وكالة أنباء أراكان | متابعات
تعتبر “صفيرة بيجوم” (15 عاماً) واحدة من بين ما يقدر بنحو مليون مسلم من الروهينجا الذين يعتبرون أكبر مخيم للاجئين في العالم في كوكس بازار في بنغلادش موطنهم.
كانت صغيرة جداً عندما فرت مع عائلتها من أرض أجدادهم في ولاية أراكان في ميانمار عام 2017 بعد التطهير العرقي العنيف الذي شهد ذبح الآلاف من الروهينجا على يد عصابات هائجة مدعومة من الجيش.
ذكريات الطفولة ضبابية بالفعل، تقول بيجوم لـ “TRT World”: “لا أتذكر سوى القليل عن منزلنا والمنطقة.. منذ عام 2017، أصبح هذا المخيم هو المنزل الوحيد الذي أعرفه”.
لكن ذكريات الألم لا تزال طازجة في ذهنها، فقد رأت بيجوم، التي كانت في السابعة من عمرها آنذاك، جنود ميانمار يقتلون خمسة من الروهينجا من قريتها أمام عينيها، وهي تتمنى أن تنسي هذه الذكرى.
إن ما تريد أن تحمله معها إلى الأبد هو هويتها الروهنجية وثقافتها ولغتها، كما أن الملايين من أمثالها لديهم نفس الحلم.
وقد حدثت أكبر موجة نزوح للروهينجا في أغسطس/آب 2017 بسبب عقود من العنف والتمييز والاضطهاد في ولاية أراكان في ميانمار، مما أجبر أكثر من 742 ألف شخص على البحث عن ملجأ في بنغلادش، ليتجاوز عددهم لاحقاً أكثر من مليون لاجئ، كما سعى العديد من الروهينجا الآخرين إلى اللجوء في دول مجاورة أخرى مثل تايلاند والهند وإندونيسيا ونيبال.
وحتى في بلدان اللجوء، فإنهم يكافحون من أجل بناء حياتهم، فيواجهون نقص فرص العمل والتعليم والتمييز.
أزمة ثقافية
لم يسبق لمحمد سليم نور، وهو ناشط من الروهينجا ويقيم في إسطنبول، أن زار ميانمار قط، فقد ولد ونشأ في السعودية قبل أن يهاجر إلى تركيا قبل عدة سنوات.
ويقول نور إن “والديه غرسا فيه قيم الروهينجا القوية وعلماه عن ثقافته وتقاليده، والتي يريد الآن أن يُعرف بها العالم ويتعلم عنها.
ولاستغلال تقاليدهم وتاريخهم، أنشأ نور منصة “زيتا” في عام 2022، وهي منصة للحفاظ على ثقافة الروهينجا وتعليم جيل جديد من شباب الروهينجا من خلال مشاركة تقاليدهم الثقافية وموسيقاهم وشعرهم والطبخ التقليدي والممارسات الدينية.
ويقول نور، الذي أصبح الآن مواطناً تركياً: “إن معاناة شعبي دفعتني إلى الحفاظ على ثقافتنا رقمياً وكذلك الترويج لها ليعرفها العالم”.
ويشارك نور في تقديم المساعدات الإنسانية لمجتمعه المنتشر في دول مثل بنغلادش وميانمار وماليزيا والهند ونيبال.
ويشعر نور، الذي يدير أيضاً منظمة للرعاية الاجتماعية لمساعدة مجتمعه، أن ثقافتهم سُحقت تماماً عندما اندلعت الإبادة الجماعية في بلدهم.
“قد لا نستعيد مكاننا في وطننا أبدًا، وقد نفقد تلك الرموز التي تمثل التشابه الثقافي إلى الأبد، لذا فإن ثقافتنا هي كل ما نملكه”، كما يقول نور.
ويضيف قائلاً: “لقد فقد الروهينجا كل شيء ومع ذلك صمدوا من أجل البقاء، يجب أن نشارك ثقافتنا داخل مجتمعنا وكذلك لكي يفهمها الآخرون ويوثقوها”.
ويقول عبد العزيز، طالب لاجئ من الروهينجا في إسطنبول، هو منتج محتوى في منصة “زيتا” لـ TRT World: “أخطط لنوعية مقاطع الفيديو التي يجب على صناع المحتوى إنتاجها، سواء كانت تعلم ثقافتنا، أو دروس اللغة الإنجليزية، أو عن المستندات التي يحتاجها المرء عند التقدم بطلب للحصول على بطاقة لاجئ، أو خيارات المواطنة، وما إلى ذلك، والفكرة هي أن مجتمعنا وشعبنا، على الرغم من كونهم عديمي الجنسية، لا ينبغي أن يشعروا بالوحدة أبدًا”.
ويضيف عبدالعزيز: “نحاول إبقاء المحتوى الذي نقدمه بسيطاً ومفيداً، وهدفنا هو تثقيف وترفيه مجتمعنا باستخدام ثقافتنا الخاصة”.
وأحد التحديات التي تواجه زيادة عدد الزيارات إلى المبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام تنبع من العوائق التي تربط مجتمعهم بالأمية والفقر.
ويقول: “الكثير من أبناء شعبنا ليس لديهم إمكانية الوصول إلى الهواتف والإنترنت، مما يبطئ تحقيق أهداف برامجنا”.
ويرى صابر كياو مين، مدير مبادرة حقوق الإنسان للروهينجا، أن المبادرة هي طريقة إبداعية لتشكيل هوية جماعية للروهينجا.
