جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار

فرّ "عبدالله قيس" من ميانمار بعد تجنيده قسراً من قبل جيش أراكان. (صورة: ABC)
شارك

وكالة أنباء أراكان | متابعات

في مخيمات اللاجئين المترامية الأطراف في كوكس بازار في بنغلادش، جلس “عبدالله قيس” منحنياً ومرعوباً بينما كان يروي قصة شهر قضاه في كابوس اعتقد أنه لن ينجو منه أبداً.

وقال لهيئة الإذاعة الأسترالية “ABC”: “لقد أخبرونا أنه يتعين علينا أن نعيش متحدين، وأن نموت متحدين”.

كان قيس واحداً من 10 رجال، من الأقلية المسلمة في ميانمار “الروهينجا”، من قريته تم تجنيدهم قسراً من قبل جيش أراكان (الانفصالي)، وهي جماعة مسلحة بوذية تقاتل من أجل السيطرة على ولاية أراكان في ميانمار على الساحل الغربي.

وقال الشاب البالغ من العمر 27 عاماً في أبريل/نيسان من هذا العام إنه كان يستعد لصلاة الصباح عندما خطفه ثلاثة أفراد مسلحين من جيش أراكان على دراجة نارية وألقوا به في شاحنة صغيرة.

وبحلول الفجر، وصلوا إلى معسكر تدريب حيث تم تدريبه وآخرين على كيفية تجميع الأسلحة النارية وتلاوة الشعر المؤيد للحرب.

وقال قيس: “إنهم يستخدموننا كمقاتلين في الخطوط الأمامية، ويريدون القضاء علينا… إنها سياسة جيش أراكان والجيش في ميانمار”.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
وصل آلاف اللاجئين الروهينجا إلى بنغلادش في الأشهر الأخيرة. (صورة: ABC)

الحرب الأهلية بعد الانقلاب

انزلقت ميانمار إلى حالة من الاضطرابات منذ أن أشعل الانقلاب العسكري في فبراير/شباط 2021 المقاومة المسلحة على مستوى البلاد والحرب الأهلية.

ومنذ ذلك الحين، تحالفت هذه المعارضة مع مجموعات متمردة من أقليات عرقية، مثل جيش أراكان، والتي كان بعضها يقاتل النظام العسكري لعقود من الزمن.

وذكرت الأمم المتحدة أن الجيش في ميانمار يجند قسراً 5 آلاف مجند شهرياً في محاولة يائسة لتجديد صفوفه، التي تقلصت بسبب الخسائر الفادحة والانشقاقات الواسعة النطاق.

وقال باحثون في مجال حقوق الإنسان لهيئة الإذاعة الأسترالية “ABC” إن جيش أراكان بدأ في أبريل/نيسان أيضا في تجنيد الروهينجا قسراً في بوثيداونغ ومونغدو في شمال أراكان، على بعد 75 كيلومتراً جنوب كوكس بازار في بنغلادش.

وقال مدير منظمة “فورتيفاي رايتس” جون كوينلي لشبكة “ABC”: “كان جيش أراكان منزعجاً للغاية من قيام الجيش في ميانمار بتجنيد الروهينجا وإجبارهم على القتال ضد جيش أراكان في ولاية أراكان، لأنه في الأشهر الأولى من هذا العام كان جيش أراكان يساعد بعض سكان الروهينجا”.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
مدير منظمة “فورتيفاي رايتس” جون كوينلي (صورة: ABC)

حتى الآن، استولى جيش أراكان على المزيد من الأراضي مقارنة بأي جماعة مسلحة عرقية أخرى في حربه ضد الجيش في ميانمار.

وقال كوينلي “أعتقد أن الجيش في ميانمار ليس لديه الآن سوى خيارات قليلة للغاية، سوى محاولة تقسيم السكان وخلق بيئة شديدة التقلب في ولاية أراكان”.

وبعد أن خاض شهراً من التدريب الوحشي، رأى قيس فرصته للهروب، وبعد أن أُمر بإحضار المياه للمخيم، فر إلى الحدود بدلاً من ذلك ودفع أموالاً للمهربين المحليين للعبور إلى بنغلادش.

