ومن هذا المنطلق جاءت فكرة مشروع “Ek Khaale” وهو مصطلح بالروهنجي ويعني “كان يا ما كان” بالعربية، بجهود المصور الصحفي الأمريكي “جريج قسطنطين”، الذي اتخذ نهجاً مختلفاً تماماً لتوثيق حياة الروهينجا وتاريخهم في المنطقة.
“إك خالي” (كان يا ما كان) هو موقع إلكتروني أو يمكن وصفه بكتاب إلكتروني مبتكر وجذاب، يستخدم مجموعة متنوعة من المواد مرتبة مثل نسيج للزمن، ووفقاً لقسطنطين، هو “مشروع عن المقاومة واستعادة هوية مجتمع”، ويضم صوراً عائلية وأخرى شخصية، وصوراً لفصول دراسية وللأطفال، والمناسبات والأعياد، ووثائق مثل “جوازات سفر ورسائل وخرائط، وقصاصات صحف، وبرقيات، ودفاتر ملاحظات، ونشرات حكومية، وبطاقات تسجيل وطنية عديدة، وصوراً عن قوانين، وأحكام دستورية، وأوراق ملكية الأراضي، وإيصالات ضرائب، وبطاقات تسجيل ناخبين، وشهادات خدمة صادرة من الحكومة”، والكثير من الوثائق الأخرى، ليؤرشف تاريخ الروهينجا في وطنهم، تاريخ الإنسانية، الذي لطالما عملت الحكومات والأنظمة المتعاقبة على طمسه.
وبحسب الموقع الإلكتروني لـ “إك خالي” (www.ekkhaale.org) هو مبادرة تعاونية تهدف إلى استعادة وحفظ التاريخ البصري والذاكرة الجماعية لمجتمع الروهينجا، الذي تم تشويهه وتدميره عبر عقود من العنف والنزوح القسري والإبادة الجماعية، وأُطلق المشروع في عام 2021، من قبل المصور “جريج قسطنطين” بالتعاون مع الروهينجا في مخيمات اللاجئين في بنغلادش، وكذلك أولئك الذين ما زالوا يعيشون داخل بورما، وفي دول الشتات “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وماليزيا وأوروبا”.
ويعمل الموقع على جمع المواد البصرية التاريخية المفقودة والمخبأة من صور ووثائق ورسائل، لدمجها مع أصوات الروهينجا الحالية، بهدف إعادة بناء تاريخهم الذي حاولت الأنظمة البورمية تدميره، والمشروع يمثل مقاومة للحفاظ على الهوية والذاكرة التاريخية للروهينجا ومشاركتها مع العالم.
ومن خلال العمل مع شباب الروهينجا وكبار السن من الروهينجا، يسعى المشروع إلى العثور على المواد البصرية التاريخية التي احتفظ بها الروهينجا بأعجوبة، أو احتفظوا بها سراً طوال هذه السنوات، غالباً مع مخاطرة شخصية كبيرة، أو أنقذوها وحملوها معهم في ظل أكثر الظروف التي لا يمكن تصورها.
صور من الماضي تتحدى الحاضر
وفي الفصل الأول من هذا الكتاب الإلكتروني، الذي حمل عنوان “صور من الماضي تتحدى الحاضر”، يعمل المشروع على دمج الصور القديمة والمجموعات العائلية والوثائق والرسائل والرسوم التوضيحية التي ساهم بها الروهينجا مع المواد التاريخية من مجموعة متنوعة من الأرشيفات العامة والخاصة، وتم إظهار هذه الذكريات العائلية والدليل على الوجود التاريخي كمجتمع وفصلها إلى قطع في جميع أنحاء العالم، تماماً مثل مجتمع الروهينجا، يجمع هذا المشروع هذه المواد والقصص من الماضي مرة أخرى في الحاضر”.
“هذا هو تاريخي. تاريخنا. تاريخ الروهينجا. إنه يُظهِر من نحن ويُظهِر للعالم أننا شعب بورما”، يقول عبدو، أحد شيوخ الروهينجا، الذي نقل عنه الموقع بعضاً من الصور والوثائق الشخصية التي احتفظ بها.
