار، يمكننا أن نتوقع بشكل معقول أن يختفي الروهينجا كهوية مميزة في غضون جيل أو جيلين، ولن يختفوا بالمعنى الحرفي، لكن هويتهم سوف تتلاشى في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء بنغلادش وأجزاء أخرى من العالم، بعد حرمانهم من ارتباطهم بوطنهم، وعدم قدرتهم على ممارسة تقاليدهم، واندماجهم في مجتمعات اللاجئين الأوسع نطاقًا، يواجه الروهينجا نفس المصير الذي يواجهه غيرهم من الشعوب التي لا يزال أحفادها موجودين ولكنهم لم يعودوا يشكلون مجموعات أو حضارات متماسكة.

تكمن مأساة الروهينجا في أنهم يتعرضون للمحو ليس فقط جسديًا بل وثقافيًا وتاريخيًا، وتنكر دولة ميانمار وجودهم وتعرضوا للعنف المستمر والتطهير العرقي، ولم يؤد انعدام جنسيتهم إلا إلى تفاقم محنتهم، وكان رفض حكومة ميانمار الاعتراف بالروهينجا كمجموعة عرقية شرعية أداة للمحو لفترة طويلة، ويبدو الآن أن هذا المحو أصبح حقيقة مأساوية، وبمجرد طردهم من أرضهم، دون الاعتراف بهم أو حمايتهم، تُرك الروهينجا ليتنقلوا في عالم لا يولي أهمية كبيرة للحفاظ على هويتهم.

مستقبل الأطفال الروهينجا
في بنغلادش، وعلى الرغم من الترحيب الأولي من جانب الدولة المضيفة، يتم التعامل مع الروهينجا باعتبارهم ضيوفًا مؤقتين، دون أي طريق للحصول على الجنسية أو الاستقرار الدائم. وتقتصر حياتهم على مخيمات اللاجئين الشاسعة، حيث يعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة، وفي غياب الحقوق أو آفاق المستقبل المستقر، أصبح الروهينجا حبيسي حلقة مفرغة من الفقر واليأس. وفي الوقت نفسه، فشل المجتمع الدولي في بذل جهد كبير أو مستدام لمعالجة الأسباب الجذرية لنزوحهم أو توفير حل طويل الأجل لمحنتهم.

وعلاوة على ذلك، يواجه الأطفال الذين يكبرون في المخيمات مستقبلاً من عدم اليقين، ومع نضوجهم في بيئة بعيدة عن وطنهم، فمن غير المرجح أن يطوروا ارتباطاً عميقاً بثقافة أو تاريخ الروهينجا، وفي غياب الجهود التعليمية القوية التي تركز على هويتهم، سوف يصبح الجيل الأصغر سناً منفصلاً بشكل متزايد عن جذوره، وبمرور الوقت، قد يصبحون أكثر تماهياً مع مجتمع اللاجئين الأوسع في بنغلادش أو كما يأمل البعض، يندمجون في المجتمع البنغلادشي، وإن كان ذلك بصفة غير رسمية أو مهمشة.

التاريخ يتكرر
ويذكرنا هذا التآكل البطيء للهوية بمصير الجماعات العرقية الأخرى التي واجهت النزوح والمحو الثقافي، فالحضارات المزدهرة ذات يوم مثل المايا والإنكا، على سبيل المثال، لا تزال قائمة إلى حد كبير من خلال أحفادها الذين يعيشون في مناطق مختلفة، وغالباً ما يتم استيعابهم في ثقافات أخرى، وفي حين يتم تذكر تاريخهم، فإنهم لم يعودوا موجودين كمجموعات أو حضارات متماسكة بالطريقة التي كانوا عليها ذات يوم، وربما يكون الروهينجا على مسار مماثل، فالروهينجا في ميانمار، في غياب وطن يعودون إليه، وفي غياب الاعتراف بهم كشعب وفي غياب الوسائل اللازمة للحفاظ على ثقافتهم، يخاطرون بالتحول إلى مجرد حاشية في التاريخ.

الحلول المقترحة
الوضع بالنسبة للروهينجا مأساوي، ولكن مثل هذا المستقبل ليس حتميًا. ولا يزال هناك وقت للمجتمع الدولي للتدخل بطرق ذات مغزى، وتتمثل الخطوة الأولى الأكثر أهمية في معالجة الظروف التي أدت إلى نزوحهم، وهذا يعني محاسبة حكومة ميانمار على الجرائم التي ارتكبتها ضد الروهينجا وضمان قدرتهم على العودة إلى البلاد بأمان وبكامل حقوق المواطنة، ويشمل هذا الاعتراف الرسمي بهويتهم العرقية، والحماية من الاضطهاد، وتعويضهم عن المعاناة التي تحملوها.

وبالتوازي مع ذلك، يجب بذل الجهود للحفاظ على التراث الثقافي للروهينجا، وينبغي للمبادرات التعليمية في مخيمات اللاجئين أن تتضمن لغتهم وتاريخهم وتقاليدهم، مما يمنح الجيل الأصغر فرصة لفهم هويتهم والمضي بها قدماً، وهذا ليس مجرد مسألة الحفاظ على الثقافة فحسب، بل وأيضاً مسألة كرامة إنسانية، فالروهينجا، مثل جميع الشعوب، لديهم الحق في الحفاظ على هويتهم، حتى في المنفى.

ولكن الوقت ينفد. كلما طالت مدة بقاء الروهينجا في مخيمات اللاجئين، كلما أصبح من الصعب عليهم الحفاظ على تماسكهم الثقافي، ومع مرور السنين ونشأة أجيال جديدة دون معرفة جذورها، تزداد احتمالات الانقراض الثقافي. وإذا لم نتحرك الآن، فقد نشهد الاختفاء البطيء والمؤلم للروهينجا كشعب متميز.

في نهاية المطاف، سيكون مصير الروهينجا بمثابة اختبار لإنسانيتنا الجماعية، فهل نسمح لهم بالاختفاء أم نتخذ الخطوات اللازمة للحفاظ على هويتهم وحماية حقوقهم؟ إن الإجابة على هذا السؤال سوف تحدد ما إذا كان الروهينجا سوف ينضمون إلى قائمة الشعوب التي كانت موجودة ذات يوم ولكنها لم تعد موجودة بأي شكل ذي معنى. وهو خيار لا يمكننا أن نتحمله باستخفاف.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.