أزمة أطفال الروهينجا قضية إنسانية ملحة

أطفال الروهينجا يصطفون للحصول على الطعام في مخيم للاجئين في بنغلاديش (صورة: UNHCR)
أطفال الروهينجا يصطفون للحصول على الطعام في مخيم للاجئين في بنغلاديش (صورة: UNHCR)
شارك

يواجه أطفال الروهينجا إحدى أقسى الأزمات الإنسانية حول العالم والتي تتسم بالنزوح وسوء التغذية والمرض ونقص الخدمات الصحية الأساسية، وبوصفهم من الشعوب عديمة الجنسية فإن أطفال الروهينجا يعانون حرماناً شديداً سواء في ميانمار أو داخل مخيمات اللجوء في أنحاء بنغلادش وغيرها من الدول المضيفة.

ارتفاع نسب الوفاة وسوء التغذية

إن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بين أطفال الروهينجا مرتفع بشكل مثير للقلق، حيث وصل المعدل إلى 224 حالة وفاة بين كل ألف طفل في بعض مناطق ولاية راخين (أراكان) في ميانمار، كما تتناقض هذه الأرقام بشكل صارخ مع معدلات الوفيات المنخفضة في مناطق غير الروهينجا بالولاية، ما يعكس التفاوت الشديد في الوصول إلى الرعاية الصحية، إن سوء التغذية يعد قضية حرجة حيث يعاني العديد من أطفال الروهينجا من التقزم والهزال ونقص العناصر الغذائية وخاصة فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، ويؤدي نقص التغذية إلى إضعاف أنظمتهم المناعية ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والأمراض التي تهدد الحياة.

المرض ومحدودية الرعاية الصحية

توجد حواجز كبيرة تحول بين أطفال الروهينجا والرعاية الصحية سواء في ميانمار أو في مخيمات اللاجئين، وحتى في حالات الطوارئ يعاني الأطفال من أجل الحصول على العلاج الطبي وذلك بسبب الضغوط المالية للأسر وتعرض الروهينجا للتمييز وانعدام البنية التحتية المناسبة لتقديم الرعاية الصحية، تقدم المنظمات الدولية خدمات صحية أساسية في مخيمات اللاجئين لكنها تظل غير كافية لتلبية الاحتياجات الهائلة للأعداد المتزايدة من السكان.

وأفادت شبكة الإنذار المبكر والتنبيه والاستجابة (EWARS) في عام 2017 بأن أمراض التهابات الجهاز التنفسي والحمى كانت الأكثر شيوعاً بين أطفال الروهينجا دون الخامسة بنسب 32٪ و27٪ على التوالي، وبالإضافة إلى ذلك، يمثل تفشي الإسهال المائي الحاد وأمراض الجلد والتهابات العين والملاريا تهديدات صحية عامة رئيسية، كما يؤدي سوء الصرف الصحي والاكتظاظ في مخيمات اللاجئين إلى تفاقم هذه المخاطر الصحية.

الصدمات النفسية

كشفت الدراسات التي أجريت على لاجئي الروهينجا عن معدلات مرتفعة بشكل مثير للقلق من اضطرابات الصحة العقلية بين الأطفال، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، حيث يخلق فقدان منازلهم وهويتهم الثقافية وآفاقهم المستقبلية شعوراً عميقاً باليأس داخلهم، كما ظهر على العديد من الأطفال تغيرات سلوكية مثل الانسحاب أو العدوانية أو صعوبة التركيز، ما يعيق قدرتهم على التكيف والتطور بطرق صحية.

ويشكل نقص خدمات الدعم النفسي تحدياً كبيراً في معالجة مشاكل الصحة العقلية، حيث يوجد عدد قليل جداً من المتخصصين في الصحة العقلية داخل مخيمات اللاجئين، وتصعب الحواجز اللغوية والثقافية على منظمات الإغاثة الدولية تقديم المشورة والعلاج بشكل فعال، كما أن الوصم المحيط بحالات الصحة العقلية غالباً ما يثبط عزيمة الأسر عن طلب المساعدة.

نقص التعليم ودوامة الضعف

إن إحدى أكثر العواقب تدميراً جراء النزوح القسري هي فقدان أطفال الروهينجا لفرص التعليم إذ تسببت أزمة اللجوء في حرمان آلاف الأطفال من التعليم الرسمي وبالتالي من المعرفة والمهارات اللازمة للاستقلال والاكتفاء الذاتي في المستقبل، وفي بنغلادش لا يعترف رسمياً بلاجئي الروهينجا كمواطنين ما يمنعهم من الالتحاق بنظام التعليم الوطني، وبدلاً عن ذلك يعتمد معظم الأطفال على مراكز التعلم المؤقتة التي تديرها المنظمات الدولية والتي غالباً ما تفتقر إلى الموارد المناسبة والمعلمين المدربين والمناهج المنظمة.

إن غياب التعليم لا يحد من فرص أطفال الروهينجا المستقبلية فحسب بل يزيد أيضاً من احتمال تعرضهم للاستغلال، ودون التعليم الملائم يُدفع العديد من أطفال الروهينجا إلى عمالة الأطفال أو الزواج المبكر أو التورط في أنشطة غير مشروعة مثل تهريب البشر، كما تواجه الفتيات خاصةً مخاطر متزايدة لتزويجهن في سن مبكرة بسبب الصعوبات الاقتصادية والمخاوف بشأن سلامتهن في مخيمات اللاجئين.

وفي الختام، فإن الأزمة التي تواجه أطفال الروهينجا تشكل قضية إنسانية ملحة تتطلب اهتماماً عالمياً فورياً، إذ يعاني هؤلاء الأطفال من الحرمان الشديد وارتفاع معدلات الوفيات وسوء التغذية ونقص الرعاية الصحية والصدمة الناجمة عن النزوح، وتتطلب معالجة احتياجاتهم بذل جهود منسقة لتوفير تغذية ورعاية صحية أفضل، فضلاً عن دعم صحتهم العقلية وتوفير فرص تعليمية، ومن الأهمية بمكان أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لضمان حماية ورفاهة هؤلاء الأطفال المعرضين للخطر ومنحهم فرصة لعيش مستقبل أفضل خالٍ من الاستغلال والصعوبات.

*(الكاتبة: سمية صديق أحمد: طالبة ماجستير بمجال العلوم الصحية والأمراض وصحة الطفل في جامعة “زونجولداك بولنت أجيفيت” التركية، ترجمت المقال وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.