إعلان عودة الروهينجا لميانمار يثير تساؤلات وشكوكاً واسعة لدى اللاجئين

إعلان ميانمار بدء السماح بعودة الروهينجا الفارين إلى بنغلادش يثير مخاوف وشكوك واسعة بأوساط اللاجئين والنشطاء (صورة: ANA)
إعلان ميانمار بدء السماح بعودة الروهينجا الفارين إلى بنغلادش يثير مخاوف وشكوك واسعة بأوساط اللاجئين والنشطاء (صورة: ANA)
شارك

وكالة أنباء أراكان | خاص

كانت “العودة إلى الوطن” الكلمة التي طالما انتظرها لاجئو الروهينجا الذين فرّوا من ميانمار قبل سنوات، هرباً من حملة إبادة جماعية استهدفتهم، ورغم أن هذا الحلم بدا أقرب من أي وقت مضى بعد إعلان السلطات في ميانمار استعدادها لبدء استقبال أعداد منهم، فإن مشاعر الفرح لم تكن وحدها الحاضرة في أوساط اللاجئين والناشطين من الروهينجا، بل رافقتها تساؤلات وشكوك عميقة.

فقد انتشرت في مخيمات اللاجئين في بنغلادش، التي تضم أكثر من مليون لاجئ روهنجي، أنباء عن موافقة ميانمار على تصنيف 180 ألفاً منهم على أنهم “لائقون للعودة”، وهذه الأنباء التي طال انتظارها لم تستطع تهدئة المخاوف، بل زادت من قلق اللاجئين، الذين يرون أن “الاحتفال سابق لأوانه”، في ظل استمرار العقبات التي تعترض طريق العودة الآمنة.

يكتنف الغموض آلية عودة الروهينجا إلى ميانمار وسط انعدام سيطرة الحكومة على ولاية أراكان الواقعة تحت سيطرة جيش أراكان (الانفصالي)، الذي لا زالت انتهاكاته مستمرة بحق الروهينجا، كما أن غياب الضمانات الأمنية، وعدم وجود آليات واضحة لاستعادة حقوق المواطنة والجنسية المسلوبة، يزيد من تعقيد المشهد.

ورغم أن إعلان العودة حظي بتغطية إعلامية واسعة، واعتبره البعض انتصاراً دبلوماسياً لبنغلادش أو بارقة أمل في طريق حل الأزمة الإنسانية للروهينجا، فإن اللاجئين لا يزالون يتوجسون من المستقبل، ويتخوفون من أن يكون أشد فتكاً مما مرّوا به في الماضي.

سعادة ممزوجة بالخوف

اللاجئ الروهنجي موسى خلال حديثه لوكالة أنباء أراكان من مخيمات اللجوء في بنغلادش 6-4-2025 (صورة: ANA)
اللاجئ الروهنجي موسى خلال حديثه لوكالة أنباء أراكان من مخيمات اللجوء في بنغلادش 6-4-2025 (صورة: ANA)

عبّر عدد من لاجئي الروهينجا في بنغلادش، في حديثهم لوكالة أنباء أراكان، عن رغبتهم بالعودة إلى وطنهم ميانمار، لكن سعادتهم بأنباء العودة كانت ممزوجة بالخوف والقلق من المصير المجهول الذي قد يواجهونه في ولاية أراكان، التي شهدت في السابق مآسي القتل والتهجير وحرمانهم من الجنسية والمنازل والأراضي، فهم لا يعلمون تماماً إلى ماذا سيعودون.

وقال اللاجئ الروهنجي موسى: “سعيدون جداً بأنباء العودة، لكن الكثير من اللاجئين قلقون ويقولون إنهم لن يعودوا دون ضمان الأمن من قبل الأمم المتحدة، وذلك بسبب خطورة الأوضاع في ميانمار، ووجود الجماعات المسلحة، واستمرار الصراع”.

وتابع: “إذا تحسنت الأوضاع في ميانمار وتم احترام حقوق الروهينجا، فسنعود بالتأكيد، لكن إذا وُضعنا في مخيمات للنازحين داخلياً، فلن نعود؛ فنحن لسنا مستعدين للعيش في مخيمات داخل وطننا، ويجب أن تُعاد إلينا بيوتنا وأراضينا الأصلية، وأي جهة تسيطر عليها الآن يجب أن تسلمها لنا”.

اللاجئ الروهنجي عبد الهاشم يتحدث لوكالة أنباء أراكان بأحد مخيمات بنغلادش في 6-4-2025 (صورة: ANA)
اللاجئ الروهنجي عبد الهاشم يتحدث لوكالة أنباء أراكان بأحد مخيمات بنغلادش في 6-4-2025 (صورة: ANA)

من جانبه، أعرب اللاجئ عبد الهاشم، لوكالة أنباء أراكان، عن سعادته الكبيرة بأنباء العودة واستعداد اللاجئين لها، لكنه أبدى قلقه من غياب المعلومات الواضحة من حكومتي بنغلادش وميانمار بشأن آليات العودة وخطواتها.

وقال: “لا يوجد وضوح بشأن ما إذا كانت هويتنا الروهنجية سيعترف بها عند العودة، أو ما هي الهوية التي سنُعاد بها إلى وطننا، كما أن الوضع في أراكان مقلق، فلا وجود فعلياً لحكومة ميانمار هناك، إذ أنشأ جيش أراكان نظام حكمه الخاص، ما يجعل من الصعب ضمان أمننا وسلامتنا حالياً”.

