وكالة أنباء أراكان
تمكنت أسرة روهنجية لاجئة من لمّ شملها في العاصمة اليونانية أثينا، بعد فراق 10 سنوات تقريباً، بفضل الدعم القانوني الذي وفرته منظمات إنسانية يونانية بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حتى أصبحت قصة هذه العائلة عنواناً لفيلم وثائقي “لوحة العائلة”.
حرمان من الحقوق وبداية اللجوء
بحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، عانت أسرة “سوجي”، كأفراد من أقلية الروهينجا المضطهدة في ميانمار من حرمانهم بأبسط الحقوق، حيث لم يُعترف بهم كمواطنين، ووُصفوا في الوثائق الرسمية بأنهم “عديمو الجنسية”، ونتيجة لذلك حُرموا من التعليم والرعاية الصحية والتنقل بحرية.

بدأت قصة الأسرة المكونة من 4 أفراد هم “محمود” وزوجته “مريم” وابنيهما “ماهر” و”مهدي”، عام 2016 مع تصاعد وتيرة العنف ضد الروهينجا في ميانمار، عندما اضطر “محمود” إلى الفرار نحو بنغلادش ثم إلى اليونان في أكتوبر 2017، بحثاً عن الأمان ولم الشمل مع عائلته.
معركة قانونية للمّ الشمل
وبعد حصوله على صفة اللجوء في صيف 2019، تقدم “محمود” بطلب رسمي لجلب زوجته وطفليه عبر إجراءات لمّ الشمل القانونية، بموجب القانون اليوناني والأوروبي، الذي يمنح اللاجئين الحق في لمّ الشمل مع أزواجهم وأطفالهم تحت سن 18 عاماً إذا توفرت الشروط المطلوبة.
لكن رحلته نحو إعادة بناء أسرته استغرقت 5 سنوات كاملة، بسبب تعقيد الإجراءات كون العائلة عديمة الجنسية ولا تملك وثائق سفر رسمية، حيث طُلب منه تقديم وثائق سفر لعائلته، وهي وثائق لم يسبق لهم امتلاكها ولا يستطيعون الحصول عليها بسبب وضعهم القانوني.
خاض معركة قانونية، كان لمجلس اللاجئين اليوناني (GCR)، بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين (UNHCR)، دوراً محورياً في هذه المعركة، حيث تطلب الأمر تدخلاً في المحاكم، وحتى رفع القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
شكّل غياب الوثائق الرسمية عائقاً أساسياً، لكن جهوداً مشتركة لمجلس اللاجئين اليوناني، والمفوضية الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، ساعدت العائلة في الحصول على تصاريح سفر طارئة ومغادرة بنغلادش بشكل قانوني وآمن.

فيلم وثائقي
وقد أصبحت قصة لمّ شمل عائلة “سوجي” موضوعاً لفيلم وثائقي جديد من إخراج المخرجة اليونانية “أليكسا تسوني”، التي تابعت رحلتهم والعقبات التي واجهوها كأفراد من الروهينجا، وخلال التصوير في بنغلادش، قدّم الطفل “مهدي” للمخرجة لوحة رسم فيها والده في جانب وبقية العائلة في الجانب الآخر، وطلب منها إيصالها إلى والده، وعندما سلّمتها له، انهمرت دموع “محمود”، واستُلهم عنوان الفيلم الوثائقي “لوحة العائلة” من هذه اللحظة المؤثرة.
بداية جديدة
باتت الأسرة تستقر حالياً في أثينا لتبدأ حياة جديدة، حيث يستعد “محمود” للحصول على رخصة قيادة دراجة نارية للعمل، بينما تخطط مريم للالتحاق بدورات في تصفيف الشعر والتجميل لتبدأ مشروعاً مهنياً، أما “ماهر” و”مهدي”، فقد التحقا بالمدارس ليخوضان رحلتهما التعليمية التي حُرما منها لسنوات.
وقال محمود: “لم يكن لي ولأطفالي مستقبل، لكننا وجدنا الأمان والأمل الذي كنا نبحث عنه، وأشعر الآن أننا ننتمي إلى هذا البلد، يمكننا أن نبني مستقبلنا هنا كعائلة”.
نقص التمويل
ورغم هذه القصة الملهمة، إلا أن الأمل بالنسبة لعائلات أخرى مهدد بالتلاشي، فالبرامج القانونية لدعم العائلات مثل عائلة “سوجي” تواجه تقليصاً في التمويل، وبالتالي حرمان الكثير من فرصة الاجتماع بأحبائهم، وبدون هذا الدعم قد يظل الكثيرون منفصلين إلى أجل غير مسمى أو يُجبرون على خوض طرق خطرة في سبيل اللقاء.
منذ عام 2021 وحتى 2024، ساعد برنامج لمّ الشمل الذي ينفذه مجلس اللاجئين اليوناني بدعم من المفوضية على لمّ شمل 145 شخصاً في اليونان من أصل 290 ملفاً بعد سنوات من الانتظار والمعاناة، ومع ذلك فإن استمرار هذه الجهود يتطلب تمويلاً عاجلاً، وإلا فستُغلق هذه الأبواب القانونية، ما يدفع العائلات للجوء إلى طرق خطرة للم الشمل.
ودعت مفوضية شؤون اللاجئين، ومجلس اللاجئين اليوناني، إلى إصلاحات تشريعية تسهّل إجراءات لمّ الشمل وتوفر بدائل أكثر مرونة خاصة للحالات المعقدة مثل حالة “عديمي الجنسية”، لضمان أن يبقى لمّ الشمل طريقاً آمناً وليس صعب المنال.