“لم ينكرونا”
أما الفصل الثاني، الذي عنون بـ “لم ينكرونا”، يقدم دليلاً قاطعاً على الوجود الطويل، منذ قرون، للمجتمعات المسلمة في ولاية أراكان الحالية، بما في ذلك الروهينجا، وموطنهم الأصلي في أراكان، ولطالما كانت هذا التاريخ نقطة اشتعال مثيرة للجدل في ولاية أراكان على مدى قرون، ولعب الاستعمار البريطاني دوراً كبيراً في هذا الصدد.
فقد أدى التدفق غير المنضبط للمهاجرين من الهند، عبر بورما السفلى، وأيضاً من شيتاغونغ، إلى تشويش الخطوط الهوياتية وزيادة العداوة من جانب المجتمع العرقي “الراخين” في أراكان. ومع ذلك، أشار تعداد السكان لعام 1931، رغم كل عيوبه باعتباره مشروعاً استعمارياً، إلى أنه “في أجزاء من منطقة أكياب، فإن عدد (المسلمين) كبير لدرجة قد تجعلهم يعتبرون من السكان الأصليين، وينطبق الأمر نفسه على الصينيين في ولايات شان الشمالية”، ولكن العلاقات بين المجتمعات تفاقمت أيضاً بسبب سلسلة من المجازر خلال الحرب العالمية الثانية، حيث وقف المسلمون إلى جانب البريطانيين أثناء الحرب، ما خلق مظالم تاريخية استمرت في التفاقم لمدة 80 عاماً، بحسب ماذكره “ديفيد سكوت ماثيسون”، وهو محلل مستقل يعمل على قضايا الصراع، الإنسانية وحقوق الإنسان في ميانمار.
ويستشهد الموقع بـ “سيباستيان مانريك” الذي كان مبشراً أوغسطينياً من البرتغال، وسافر عبر الشرق من عام 1629 إلى عام 1643، بما في ذلك أراكان (التي كتبها باسم أراكان)، وفي عام 1653، نُشر كتابه، مسار البعثات الشرقية للأب مانريك، وفي الكتاب، كتب عن المسلمين في أراكان، بما في ذلك بعضهم في البلاط الملكي، كما وصف المسلمين الذين تم جلبهم من “البنغال” إلى أراكان كأسرى وعبيد.
كما يستشهد بـ “ووتر شوتينس”، الذي كان جراحاً هولندياً، وسافر إلى جزر الهند الشرقية الهولندية لعدة سنوات، وزار أراكان في الفترة بين عامي 1660 إلى 1661، ونُشر كتابه “رحلات ووتر شوتينس إلى جزر الهند الشرقية” في عام 1676، وتصف الرسومات والملاحظات سكان أراكان ووجود المسلمين في أراكان في ذلك الوقت.
ويبرز “إك خالي” وثائق من أرشيف الدكتور “إميل فورشهامر”، أستاذ في جامعة رانغون، الذي كان أول مشرف على المسح الأثري في بورما، وسافر إلى أراكان عام 1885، وأنتج مسحاً تفصيلياً عن التاريخ واللغة والمواقع الدينية في أراكان، وتُظهر كتاباته العلاقة التاريخية بين البوذية والهندوسية والإسلام وأتباع هذه الديانات في أراكان، ونشر كتابه “أراكان”، الذي سرد فيه اكتشافاته الأثرية في عام 1891”.
ويتضمن الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية للمساجد، بما في ذلك مسجد بودرموكان (اللوحة XLII، رقم 88)، الذي تم بناؤه في عام 1756 ويقع على نهر كالادان في سيتوي، وتم تجديد المسجد في عام 1849، وتُظهر الصورة المجاورة كيف كان يبدو المسجد أثناء زيارة “فورشهامر”.
كما يبرز هذا الفصل أيضاً أول أعضاء البرلمان من الروهينجا، بما في ذلك “سلطان أحمد” من بلدة مونغدو و “م.أ. غفار” من بلدة بوثيداونغ، اللذان انتُخبا للجمعية التأسيسية في عام 1947، ثم مرة أخرى في البرلمان الوطني عام 1951، وكان “سلطان أحمد” رئيس حزب الجماعة العلماء، في ائتلاف مع رابطة حرية الشعب المناهضة للفاشية (AFPFL)، وخدم في البرلمان من عام 1951 حتى عام 1962، كما انتُخبت زوجته، داو آي نيونت (زورا بيجوم)، في البرلمان عام 1951 كعضو في الرابطة، وكانت واحدة من أول امرأتين تُنتخبان في الجمعية الوطنية في بورما، وخدمت حتى عام 1956.