وقال: “لقد ضربونا وعذبونا، لم أستطع أن أتحمل ذلك”.

إطلاق النار مثل قطرات المطر

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
قالت ألماس خاتون إنها شاهدت العديد من الجثث أثناء فرارها من ميانمار. (صورة: ABC)

على مدى عقود من الزمن، قامت المنظمات بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة وغيرها من الانتهاكات المرتكبة ضد الروهينجا، سواء في ميانمار أو خارجها.

ففي عام 2020، أمرت محكمة العدل الدولية بالإجماع ميانمار بمنع جميع أعمال الإبادة الجماعية ضد الروهينجا.

في يومي 5 و6 أغسطس/ آب، قُتل أكثر من 100 امرأة وطفل ورجل من الروهينجا في سلسلة من الغارات الجوية بطائرات مسيرة “درون” والقصف على طول الحدود بين ميانمار وبنغلادش أثناء محاولتهم الفرار إلى بر الأمان.

وقال شهود عيان لمنظمة “فورتيفاي رايتس” إن جنود جيش أراكان أطلقوا النار في السادس من أغسطس/ آب وقتلوا العشرات أثناء فرارهم باتجاه الحدود.

ومن بين الذين تمكنوا من الفرار “ألماس خاتون” وابنتها “نور جهان” البالغة من العمر 10 سنوات والتي تعرضت لإطلاق نار.

وقالت خاتون لهيئة الإذاعة الأسترالية: “لقد أطلقوا النار وكأنها قطرات مطر، لقد رأيت العديد من الجثث”.

وأضافت خاتون: “تعرضت امرأة حامل لهجوم من طائرة مسيرة من ظهرها، وخرج طفلها من بطنها، توفي كلاهما”.

وفي محاولة يائسة لإنقاذ ابنتها النازفة، لجأت السيدة خاتون إلى قاعدة عسكرية في ميانمار لطلب المساعدة، لكن الطبيب رفض علاجها.

ولم يكن أمام السيدة خاتون أي خيار آخر، فحملت نور جهان بين ذراعيها، وتوسلت إلى الغرباء طلبا للمساعدة.

طلب منها أحد المهربين 400 دولار أمريكي لعبور نهر ناف إلى بنغلادش، لكن حرس الحدود في البلاد اعترضوهم.

وفي نهاية المطاف، سُمح للسيدة خاتون وابنتها بالمرور وتلقي العلاج الطبي.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
ابنة ألماس خاتون تعرضت لإطلاق نار أثناء هروبها من ميانمار. (صورة: ABC)

نجت نور جهان من العملية، لكنها الآن بحاجة إلى عملية “فغر المسالك البولية وكيس فغر القولون” لبقية حياتها، وتعيش العائلة الآن في مبنى مؤقت في كوكس بازار.

“لا توجد طريقة للتعبير عن ألمي.. لا أستطيع النوم بسلام. لا أستطيع تناول الطعام. لا أستطيع البقاء في أي مكان. البقاء هنا، وغدًا هناك”، قالت خاتون.

وأضافت: “نحن نواجه الإذلال دائمًا.. إذا متنا اليوم، فسيكون ذلك سلمياً بالنسبة لنا”.

 

ملجأ هش

بالنسبة للناجين مثل “قيس” و”خاتون”، توفر مخيمات اللاجئين في كوكس بازار الأمان، ولكن بالكاد.

ويعيش الآن أكثر من مليون من الروهينجا في المخيمات، بعد أن فروا من ميانمار على مدى العقد الماضي، مع تصعيد جيش ميانمار لحملته الوحشية ضد الأقلية المسلمة.

فالمخيمات مكتظة وتفتقر إلى الموارد، والأسر منفصلة عن بعضها البعض، والطعام نادر.

فقد فاروق أحمد، وهو أب يبلغ من العمر 60 عاماً، أحد أبنائه في مذبحة الخامس من أغسطس/آب.