وأكد أن وجود قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أو حماية دولية سيكون شرطاً أساسياً للعودة، مضيفاً: “يجب أن تعترف حكومة ميانمار بنا رسمياً كروهينجا، وتضمن حقوقنا وكرامتنا وهويتنا”.

اللاجئة الروهنجية نور عايشة تتحدث إلى لوكالة أنباء أراكان داخل مخيمات اللجوء في بنغلادش في 6-4-2025 (صورة: ANA)
اللاجئة الروهنجية نور عايشة تتحدث إلى لوكالة أنباء أراكان داخل مخيمات اللجوء في بنغلادش في 6-4-2025 (صورة: ANA)

أما اللاجئة “نور عايشة”، فأكدت أن عودة الروهينجا يجب أن تتضمن استعادة جميع الممتلكات التي سُلبت منهم، وقالت: “نعيش في بنغلادش كلاجئين، ولا يمكن أن نعيش في وطننا بالصفة ذاتها”.

وأضافت: “خبر العودة إلى وطننا سار جداً، ولكن إذا لم يُعطونا حقوقنا، فقد يزداد وضعنا سوءاً، إذ كنا نتمتع بوظائف وممتلكات وسلام في وطننا، وإذا أُعيدت لنا أراضينا وحقوقنا، فلن ننتظر لحظة وسنعود فوراً”.

وعد من لا يملك؟

قد يرى البعض في الأنباء الأخيرة تمهيداً لحل أزمة الروهينجا، لكن النشطاء والمراقبين الروهنجيين يرون أنها مجرد أوهام تروّج لها حكومة ميانمار دولياً، رغم أنها لا تسيطر فعليًا على ولاية أراكان، التي يسيطر جيش أراكان حالياً على معظم مناطقها.

وقال المؤسس المشارك لتحالف الروهينجا الأحرار (RFC) “ناي سان لوين”، لوكالة أنباء أراكان، إن “المجلس العسكري لا يسيطر على مناطق الروهينجا التاريخية في أراكان، وليس لديه أي وسيلة لتطبيق قرار العودة، ولم يقدم أي وعود واضحة بهذا الشأن”.

المؤسس المشارك لتحالف الروهينجا الأحرار (RFC) "ناي سان لوين" (صورة: الحساب الرسمي للناشط على تويتر)
المؤسس المشارك لتحالف الروهينجا الأحرار (RFC) “ناي سان لوين” (صورة: الحساب الرسمي للناشط على إكس)

وأشار إلى أن حكومة بنغلادش ستضطر إلى التفاوض مع جيش أراكان، مضيفاً: “رغم أن عودة الروهينجا ممكنة نظرياً، فإن تنفيذها يعتمد على موقف جيش أراكان، لا المجلس العسكري في ميانمار”.

وشدد “ناي سان لوين” على أهمية توفير ضمانات تشمل “حق العودة إلى القرى الأصلية، والتمتع بحقوق متساوية مع القوميات الأخرى، والاعتراف بهوية الروهينجا”، دون فرض تسميات أخرى.

ولفت الناشط الروهنجي البارز إلى أن المجلس العسكري يحاول استغلال قضية الروهينجا لتحقيق مكاسب سياسية، وعلى رأسها كسر العزلة الدولية، قائلاً: “لن تُحل أزمة الروهينجا بالكامل إلا بعودة كل اللاجئين من بنغلادش إلى قراهم الأصلية، واستعادة حقوقهم كاملة”.

تساؤلات مشروعة

ومع التفاؤل الحذر، تبرز تساؤلات جوهرية حول آليات تنفيذ خطط العودة، فقد رحب المدير التنفيذي لجمعية شباب الروهينجا (RYA) “كينغ ماونغ” بأنباء العودة، لكنه قال إن “التركيز لا يجب أن يكون على الأعداد”.

وأضاف في تصريحات، نقلتها شبكة “روهينجا خبر”: “لا نسأل عن عدد العائدين، بل عن كيفية عودتهم، وإذا تمت الإعادة دون أرض أو حقوق أو اعتراف، فهذه ليست إعادة توطين بل اضطهاد جديد،  ونريد العدالة، والأمن، ومكانتنا في أراكان”.

أما الناشط الحقوقي البارز “حبيب أراكاني”، فأبدى شكوكه حيال العملية، قائلاً: “معظم ولاية أراكان تحت سيطرة جيش معادٍ للروهينجا وله سجل حافل من الانتهاكات ضدهم، ولم يغادر جيش ميانمار الولاية بدافع السلام، بل لأنه خسر المعركة. والآن يدّعي أنه سيحمينا؟”.

وتساءل ما إذا كان العائدون سيسلَّمون إلى مناطق خاضعة لجيش أراكان، في ظل تقارير تتحدث عن إجبار الروهينجا هناك على العمل القسري، وممارسات ترهيب، ومصادرة ممتلكاتهم وأراضيهم.

ورغم هذه المخاوف والشكوك، فإن أنباء العودة تداعب أحلام الروهينجا في وطن وعيش كريم، لكن الواقع، وسط غياب سيطرة ميانمار على الولاية ووقوع الممتلكات تحت سلطة جيش أراكان والسكان من

“الراخين”، لا يُبشر بإمكانية تنفيذ الوعود.

ومع انعدام آليات التنفيذ، وغياب الإرادة السياسية، وضعف الضمانات الأمنية، يبقى إعلان ميانمار عن أهلية 180 ألف روهنجي للعودة وعداً نظرياً، في وقت لا تزال فيه المخاوف قائمة، والمطالب تتجاوز “عودة رمزية” إلى مستقبل آمن وكريم يحفظ الحقوق والهوية.

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.