وغالباً ما استُشهد بهذه الشخصيات كدليل دامغ على المشاركة السياسية للروهينجا على مدار سنوات عديدة، ويشمل ذلك أيضاً الأربعة الذين تم انتخابهم في انتخابات عام 1990، ومن بينهم يو كياو مين (شمس الأنور) من حزب الديمقراطية وحقوق الإنسان (DHRP)، الذي سُجن في عام 1992 مع عائلته، بما في ذلك ابنته، الناشطة البارزة في حقوق الروهينجا “واي واي نو”، كما استغل حزب الاتحاد للتضامن والتنمية الذي يسيطر عليه الجيش (USDP) “يو شوي مونغ” للترشح في بوثيداونغ في انتخابات عام 2010، حيث بقي في منصبه حتى عام 2015، ثم أُجبر في النهاية على مغادرة البلاد و هو يعيش الآن في تكساس الأمريكية.
ومن الدلائل التاريخية الرئيسية على الانتماء وجود نشرة إخبارية بلغة “الروهينجا” في خدمة إذاعة بورما (BBS) كل ثلاثاء وخميس وسبت.
وتمكن المصور الصحفي قسطنطين من العثور على أحد المذيعين الروهينجا الأصليين، إرشاد حسين، في مخيمات اللاجئين في كوكس بازار ببنغلادش، بعد فراره خلال حملة التطهير العرقي عام 2017، ويتضمن موقع “إك خالي” صورة قوية لإرشاد، قبل وفاته في عام 2021 عن عمر يناهز 108 سنوات.
ونقل قسطنطين عن إرشاد قوله: “كنت أتلو القرآن على الراديو مرة في الأسبوع، ثم أقدم الأخبار بلغة الروهينجا، وبدأ برنامج لغة الروهينجا على إذاعة بورما في عام 1961، لكنه أُلغي في عام 1965، وشعرنا بالحزن الشديد عندما أُلغي برنامجنا، في ذلك الوقت، كنا جميعاً متساوين وتمتعنا بالحياة، أما الآن، فلا شيء بقي”.
المنسيون
وفي الفصل الثالث، الذي حمل عنوان “المنسيون”، يسرد مساهمات الروهينجا في جهود الحرب ضد اليابان في أراكان خلال الحرب العالمية الثانية، والتاريخ المهمش غالباً لـ “قوة V” التي أسستها بريطانيا، حيث كان الروهينجا، أو “مسلمو أراكان” كما أشارت إليهم الوثائق، جزءاً حيوياً من تقديم المعلومات الاستخباراتية للبريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية في إطار “قوة V” خلال الحملة الحاسمة في أراكان.
ووصفتهم أحد المقالات الصحفية بأنهم “عيون الجيش الرابع عشر”، ويعرض قسطنطين الكتاب النادر “موقع بورمي” الذي ألفه أحد قادة “قوة V”، الضابط البريطاني أنتوني إروين، كما عملت قوات مماثلة رفعتها بريطانيا والولايات المتحدة في مناطق الكارين، كاريني وكاشين، والتي يُنظر إليها الآن على أنها مقدمة للقوات الخاصة الحالية، ولعبت “قوة V” دوراً مهماً في جهود البريطانيين لطرد اليابانيين من مونغدو وبوثيداونغ، وكان لها دور محوري في معركة “صندوق الإدارة” عام 1944 شمال مدينة بوثيداونغ.
وعلى عدة صفحات في أحد كتبه “الخدمة الميدانية”، يسرد “إروين” أسماء قادة الروهينجا الذين عملوا في قوة “V” في أواخر عام 1943، وخلال سير مشروع إيك خالي، تم العثور على جوازات السفر الأصلية وبطاقة التسجيل الوطنية لثلاثة رجال مدرجين في كتاب “الخدمة الميدانية” هذا: أولى ميا (أعلى)، وعبد السلام (وسط)، وأمير حمزة (أسفل)، وكان يو هلا ميا، أحد أفراد “قوة V” السابقين، ويحمل بطاقة تسجيل وطنية (NRC) برقم 00025، مما يجعله على الأرجح الشخص الخامس والعشرين الذي يتلقى بطاقة هوية بعد الاستقلال.
