زيارة غوتيريش لمخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلادش دعوة للتحرك الدولي

الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" أثناء زيارته لمخيمات الروهينجا في بنغلادش (صورة: CA Press Wing)
الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" أثناء زيارته لمخيمات الروهينجا في بنغلادش (صورة: CA Press Wing)
شارك

جلبت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلادش الأسبوع الماضي، اهتماماً متجدداً بإحدى أطول الأزمات الإنسانية في العالم، وقد تأثر غوتيريش بشدة بمعاناة الروهينجا، ودعا إلى عودتهم إلى ميانمار في أقرب وقت ممكن.

بالنسبة لبنغلادش التي تحملت العبء الهائل لاستضافة ما يقرب من مليون لاجئ، تشكل هذه الدعوة انتصاراً دبلوماسياً مهماً، ولكن كيف سيتم استقبال هذه التصريحات في ميانمار خاصة من قبل جيش أراكان الذي يسيطر الآن على جزء كبير من ولاية أراكان؟.

أصبح جيش أراكان قوة لا يمكن تجاهلها بعد أن عزز سيطرته على 11 من أصل 18 بلدة في أراكان، ومع ذلك فإن سياساته تجاه الروهينجا تبقى مقلقة للغاية، فقد قام بحظر استخدام مصطلح “الروهينجا”، رافضاً الاعتراف بهويتهم، مما يعيد إنتاج الممارسات التمييزية التي اتبعتها الأنظمة السابقة في ميانمار، وعلى الرغم من طموحه في الحصول على اعتراف دولي فإن رفضه الاعتراف بالهوية الروهنجية يقوض مصداقيته كسلطة حاكمة شرعية.

رسالة غوتيريش كانت واضحة: الاعتراف الدولي مرهون بضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للروهينجا، مع الاعتراف الكامل بحقوقهم وهويتهم.

تتوافق هذه الرسالة مع إحباط بنغلادش المتزايد من توقف عملية إعادة الروهينجا، فعلى الرغم من الاتفاقيات الثنائية المتكررة مع ميانمار، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي.

وكان فشل محاولات الإعادة السابقة في 2018 و2019 بمثابة تذكير مؤلم بأن غياب ضمانات الأمان والمواطنة سيبقي الروهينجا عرضة للخطر، لذلك فإن تصريحات غوتيريش تعزز الحاجة إلى اتباع نهج جديد، يعتمد على التعاون الإقليمي وزيادة المساءلة الدولية.

بالنسبة لبنغلادش، فإن موقف الأمين العام للأمم المتحدة يمنحها ورقة دبلوماسية جديدة، لطالما أكدت دكا أن الإعادة هي الحل الوحيد المستدام، لكن فشل المحاولات السابقة كان بسبب رفض ميانمار تقديم ضمانات أمان وجنسية للعائدين.

الآن، ومع سيطرة جيش أراكان، فإن بنغلادش أمام فرصة لإعادة ضبط استراتيجيتها، فقد يكون التعامل مع جيش أراكان إلى جانب الحكومة الوطنية الموحدة في ميانمار، أكثر فعالية من الاعتماد على المجلس العسكري الحاكم فقط.

إذا كان جيش أراكان يسعى حقاً لترسيخ نفسه كسلطة شرعية، فلا يمكنه تجاهل قضية الروهينجا، وقد أوضحت زيارة غوتيريش أن الاعتراف والشرعية الدوليين لن يتحققا إلا إذا التزم جيش أراكان بحماية جميع المجتمعات في أراكان، بما في ذلك الروهينجا.

العالم يراقب ليرى ما إذا كان جيش أراكان سيتخذ خطوات نحو إلغاء السياسات التمييزية، واستعادة جنسية الروهينجا، وضمان عودتهم الآمنة، ودور المجتمع الدولي.

ولا تكفي التصريحات الدبلوماسية وحدها، يجب على المجتمع الدولي فرض عقوبات وضغط دبلوماسي على جيش أراكان لدفعه نحو تبني سياسات أكثر شمولية، وتوسيع المساعدات الإنسانية، سواء في أراكان أو في مخيمات اللاجئين في بنغلادش لمنع تفاقم الأزمة.

ويمكن لرابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” والدول المجاورة مثل الهند والصين، أن تلعب دوراً رئيسياً في هذه القضية، فعلى الرغم من أن علاقاتها مع ميانمار تحكمها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، إلا أن المسؤولية الأخلاقية تتطلب الضغط على جيش أراكان من أجل حل عادل لقضية الروهينجا.

يجب ألا تتراجع قضية الروهينجا عن أولوية الأجندة الإنسانية الدولية، فمخيمات اللاجئين في بنغلادش التي تعاني من الاكتظاظ وسوء التغذية ونقص فرص التعليم، تمثل قنبلة موقوتة.

بدون أمل في مستقبل أفضل، قد يؤدي اليأس إلى تصاعد التوترات والتطرف، زيارة غوتيريش كانت تذكيراً في الوقت المناسب بأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر.

بالنسبة للروهينجا أنفسهم، فإن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة تعطيهم أملاً جديداً، فبعد سنوات من الصمت والتهميش جاء صوت أعلى دبلوماسي في العالم ليؤكد حقهم في العودة بكرامة، وهو اعتراف مهم بنضالهم المستمر.

ولكن الكلمات وحدها لا تكفي، يجب ترجمتها إلى أفعال ملموسة، يحتاج الروهينجا إلى رؤية تقدم حقيقي نحو إعادتهم الآمنة واستعادة حقوقهم.

يجب على بنغلادش أيضاً الاستمرار في المطالبة بالمساءلة الدولية، ولا يمكن تجاهل الجرائم التي ارتُكبت ضد الروهينجا، ولا تزال محكمة العدل الدولية (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC) آليات حاسمة لمحاسبة الجناة ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات.

لم تكن زيارة غوتيريش مجرد إشارة دبلوماسية بل كانت دعوة للعمل، بينما يواجه جيش أراكان خياراً حاسماً إما الاستمرار في سياسة الإقصاء والقمع أو تبني مبادئ العدالة والشمولية

العالم يراقب، والروهينجا يترقبون، فهم يستحقون مستقبلاً قائماً على الكرامة والسلام، والمسؤولية تقع على عاتق جيش أراكان، والحكومة الوطنية الموحدة، والمجتمع الدولي لضمان ألا تُنسى كلمات غوتيريش.

الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان.

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.