“حميدة” طفلة روهنجية فرت للهند بحثاً عن حياة أفضل لتتوفى بمركز احتجاز

صورة التقطت للطفلة الروهنجية حميدة قبل فرارها من مخيمات اللجوء في بنغلادش إلى الهند في عام 2022 (صورة: The Telegraph)
صورة التقطت للطفلة الروهنجية حميدة قبل فرارها من مخيمات اللجوء في بنغلادش إلى الهند في عام 2022 (صورة: The Telegraph)
شارك

وكالة أنباء أراكان | ترجمات

لن تنسى اللاجئة الروهنجية السيدة “روجيا” لحظة إخبارها بوفاة ابنتها “حميدة” (12 عاماً)، بعد فرارها من مخيم اللاجئين الذي تعيش به أسرتها بمنطقة “كوكس بازار” في بنغلادش، لخوض رحلة خطرة نحو الهند بحثاً عن حياة أفضل.

بعد ثمانية أيام من فرار “حميدة” من المخيم  عام 2022، تلقت الأم اتصالاً هاتفياً من الشرطة الهندية يفيد بالعثور على ابنتها والقبض على اثنين من مهربي البشر الذين اصطحبوها إلى الهند، لكن الشرطة أخبرتها أنه تم احتجاز الطفلة في أحد المراكز التابعة للسلطات باعتبارها مهاجرة غير شرعية.

وبعد عامين على احتجازها، تلقت الأسرة خبر وفاة الطفلة حميدة داخل مركز احتجاز في ظروف يشوبها الغموض الذي لم يرغب أحد في أن يزيحه كي تعرف الأسرة ما تعرضت له ابنتها طوال هذه الفترة.

"حميدة" طفلة روهنجية فرت للهند بحثاً عن حياة أفضل لتتوفى بمركز احتجاز
بطاقة حميدة الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مثل العديد من القاصرين غير المصحوبين، تم تسجيلها كأكبر سناً لتسهيل عملية تسجيلها (صورة: The Telegraph)

أغرى رجلان من الروهينجا الطفلة حميدة بأحلام الحصول على حياة أفضل لكي توافق على خططهما بنقلها إلى الهند، وطلب المهربون مبلغا قدره 65 جنيهاً إسترلينياً من والدة حميدة التي تربي أربعة أطفال، وجمعته بصعوبة بالغة أملاً في حياة أفضل لابنتها.

ماذا حدث لحميدة؟

فور علم الأم بالقبض على ابنتها لم تدخر جهداً للبحث عنها والوصول إليها، وقالت الأم لصحيفة “ذا تيليجراف” البريطانية: “تواصلت مع كل من استطعت للحصول على المساعدة وتوسلت إلى موظفي مؤسسة المساعدة القانونية والخدمات في بنغلادش وفريق الحماية التابع للأمم المتحدة، ومسؤول المخيم لإعادة ابنتي إلى بنغلادش”.

والدة الطفلة حميدة تحمل خطاب توسل لمفوضية اللاجئين الأممية بالهند للإفراج عن جثمان ابنتها (صورة: The Telegraph)
والدة الطفلة حميدة تحمل خطاب توسل لمفوضية اللاجئين الأممية بالهند للإفراج عن جثمان ابنتها (صورة: The Telegraph)

لكن كل جهود الأم باءت بالفشل، فلم ترها حتى تلقت رسالة فيديو من أحد أقاربها في الهند في مارس الماضي تظهر جثة حميدة ملفوفة بكفن أبيض داخل سيارة إسعاف.

لا زال الغموض يكتنف ظروف وفاة حميدة، وقالت إحدى قريباتها في الهند وتدعى صابرة خاتون، لصحيفة “ذا تيليجراف”: إن السلطات احتجزت جثمان حميدة بشكل غامض لفترة طويلة دون تقديم تقرير ما بعد الوفاة أو أي سجلات طبية سابقة رغم مطالباتهم العديدة بذلك.

ومنذ احتجاز حميدة في الهند كانت تحت رعاية مكتب تسجيل الأجانب الإقليمي، وهي وكالة حكومية تابعة لوزارة الداخلية في البلاد.

القتل بالدواء

علمت الصحيفة من مصادر طبية معنية أن تقرير التشريح الطبي أرجع وفاة حميدة إلى “فشل الأعضاء الداخلية المتعدد”، وأنها “كانت تتعاطى دواءً لاضطراب نوبات الصرع أثناء الاحتجاز”، وذلك دون توفر أي وثائق تتعلق بالتشخيص.

وأكد ثمانية معتقلين سابقين من الروهينجا كانوا يعيشون مع حميدة في مركز احتجاز يسمى “سيوا سادان” في نيودلهي، أن حميدة لم تتعرض قط لنوبة صرع أثناء وجودها في مركز الاحتجاز المكتظ.

كما أكدت والدة حميدة أن ابنتها كانت بصحة جيدة قبل مغادرة بنغلادش، ولم تعاني أبداً من أي أعراض للصرع.

وأفادت شهادات المحتجزين التي حصلت عليها الصحيفة البريطانية أن “حميدة لم تكن المحتجزة الروهنجية الوحيدة التي أعطيت أدوية لم يكن من المفترض أن تتناولها، فقد قال خمسة عشر محتجزاً روهنجياً سابقاً بمراكز مختلفة بنيودلهي إنهم كانوا يعطون بانتظام طعاماً يحتوي على دواء مشبوه مخلوط به”.

وأكد امرأة لاجئة من الروهينجا أنها كانت تتعرض للضرب من موظفي المركز في حال رفضها تناول الطعام المختلط بالأدوية.