الأمة الجديدة (الاستقلال)
القضية الخلافية المتعلقة بالمواطنة والانتماء تُطرح باستمرار في كتاب “إك خالي” الإلكتروني، وفي الفصل الرابع “أمة جديدة” يذكرنا كيف أن دستور عام 1947 كان يوفر ضمانات أفضل لحقوق جميع المواطنين مقارنة بما جاء لاحقاً، كما يُظهر الفصل مقدار الثقة التي كان يضعها العديد من نخب الروهينجا في دولة بورما الجديدة وحقوقها الدستورية القوية، رغم محاولات تهميش مجتمع الروهينجا.
ويذكر “إك خالي” أنه عندما عقدت الحكومة البورمية المؤقتة، بقيادة أونج سان، وممثلون عن الأقليات العرقية الأكبر في بورما مفاوضات سياسية حول المساواة و”الحكم الذاتي” قبل الاستقلال، تم إهمال مجتمعات أراكان وإبعادها عن جميع المناقشات، واتخذ البوذيون الروهينجا والراخين في أراكان على الفور إجراءات لتأمين أجنداتهم الخاصة، مما أدى إلى مطالب متنافسة وتحالفات سياسية متعارضة.
وطالب الروهينجا في أراكان بأن يُنظر إليهم ويُعترف بهم كشعب من بورما وينتمي إليها، وقد ضمن هذا تمثيلهم في انتخابات الجمعية التأسيسية في عام 1947، وعزز نفوذهم السياسي بعد الاستقلال، وأقر بإدماجهم في الهوية الجماعية لاتحاد بورما، ورغم أن مجتمعات أكبر بكثير في جميع أنحاء البلاد كانت تهيمن على الديناميكيات السياسية والقوة، فإن مناورات الروهينجا في ذلك الوقت ضمنت أن الروهينجا لم يكونوا ضعيفين، وخاصة في أراكان، وتُظهِر الرسائل والسجلات والمراسلات أن الروهينجا لم يكونوا متفرجين سلبيين خلال هذه الفترة الحاسمة في تاريخ بورما، بل كانوا مشاركين نشطين، يراهنون على أي ادعاء يمكنهم تقديمه في الدولة الجديدة.
وكتب واجي الله، وهو من قدامى المحاربين في “قوة V”، والذي واصل دراسته في كلكتا، إلى قائده السابق الكابتن إروين قائلاً: “في بورما وفي أماكن كثيرة، الناس يقومون بأعمال شغب ويتظاهرون من أجل الحرية، لكني في الواقع لا أتفق مع المتظاهرين وأعمال الشغب، أنا مع الدستور، وأريد أن يكون الدستور عادلاً”.
تدهور حقوق الروهينجا
ويتناول الفصل الخامس “كنا جميعاً مواطنين” تدهور حقوق الروهينجا، موضحاً كيف أن قانون تسجيل سكان بورما لعام 1949 أدى إلى إصدار بطاقات “NRC” التي حصل عليها العديد من الروهينجا، ولكنها أُلغيت في ما بعد في إطار شكل من أشكال التهميش البيروقراطي والعنف الحكومي بدءاً من عام 1978، ورغم أن المؤرخين النخبويين والنشطاء لديهم وجهات نظر متعددة حول هذه القضايا، فإن ما هو أكثر إثارة للدهشة من الخلافات هو العشرات من بطاقات “NRC” القديمة المعروضة في “إك خالي”، المهترئة بفعل الزمن، المثقوبة، المختومة، والممهورة بصور رسمية، وإمضاءات رسمية، وهذا دليل قاطع على أن اتحاد بورما كان يعتبر حامليها مواطنين، مثلهم مثل غيرهم من العرقيات الأخرى في بورما.
كما أخبر أحد كبار الروهينجا قسطنطين: “لم يرَ العالم كيف دمّروا وثائقنا القانونية والأدلة الأخرى بشكل منهجي، لقد شاهد العالم فقط الهجمات الجسدية علينا، لذلك، يحاولون خداع العالم بالقول، ‘الروهينجا ليسوا من هنا’، ما فعلوه بنا بالقلم ألحق بنا ضرراً أكبر من هجماتهم الجسدية، إنه مثل تدمير جذور شجرة”.