ارتفع صوته عندما تحدث عن دفن طفله في الرحلة إلى بنغلادش، وقال  أحمد لشبكة “ABC”: “كان ابني بالكاد قادرا على التنفس طوال الليل ثم توفي”.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
قال فاروق أحمد إنه لا يستطيع النوم منذ أن فقد ابنه. (صورة: ABC)

ودفن أحمد ابنه في جزيرة في بنغلادش، وقال “رأيت العديد من القوارب التي تنزل الناس على تلك الجزيرة.. وبعد أن دفنت ابني رأيت ما لا يقل عن عشر جثث أخرى”.

وأضاف: “إنه ألم لا يمكن تفسيره. لا أستطيع النوم. يأتي ابني إلي في أحلامي”.

ويشعر العديد من سكان المخيمات بنفس الألم الذي يشعر به أحمد، وتكافح عائلته المتبقية من أجل البقاء على قيد الحياة، وتعتمد على دعم أقارب آخرين.

وأردف أحمد: “لا أحد يزودنا بالطعام، ولا أستطيع إعطاء الدواء لأبنائي، نحن نعيش ولكن ليس بشكل جيد”.

مستقبل غير مؤكد

الوضع في المخيمات سيء للغاية، وعمال الإغاثة يواجهون ضغوطاً شديدة.

وقال أنتوني كاسويل، نائب ممثل منظمة أطباء بلا حدود في بنغلادش، إن عدد جرحى الحرب تضاعف أربع مرات في الأشهر الأخيرة.

وأوضح كاسويل قائلاً: “نحن نتحدث عن جروح ناجمة عن طلقات نارية، وجروح ناجمة عن الألغام الأرضية وجروح ناجمة عن قذائف الهاون”.

“في ولاية راخين، يتعرض المدنيون للهجوم دون تمييز”.

تاريخياً، كانت بنغلادش مفتوحة أمام هجرة وتدفقات اللاجئين على نطاق واسع، ومع ذلك، في السنوات الأخيرة من نظام رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، نفذت الحكومة سياسة واسعة النطاق ضد اللاجئين الروهينجا، فرفضت دخولهم.

ورغم ذلك، فرّ نحو 8 آلاف من الروهينجا إلى بنغلادش خلال الأشهر الأخيرة.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
قال فاروق أحمد (يسار) إنه وعائلته يتدبرون أمورهم بمساعدة قليلة للغاية. (صورة: ABC)

ودعا محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي يرأس حاليا الحكومة المؤقتة، إلى وضع خطة سريعة لإعادة توطين لاجئي الروهينجا في دولة ثالثة.

لكن كوينلي قال إن الحكومة تفتقر إلى خطة مفصلة للسياسة الخارجية وينبغي لها أن تنفذ بعض الحماية.

وأضاف: أن “الحكومة المؤقتة قادرة على القيام بأشياء على المدى القصير لحماية اللاجئين، وهذا يشمل السماح للوافدين الجدد بالمجيء، والحصول على الوضع القانوني على المدى الطويل، ورفع القيود المفروضة على حرية التنقل”.

وفي بيان، نفى متحدث باسم جيش أراكان تجنيد الروهينجا، وقال إن جيش أراكان “يحمي جميع المواطنين في ولاية أراكان (راخين) بغض النظر عن العرق أو الدين”.

جيش أراكان يجند الروهينجا قسراً في معاركه ضد جيش ميانمار
اللاجئون الروهينجا يعيشون في مخيمات مكتظة بمنطقة كوكس بازار في بنغلاديش (صورة: ABC)

ونفى أيضا أن تكون أحداث العنف التي شهدتها مطلع أغسطس/آب قد وقعت في مناطق خاضعة لسيطرتهم.

وأضاف: “إذا كانت هناك انحرافات بسيطة بين جنودنا، فنحن نرحب دائما بمعالجتها بما يتوافق مع قواعدنا وأنظمتنا”.

ولكن مع تصاعد الصراع في ميانمار، يظل مصير مليون لاجئ من الروهينجا في كوكس بازار ببنغلادش غير واضح، في ظل عدم تمكنهم من العودة وعدم حصولهم على حقوقهم الأساسية والجنسية في ميانمار.

(تم تغيير اسم “عبدالله قيس” لحماية هويته)

(التقرير ترجمته وكالة أنباء أراكان عن هيئة الإذاعة الأسترالية ABC)

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.