ويشعر كياو مين، وهو لاجئ في نيودلهي، أيضاً بالارتباط بجالية الروهينجا المنتشرة من خلال المنصة وينظر إلى زيتا باعتبارها مجتمعاً رقمياً في حد ذاته، يجمع المعلومات والعواطف على المنصات الرقمية لإنشاء مساحة حيث يمكن للروهينجا التواصل مع جذورهم.
مع 77 ألف متابع على فيسبوك و11 ألف مشترك على يوتيوب، استخدمت منصة “Zita TV” قوة وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع جمهورها العالمي، وتُعد ملايين المشاهدات على المنصتين دليلاً على أهميتها لشعب الروهينجا.
في كوكس بازار، يعتبر رو ياسين عبد المناب منصة زيتا “مدرسته”، ويقول لـ TRT World: “أحرص على مشاهدة القناة على يوتيوب، فهي تحتوي على محتوى إسلامي، ووصفات تقليدية للروهينجا، ودروس باللغة الإنجليزية، وتحديثات رياضية، وكل ذلك بلغتنا الأم، البورمية”.
على الإنترنت في المنفى
مثل نور، يقوم محمد رضوان خان، وهو لاجئ روهينجا يبلغ من العمر 26 عاماً وناشط يعيش في مخيم كوتوبالونج في بنغلادش، بمهمة خاصة به، تتمثل بجمع الحكايات الشعبية من كبار السن الروهينجا في محاولة للحفاظ على ما تبقى.
وبعد فراره من ميانمار في عام 2017، وصل أيضاً إلى بنغلاديش مع آلاف اللاجئين الآخرين.
وفي عام 2020، بدأ هذه المبادرة عندما أدرك أن التراث الثقافي الروهينجا، مثل الحكايات الشعبية والأغاني الشعبية، كان على وشك الضياع.
“بدأت هذه المبادرة للحفاظ على ثقافتنا قبل أن يموت الجيل القديم من رواة القصص، وباعتبارنا أقلية عرقية أصلية، وعلى الرغم من طردنا قسراً من بلدنا، فمن الضروري بالنسبة لنا الحفاظ على ثقافتنا ونقلها إلى الأجيال القادمة”، هذا ما قاله خان لـ TRT World.
ويسجل خان الحكايات الشعبية على أشرطة صوتية ثم يحولها إلى ملفات نصية لنشرها في شكل كتب، وقد أسفر عمله الشاق عن إنشاء موقع rohingyafolktales.com، وهو أرشيف على الإنترنت للحكايات الشعبية التي تناقلتها الأجيال شفوياً.
ويقول: “بمجرد أن نحافظ عليها في شكل كتاب أو عبر الإنترنت، نعتقد أن الجيل القادم سيكون لديه فرصة الوصول إليها بسهولة في هذا العصر الحديث”.
ويرى أن الشباب “لا ينبغي أن يكونوا جيلاً ضائعاً، حيث يتعين علينا في يوم من الأيام أن نعود إلى بلادنا بأمان وكرامة وأن نحتفظ بهويتنا كروهينجا”.
في جميع أنحاء العالم، يجد الروهينجا عديمي الجنسية طرقاً للمضي قدماً في حياتهم على الرغم من التحديات والصعوبات.
مثل تشميدا جوهر ، التي أصبحت أول فرد في مجتمعها في الهند يلتحق بالتعليم الجامعي.
وتسعى حسينة بيجوم وروشان آرا، وهما امرأتان أخريان من الروهينجا، إلى نقل ثقافتهما إلى الأطفال الذين يربيانهم في المنفى في بنغلادش والهند على التوالي.
تشعر بيجوم وآرا أن قناة زيتا التلفزيونية تساعدهما على إعادة الاتصال بجذورهما – والعثور على وصفات وذكريات الروهينجا التي يبدو أنها تتلاشى كمجتمع عديم الجنسية.
تقول بيجوم: “لا أحب أن أعجز عن تذكر أسماء بعض الفواكه في لغتنا البورمية الأصلية، أشعر بأنني غير مكتملة في الحياة التي نشأنا عليها”.
وتوفر مقاطع فيديو يمكنها ربطهم بلغتهم، وتزويدهم بالشعور بالانتماء ومساعدتهم على تجربة الفكرة الرقمية لوطن الروهينجا.
“من المؤلم أن نعرف أن الروهينجا منقسمون في جميع أنحاء العالم، نحن بحاجة إلى الشعور بالوحدة ونحتاج إلى الشعور بالوحدة لدعم بعضنا البعض، حتى لو كان ذلك يعني مشاركة المحتوى عبر الإنترنت ومشاهدته مع العائلة والتوصية به للآخرين”، كما تقول آرا.
في حين تهدف منصة “زيتا” إلى الحفاظ على ثقافة الروهينجا وتعليم جيل جديد من خلال مشاركة التقاليد الثقافية والموسيقى والشعر والطبخ التقليدي والممارسات الدينية، فإن المجتمع يشعر بأنه موجود عالمياً كجالية منفية، وهذا يعزز الحاجة إلى استثمار الاهتمام والوقت في اكتساب التضامن مع المجتمع.
بالنسبة لنحو ثلاثة ملايين من الروهينجا في المنفى، فإن هذه المبادرات تمنحهم الأمل والعزاء وهم يحلمون بالعودة إلى وطنهم يوماً ما والعيش في سلام كمجتمع.
(التقرير ترجمته وكالة أنباء أراكان عن موقع TRT World – تاروشي أسواني)