وقال محمد أيوب، أحد شيوخ الروهينجا: كلا والديّ لديهما بطاقة تسجيل وطنية، وأنا أيضاً، وحصل والداي على بطاقة تسجيل وطنية في عام 1957، وهذا دليل على أننا مواطنون في البلاد، وكانت المجموعات العرقية الأخرى تحمل نفس بطاقات الهوية الوطنية، حتى رئيس الوزراء “يو نو” يحمل نفس بطاقة التسجيل الوطنية التي لدينا.
وأضاف: “لكنهم بدأوا في إلغاء وتخفيض جنسيتنا خطوة بخطوة، وفي مصادرة هذه الوثائق وبطاقات التسجيل الوطنيةـ وفقدنا بشكل منهجي حقوقنا العرقية والإنسانية في البلاد”.
ومن المهم أيضاً تذكر العديد من “الأقليات غير الرسمية” في ميانمار التي تم اختصار تاريخها الثقافي والسياسي أو محوه، وكانت هذه عملية منتشرة خلال سنوات الحكم العسكري الطويلة، لكنها تسارعت فعلياً خلال فترة إدارة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية (NLD)، وقد استمرت بشكل مثير للجدل مع قوى المقاومة المناهضة للحكم العسكري رغم وعود الإصلاح بشأن قضايا الجنسية، بحسب المحلل المستقل”ديفيد سكوت ماثيسون” .
أدلة على الوجود
ولم تكن بطاقات “NRC” الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تثبت الانتماء؛ فهناك الكثير غيرها، ويُقدّم الفصل السادس “أدلة على الوجود” أفراداً وآثار الحياة التي تركوها خلفهم من خلال الوثائق. كان صلاح أحمد زعيمًا لقرية في منطقة أكياب (سيتوي)، وقد جمع كونستانتين الوثائق الرئيسية في حياته: بطاقاته وبطاقات أفراد عائلته NRC، وشهادة تعيينه رسمياً كزعيم قرية، وقائمة عائلية، وبطاقتي تسجيل ناخبين من عامي 1978 و1981.
أما “أولى ميا”، فكان ضابط شرطة قاتل ضد المتمردين، وترك خلفه هوية الشرطة، وشهادات خدمة جيدة من الشرطة، وكتيب قواعد الشرطة، ودفتر رواتبه، وهناك أيضاً أطباء وشخصيات أخرى في المجتمع جرى الحديث عنهم في هذا الفصل.
وينتهي هذا الفصل بصور لأوراق محترقة جزئياً، دمرتها النار في مخيم “بالوخالي” للاجئين في مارس 2023، بعد أن تم نقلها من ولاية أراكان عقب حملة “الإبادة الجماعية” عام 2017.
المقاومة
الفصل السابع، “المقاومة”، يعد من أكثر الفصول جاذبية في المشروع، ويتناول جذور التوترات بين مجتمعي الروهينجا و”الراخين”، وفقاً لماثيسون.
ففي الخمسينيات، سعى العديد من قادة الراخين إلى تحقيق الحكم الذاتي لولاية أراكان (راخين)، وهي خطوة كانت حكومة “يو نو” تنظر فيها، لكنها أثارت قلق العديد من قادة الروهينجا، ولم يُمنح الحكم الذاتي لولاية أراكان إلا في عام 1974، خلال حكم حزب البرنامج الاشتراكي البورمي (BSPP)، رغم أن “منطقة مايو” الحدودية قصيرة الأمد كانت ترتيبا أكثر قبولاً للروهينجا.
وكانت المقاومة المسلحة شبه حتمية، كما حدث في أجزاء كثيرة من بورما، حيث كان الجيش “يصنع الأعداء” في جميع أنحاء البلاد، وتأسست الجبهة الوطنية الروهينجية (RPF) في عام 1973، وتبعتها مجموعة منشقة بعد عقد من الزمان، وهي منظمة التضامن مع الروهينجا (RSO)، ثم منظمة جبهة أراكان الروهينجية الإسلامية (ARIF).
