وكالة أنباء أراكان
وصفت منظمة الروهينجا البورمية في المملكة المتحدة “بروك” (BROUK) إصدار محكمة أرجنتينية مذكرات توقيف دولية بحق المسؤولين عن الإبادة الجماعية للروهينجا بأنه لحظة فارقة وخطوة تاريخية في مسار تحقيق العدالة.
وأمس الخميس، طلبت محكمة في “بوينس آيرس”، إصدار مذكرات اعتقال بحق قائد جيش ميانمار “مين أونغ هلاينغ” ومسؤولين عسكريين آخرين متورطين في الإبادة الجماعية ضد الروهينجا.
وقال رئيس المنظمة “تون خين” إن هذا الطلب يعد خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة للروهينجا ولكل من يعاني من القمع في بورما تحت حكم الجيش البورمي، ويمثل بارقة أمل للروهينجا الذين عاشوا عقوداً من الإبادة الجماعية، وشاهدوا أسرهم وثقافتهم تُدمر دون محاسبة، كما أنها انتصار للعدالة الدولية في وقت تتزايد فيه انتهاكات القانون الدولي حول العالم”.
وأضاف: “هذا القرار الشجاع من القضاء الأرجنتيني يوجه رسالة واضحة إلى هلاينغ والمسؤولين الآخرين مفادها أنه لا أحد فوق القانون، وسيأتي اليوم الذي سيُحاكمون فيه على المعاناة الفظيعة التي تسببوا فيها ليس فقط للروهينجا، ولكن لجميع ضحايا وحشية الجيش البورمي”.
ويأتي هذا التطور ضمن تحقيق تجريه الأرجنتين بشأن دور القادة العسكريين والمدنيين في ميانمار في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ضد الروهينجا، واستناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، يمكن التحقيق في مثل هذه الجرائم في أي مكان بالعالم بغض النظر عن مكان ارتكابها.
ونظراً للعوائق السياسية والقيود المفروضة على آليات العدالة الدولية، لم تصل سوى الانتهاكات ضد الروهينجا إلى مراحل متقدمة في المحاكم الدولية حتى الآن، ومع ذلك، فإن إصدار مذكرات توقيف دولية بحق “مين أونغ هلاينغ” وزعماء الجيش البورمي يعود بالنفع على جميع المواطنين في ميانمار الذين يعانون من القمع العسكري.
وتم فتح القضية بناءً على التماس قدمته منظمة “بروك” في عام 2019، بمساعدة المحامي توماس أوجيا كوينتانا، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، قبل أن تنضم لاحقًا ست نساء من الناجيات الروهينجا إلى القضية كأطراف رسمية، كما دعم التحقيق آلية الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في ميانمار (IIMM).
وتشمل قائمة المطلوبين في مذكرة المحكمة 23 مسؤولاً عسكرياً في جيش ميانمار، من بينهم قادة عسكريون بارزون مثل “مين أونغ هلاينغ”، القائد العام للجيش وزعيم الانقلاب العسكري في عام 2021، و”سو وين”، نائب القائد العام، كما تتضمن القائمة مسؤولين من رتب أدنى، شاركوا بشكل مباشر في عمليات القتل والاغتصاب خلال هجوم الجيش على بلدات وقرى الروهينجا في ولاية أراكان عام 2017، ما بات يعرف لاحقاً “حملة الإبادة الجماعية”.
ويواجه هؤلاء المسؤولون تهماً تشمل الإبادة الجماعية وجرائم وفقاً للقانون الجنائي الأرجنتيني، مثل القتل العمد المشدد، والاعتداء الجنسي، والتعذيب، بحسب المنظمة.
وفي ديسمبر 2023، طلبت منظمة الروهينجا البورمية في المملكة المتحدة إصدار مذكرات توقيف دولية بحق المسؤولين العسكريين فقط، غير أن المدعي العام الأرجنتيني قرر لاحقاً في يونيو 2024 توسيع القائمة لتشمل شخصيات مدنية مثل “أونغ سان سو تشي”، وردًا على ذلك، قدمت المنظمة طلباً رسمياً للمحكمة للنظر في السياق السياسي الحالي في ميانمار، وتحديد ما إذا كان إصدار مذكرات توقيف بحق “أونغ سان سو تشي” و”هتين كياو” يخدم مصلحة العدالة في هذه المرحلة.
ويأتي هذا التطور في الأرجنتين عقب إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في 27 نوفمبر 2024، عن سعيه لإصدار مذكرة توقيف بحق “مين أونغ هلاينغ”، ولم تقرر المحكمة بعد ما إذا كانت ستصدر المذكرة، لكن قرار المحكمة الأرجنتينية يؤدي تلقائياً إلى تقديم طلب رسمي للمدعي العام لإصدارها.
وذكر بيان منظمة “بروك” أن ذلك قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصدار “النشرة الحمراء” من قبل الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) في جميع الدول الأعضاء الـ 196، لاعتقال “مين أونغ هلاينغ” وتسليمه إلى الأرجنتين لمحاكمته، نظرياً، يمكن حتى للشرطة الميانمارية تنفيذ المذكرة، رغم أن ذلك غير مرجح لأسباب سياسية.
وقال تون خين: “ببطء ولكن بثبات، تزداد الضغوط القانونية على مين أونغ هلاينغ والقيادة العسكرية الميانمارية، إنهم الآن في الأساس هاربون دوليون، يختبئون من العدالة بسبب الفظائع التي ارتكبوها، وأدعو جميع أجهزة الشرطة حول العالم إلى تنفيذ هذه المذكرات بمجرد إصدارها”.
وأضاف: “هذه القضية لا تتعلق فقط بالروهينجا، بل بجميع ضحايا الجيش الميانماري، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو العمر، ويستحق شعب ميانمار بناء مستقبل مشترك يقوم على الاحترام المتبادل وحقوق الإنسان، بعيداً عن وحشية الجيش، ولتحقيق ذلك، لا بد من تقديم مين أونغ هلاينغ وكل من دعمه إلى العدالة، دون استثناء.”
وتعد هذه القضية الأولى في الأرجنتين التي تتعلق بإبادة الروهينجا وتستند إلى الولاية القضائية العالمية، ومنذ فتح القضية، كثفت “بروك” تحقيقاتها بشأن الجيش الميانماري والمتواطئين معه، بما في ذلك طلب معلومات من “فيسبوك” حول كيفية انتشار خطاب الكراهية ضد الروهينجا عبر المنصة.
وستكمل مذكرات التوقيف الأرجنتينية الإجراءات القضائية الدولية الأخرى ضد جيش ميانمار، مثل القضايا المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
واكتسبت هذه الجهود أهمية إضافية منذ 1 فبراير 2021، عندما استولى جيش ميانمار على السلطة من خلال انقلاب عسكري، ومنذ ذلك الحين، قتل الجيش والميليشيات الموالية له آلاف المعارضين لنظامه، واعتقل عشرات الآلاف.
وفي 25 أغسطس من عام 2017، شن جيش ميانمار حملة “إبادة جماعية” بحق أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار قتل خلالها ما لا يقل عن 10 آلاف شخص بينهم أطفال ونساء، فيما تم حرق قرى كاملة وتعرضت النساء لاعتداءات جنسية، وفق ناشطين ومنظمات حقوقية.