وقال الناشط الروهنجي المقيم في الهند صابر كاو مين: إن “تخدير المحتجزين ربما يهدف إلى إفقادهم القدرة على التواصل الصحيح مع أقربائهم بالخارج لكشف الانتهاكات التي يتعرضون لها، وذلك لحماية موظفي المراكز من المحاسبة”.

وتابع الناشط والمؤسس المشارك لمبادرة حقوق الإنسان للروهينجا أن ممارسة تخدير المحتجزين الروهينجا يجعل النساء والفتيات في هدفاً سهلاً لأي اعتداء جنسي.

وأكد تقرير صادر عن منظمة “اللاجئين الدولية” المستقلة ومؤسسة “مشروع آزادي” الهندية في 2023 أنه يتم تلويث الوجبات عمداً في مراكز الاحتجاز التي تؤوي لاجئي الروهينجا.

يوم ماتت حميدة

وذكرت الصحيفة أن لاجئاً روهنجياً يدعى روبي ألوم (27 عاما) وشقيقته الصغرى “روما” كانا مع حميدة ليلة وفاتها في 24 مارس من هذا العام.

والدة الطفلة حميدة وشقيقها داخل مخيم للاجئين بمنطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Telegraph)
والدة الطفلة حميدة وشقيقها داخل مخيم للاجئين بمنطقة “كوكس بازار” في بنغلادش (صورة: The Telegraph)

وقال روبي، في مكالمة هاتفية مع الصحيفة: إن “حميدة لم تكن مريضة بشكل خطير حتى الأسبوع الذي توفيت فيه، وأنها عانت قبل يومين من وفاتها من الحمى والقيء وكانت تشكو من احتباس البول”.

وتابع أن السلطات نقلت حميدة إلى مستشفى صغير قريب من مركز الاحتجاز، حيث أقر الطبيب هناك أنها في حالة حرجة ويجب نقلها على الفور إلى مستشفى حكومي مجهز بشكل أفضل، لكن موظفي مكتب حقوق الإنسان أجبروها على العودة إلى مركز الاحتجاز زاعمين أنها تتظاهر بالمرض وأنهم سينقلونها للمستشفى بعد يومين.

ولكن في اليوم التالي كانت حميدة تبكي من الألم، واستدعت السلطات سيارة إسعاف لكنها توقفت عن التنفس في طريقها إلى المستشفى وأعلنت وفاتها فور وصولها.

قصة من بين الآلاف

“حميدة” طفلة من آلاف آخرين من لاجئي الروهينجا الذين حاولوا ويحاولون الفرار من بنغلادش إلى الهند وغيرها من الدول المجاورة هرباً من المخيمات المكتظة والمتردية صحياً حيث يواجهون مخاطر العنف ولا يجدون فرصاً للعمل أو التعليم العالي.

ومعظم من يتم تهريبهم هم من نساء وفتيات الروهينجا والذين يباعون إلى رجال هنود كعرائس للزواج، وذلك وفق تقرير منظمة “اللاجئين الدولية” المستقلة ومؤسسة “مشروع آزادي” الهندية.

وتشير إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 730 من أصل 908 طالب لجوء محتجزين في الهند حالياً هم من لاجئي الروهينجا.

وقال المحامي “تشاتيرجي” المقيم في نيودلهي إنه تم احتجاز “حميدة” كمهاجرة غير شرعية رغم كونها قاصراً غير مصحوبة بذويها في مخالفة للإجراءات القانونية الواجبة.

عدد من أطفال الروهينجا بمخيم للاجئين في نيودلهي بالهند (صورة: The Telegraph)
عدد من أطفال الروهينجا بمخيم للاجئين في نيودلهي بالهند (صورة: The Telegraph)

دموع لا تجف

ولا تزال دموع الأم لا تجف على فراق ابنتها حميدة، فقالت الأم التي نجت من الإبادة الجماعية ضد الروهينجا في ميانمار عام 2017 “لم أنم ليلة كاملة منذ أخذت بعيداً، وفي كل مرة أخرج أبحث عنها على أمل أن أرى طفلة مثل حميدة لكن ذلك لم يحدث أبداً”.

وتابعت “لقد رحلت ابنتي الجميلة ولم يحاسب أحد على وفاتها، لا يمكنني أبداً أن أسامح الحكومة الهندية على ما فعلته بها”.

تهديدات بالقتل

وقالت عائلة روهنجية لاجئة لصحيفة “ذا تيليجراف”: إن “وفاة حميدة استخدمت لتهديدهم بالقتل في حال لجأوا إلى المحاكم العليا لإنقاذ بعض أقاربهم المحتجزين لأجل غير مسمى في نيودلهي”.

وأوضحت الصحيفة أن وزارة الداخلية الهندية لم تستجب لطلباتها المتكررة للتعليق على قضية حميدة واتهامات الإهمال الطبي والتهديدات بالقتل.

وفي رد رسمي على الصحيفة، قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الهند إنها “تأسف بشدة على وفاة حميدة أثناء احتجازها”.

وقال متحدث باسم مفوضية اللاجئين في الهند: إن إمكانات المفوضية للوصول إلى مراكز الاحتجاز محدودة حالياً، وأنها مستعدة للعمل مع حكومة الهند لمعالجة وضع جميع طالبي اللجوء واللاجئين المحتجزين.

وأضاف: “بالنسبة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن طلب اللجوء ليس جريمة، وبالتالي فإنه لا يجب أن يعرض للاحتجاز”.

 

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.