ويرى ماثيسون أن رفع السلاح ضد الحكومة المركزية البورمية ربما لم يكن السبب في تجريد الروهينجا من حقوقهم ببطء، بل كان نتيجة للإرث الاستعماري والتوترات بين المجتمعات والعنصرية التي حملها الجنرال “ني وين”، ومع ذلك، فإن عملية “نجا مين” العسكرية في عام 1978 وحملة الطرد القسري في عام 1991 أوضحت أن ميانمار لم تعد ترى الروهينجا مقبولين، حتى الطلاب الروهينجا الذين احتجوا في رانغون (يانغون) خلال انتفاضة عام 1988 لم يتم تذكرهم.
ويضيف: إنه أحد تناقضات الحروب الأهلية في ميانمار أن المقاومة المسلحة ضد عدو مشترك غالباً ما تؤدي إلى تفكك عنيف بعد فترة من التضامن المتوتر، في فترة أخرى من “التمردات متعددة الألوان” في تاريخ ميانمار، نشرت نشرة اتحاد كارين الوطني (KNU) في أبريل 1986 بياناً صحفياً من الجبهة الوطنية الروهينجية بعنوان “الجبهة الوطنية الروهينجية تدين يوم اتحاد بورما”، وأعلنت أن الجبهة “تقف جنباً إلى جنب” مع جماعات التمرد الأخرى من شان، باو، كارين، كاشين، لاهو، مون وزومي لمحاربة دكتاتورية ني وين، قد تكون المقاومة المسلحة الروهينجية صغيرة عسكرياً، لكن لا يمكن إنكار أنها كانت جزءاً من الثورة في الماضي.
وينقل “إك خالي” عن محمد، أحد المشاركين في المظاهرات من الروهينجا، قوله: “عندما بدأت المظاهرات من أجل الديمقراطية في عام 1988، كنت طالباً، وكنت أعتقد أنه من الضروري جداً أن يتمتع جميع الروهينجا بحقوقهم كما كان الحال من قبل إذا جاءت الديمقراطية إلى البلاد، ومنذ اعتماد القانون الأسود لعام 1982، وعلى الرغم من حرمان مجتمع الروهينجا من الجنسية البورمية، فقد أتيحت الفرصة لجميع المجتمعات العرقية في بورما بغض النظر عن العرق والانتماء العرقي للاحتجاج معاً، لقد كانت لحظة فخر، بصفتنا روهينجا، قاتلنا من أجل ديمقراطية البلاد في عام 1988 لأننا نثق تماماً ونمتلك الأدلة على أننا مجتمع أصلي في بورما، لقد قاتلنا جميعاً معاً جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف بهدف أن نكون قادرين على السير على قدم المساواة إذا تم استعادة الديمقراطية”.
المعلمون والطلاب
أي شخص عمل مع الروهينجا يعلم أن الكثير منهم، وخاصة من سيتوي، كانوا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى التعليم العالي في الماضي، ويعرض الفصل الثامن “المعلمون والطلاب” سلسلة من الصور الجماعية للمعلمين والطلاب من المجتمع الروهينجي خلال دراستهم في أراكان، رانغون، وباثين ليصبحوا معلمين، أطباء، مهندسين، وإداريين.
وهناك شيء مميز في هذه الصور الجماعية يتجاوز الشهادات؛ فهي تعبر عن الانتماء، ربما لست الوحيد الذي شعر بالقلق من فقدان يوم التقاط الصور الجماعية في المدرسة، كما لو أن غيابي عن الصورة سيجعلني غير معترف به.
“الصور التي تظهر العديد من الطلاب الروهينجا وزملائهم من أعراق متنوعة تعطي إحساساً بالأمل، كما لو أنهم عاشوا الأيام الأخيرة من نظام تعليمي فخور قبل أن يتدهور بفعل الاشتراكية البورمية المعزولة”، بحسب المحلل المستقل”ديفيد سكوت ماثيسون”.
وينقل “إك خالي” عن محمد حسين، أحد شيوخ الروهينجا (60 عاماً) الذي قابله عام 2018، قوله: “في عام 1920، افتتح زين الدين المدرسة الثانوية الوطنية في أكياب (سيتوي حالياً)، وخلال الفترة الاستعمارية، تم إعطاء الأولوية للنظام الاستعماري، وكان أول شخص لم يعط الأولوية للنظام الاستعماري للتعليم في أراكان بل أعطى الأولوية لنظام التعليم الوطني البورمي هو زين الدين، وهو من الروهينجا، لقد فتح أعين الطلاب من راخين وبورما والمسلمين، يجب أن نطلق عليه اسم والد التعليم في بورما”.
