نيو ستريتس تايمز
يترقّب الروهينجا في ميانمار، الذين يُعدّون من أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، عام 2026 بقدر من الأمل الحذر، مع إعلان محكمة العدل الدولية بدء جلسات الاستماع العلنية في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد ميانمار من قبل دولة غامبيا منذ عام 2019.
غير أن مرور سنوات طويلة بين رفع الدعوى وبداية النظر العلني فيها يطرح تساؤلات جدّية حول جدوى العدالة المتأخرة، فالمقولة الشهيرة “العدالة المتأخرة هي عدالة منقوصة” تبدو حاضرة بقوة في هذه القضية، خاصة أن معاناة الروهينجا لم تتوقف خلال هذه السنوات.
ورغم أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يناير 2020 قراراً يلزم سلطات ميانمار باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع الإبادة الجماعية بحق الروهينجا، فإن المجلس العسكري آنذاك تجاهل القرار وأنكر ارتكاب أي جرائم إبادة.
وتشير تقارير إعلامية وشهادات ناجين إلى مقتل مئات الآلاف من أبناء هذه الأقلية خلال حملة عسكرية وُصفت بأنها الأشد دموية في تاريخ جنوب شرق آسيا، فيما اضطر نحو 700 ألف شخص إلى الفرار من ميانمار عام 2017. ووصل معظمهم إلى بنغلادش، بينما حاول آخرون الهروب بحراً إلى ماليزيا وإندونيسيا، ولقي كثيرون حتفهم في البحر.
ولم تتوقف موجات النزوح حتى اليوم، ما يعكس استمرار سياسات القمع والاضطهاد بحق الروهينجا داخل ميانمار، في ظل حكم عسكري ذي أغلبية بوذية.
وقد شكّل إعلان محكمة العدل الدولية في “لاهاي” عن عقد جلسات استماع علنية بين 12 و29 يناير بارقة أمل، لكنها تبقى محدودة لأسباب عدة، أولها أن العالم بات محكوماً بمنطق “القوة تصنع الحق”، حيث تُظهر دول كبرى استخفافاً متزايداً بالقانون الدولي، بل وصل الأمر إلى فرض عقوبات على محاكم دولية بسبب قيامها بواجبها، كما حدث مع المحكمة الجنائية الدولية، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب لدى أنظمة متهمة بارتكاب جرائم جسيمة.
وثاني هذه الأسباب أن محكمة العدل الدولية، رغم أن أحكامها ملزمة قانوناً، تفتقر إلى آليات تنفيذ فعلية، وهو ما يظهر بوضوح في استمرار تجاهل بعض الدول لقراراتها، كما في قضايا أخرى منظورة أمامها.
وتتهم غامبيا سلطات ميانمار بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، على خلفية الحملة العسكرية عام 2017 التي تخللتها عمليات قتل واغتصاب وحرق ممنهج لمنازل الروهينجا.
ويعيش اليوم أكثر من مليون لاجئ روهينجي في مخيمات مؤقتة في بنغلادش، في ظروف إنسانية قاسية، بانتظار حل سياسي وقانوني ينهي معاناتهم.
وتسعى غامبيا أمام المحكمة إلى تحقيق أمرين أساسيين: أولاً، محاسبة سلطات ميانمار على خرقها لاتفاقية الإبادة الجماعية، وثانياً، إلزامها بتقديم تعويضات للضحايا وضمانات حقيقية بعدم تكرار الجرائم.
وبغض النظر عن ما وصلت إليه القضية، فإن لجوء دولة بعيدة جغرافياً مثل غامبيا إلى رفع هذه الدعوى يُعدّ إدانة صريحة لعجز رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عن وقف الجرائم التي ارتكبها أحد أعضائها بحق أقلية مضطهدة، فالإبادة الجماعية، مهما كانت الذرائع، لا يمكن القبول بها ضمن منظومة دول تسعى للانتماء إلى العالم المتحضر.