ألبوم المجتمع
أما الفصل الأخير في موقع “كان يا ما كان” الإلكتروني فقد حمل عنوان “ألبوم المجتمع”، ويُعد طريقة مؤثرة لإنهاء “إك خالي”، من الستينيات حتى عام 2012، تُظهر هذه الصور العائلية والودية، الكثير منها يُعتقد أنها التُقطت في السبعينيات باستخدام كاميرات “بنتاكس” أو “مينولتا” أو ربما “كوداك”، أو في استوديوهات حول معبد “سلي باغودا” في رانغون – صور رائعة لرجل أنيق يرتدي نظارات شمسية يستند إلى سيارة داتسون قديمة، وآخر يتألق في منتزه بوجيوك آونغ سان مرتديًا بنطالاً متسعًا، إلى جانب تجمعات في حفلات زفاف، تخرج، وصور رسمية للشرطة، ومجموعات من الأشخاص المبتسمين على شواطئ سيتوي.
وكما قال أحد الأشخاص الذين قابلهم قسطنطين: “عندما نتذكر ماضينا، نتذكر أنفسنا كأناس عصريين، احتضنتنا بلادنا على الرغم من التمييز، لقد تغيرت المواقف تجاه الروهينجا، ولكن عندما تفكر في الماضي، لم نكن نرى أنفسنا مختلفين، كنا مثل الجميع، لا نختلف عن جيراننا، عندما تنظر إلى هذه الصور القديمة، هل تقول: هذا يبدو مثل الروهينجا؟ لا. لأننا كنا نبدو مثل الجميع، كنا مثل الجميع في البلاد”.
قسطنطين لديه تاريخ طويل في توثيق حياة الروهينجا، وكتابه لعام 2012 “المنفيون إلى لا مكان” ظهر قبل شهور فقط من اندلاع العنف الطائفي الذي اجتاح وسط وشمال أراكان، وفصل بين المجتمعات، وأرسل 120 ألفاً من الروهينجا إلى مخيمات الحبس خارج سيتوي، والصور القاتمة بالأبيض والأسود في ذلك الكتاب أظهرت الروهينجا في بنغلادش وميانمار يعيشون في حالة من الفقر المدقع، و “إك خالي” يضيف طبقة أخرى من الأدلة التي لا تقبل الشك على اضطهاد الروهينجا، وفقاً للمحل المستقل “ديفيد سكوت ماثيسون”، الذي يعمل على قضايا الصراع الإنسانية وحقوق الإنسان في ميانمار.
وأضاف ماثيسون: وصف “إك خالي” على أنه دفتر قصاصات أو نص اجتماعي سيكون إجحافًا بحقه؛ إنه أرشيف جنائي لهوية الروهينجا وانتمائهم، مجموعة من الوثائق التي تحمل قوة مشتركة عندما يتم جمعها من قبل شخص حساس وماهر مثل قسطنطين، حتى أشد المنكرين قسوة سيواجهون صعوبة في الحفاظ على الأوصاف اللاإنسانية للروهينجا باعتبارهم اختراعاً حديثاً زائفاً، وتكمن قوة “إك خالي” في الكرامة التي لا يمكن إنكارها والتي يكشفها من خلال حياة الروهينجا الماضية.
“رحيمة خاتون”، وهي ناشطة روهنجية، حضرت الأسبوع الماضي فعالية تعريفية بموقع “إك خالي” في كندا، قالت عنه: “بصفتي عضواً في مجتمع الروهينجا، تأثرت بشدة بكيفية أن يجلب هذا المشروع تاريخنا الخفي إلى النور، يذكرنا بقوتنا وتراثنا المشترك”.
من خلال الكشف عن هذا الماضي “غير المرئي”، يهدف هذا المشروع إلى مشاركة صورة مرئية للروهينجا لم يرها معظم الناس من قبل، ويرى القائمون على “إك خالي” (كان يا ما كان) أنه مشروع عن التاريخ والوجود والانتماء والمشاركة والمجتمع، ويتحدى السرديات، وفوق كل شيء، هو مشروع عن المقاومة واستعادة هوية المجتمع وتاريخه، الذي حاولت الأنظمة البورمية وغيرها تدميره لعقود من الزمن.