لاجئون من مسلمي الروهنغيا يروون لـ «الدستور» عمليات القتل والتعذيب الرهيبة بحق ذويهم

شارك

وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات

فاحت رائحة المرض والجوع من مخيم (كوتوبالونغ) أكبر مخيمات اللجوء في القرن الحالي، والذي يحتضن نحو 400 ألف لاجئ من أقلية الروهنغيا المسلمة ممن فروا إلى بنغلادش هربا من المجازر التي ارتكبت بحقهم في قراهم في إقليم أراكان الميانماري.

ففي الجنوب الشرقي من تلك الدولة الفقيرة المكتظة بسكانها الذي يفوق تعدادهم على 174 مليون نسمة، حول الروهنغيا، مدينة كوكس بازار البنغالية الساحلية الهادئة على خليج البنغال إلى مقصد لمئات المنظمات الإغاثية العالمية التي تعمل على التخفيف من معاناة اللاجئين، على وقع الحديث عن موافقة السلطات الميانمارية لعودتهم الى قراهم «المحروقة».

وفي تلك المدينة خطت أقدام اللاجئين العارية رمال شاطئها الذي يعد الشاطئ الرملي الأطول في العالم (120 كلم)، بعد أن وصلوا إليها بقوارب بدائية الصنع، فيما فضل الكثير منهم تجنب مصارعة أمواج البحر والسير على أقدامهم المرتجفة للوصول إلى مخيماتها.

اللاجئون الذين حملوا معهم القليل من المتاع والكثير من قصص الدمار والقتل، أنقذوا في بحثهم عن من ينقذهم فنادق المدينة من ركود أصابها، فاكتظت تلك الفنادق بممثلي المنظمات الإغاثية، وأصبحت مقرا لاجتماعات الجهات الرسمية والأمنية المعنية باللاجئين.

وروى لاجئون من أقلية الروهنغيا الفارين من ميانمار إلى بنغلادش لـ «الدستور»، قصص لجوئهم من إقليم أراكان إلى المخيمات القريبة من الحدود الميانمارية البنغالية هربا من المجازر التي ارتكبت بحقهم هناك من قبل البوذيين والجيش الميانماري وفقا لشهاداتهم التي تشهد عليها أشجار «الجوز» المحترقة القريبة في الجانب الميانماري القريب من الحدود البنغالية.

هربوا من المجازر التي لم تفرق بين طفل وشيخ كبير أو امرأة حامل.. ولم تفارق ذاكرتهم منازلهم التي تعرضت للحرق وأقربائهم الذين قتلوا أو أصبحوا في عداد المفقودين.

وتحدث لاجئون عن وفاة عدد من أقربائهم في طريقهم إلى بنغلادش وبالأخص من الأطفال وكبار السن لعدم توافر الغذاء لهم طيلة أربعة أيام وهو معدل ما يحتاجه اللاجئ للوصول إلى المخيمات القريبة من الحدود مشيا على الأقدام.

وفي المنطقة العازلة على الحدود البنغالية الميانمارية، كان اللاجئون القادمون من معبري تمبرو وانجومنغارا ينتظرون السماح لهم بالدخول إلى مخيمات أبناء جلدتهم، وكانت المنظمات الإغاثية تقوم بتوزيع المساعدات على العالقين الذين كانوا ينتظرون دورهم من خلف نهر صغير ليصبحوا رقما جديدا لضحايا أحدث مآسي العصر الإنسانية.

وفي الطريق إلى الحدود كانت آثار الأشجار المحروقة في الجانب الميانماري شاهدة على أقوال اللاجئين الذين تعرضت منازلهم وقراهم للحرق، فيما وقف جندي عند آخر نقطة حدودية أمام مجموعة من اللاجئين الذين ينتظرون مواد الإغاثة.

وفي مخيم بالوخالي 1 تقف محسنة في مقدمة طابور، قام الأمن البنغالي بترتيبه لأغراض تقديم مساعدات المنظمات الإغاثية العربية والإسلامية والدولية للاجئين، فكانت أول من يتسلم المساعدات التي قدمتها الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والنقابات المهنية، لكنها لم تكن أول لاجئة تفقد والدها وزوجها في المجازر التي ارتكبت بحق شعبها في ميانمار.

وصلت محسنة ابنة الخمسة والعشرين ربيعا، في الصباح الباكر إلى مركز توزيع المساعدات في ثاني أكبر مخيمات اللاجئين، حاملة طفلها عاري الجسد تاركة خلفها والدتها وأطفالها الثلاثة في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وبعد طول انتظار حملت المساعدات التي حولتها من محسنة إلى «محتاجة» فلم يعد اسمها يعكس واقع حالها.

اقتربنا منها لسؤالها عن قصة لجوئها فأمسكت بيد ابنها وكررت نظراتها إليه وكأنها تقول هربت بأطفالي، إلى أن جاء من يترجم لنا قصتها، التي بدأت من قرية خنفرة في ميانمار، حيث خطف الجيش الميانماري زوجها وبعدها لم تعد تعرف عنه شيئا أن كان حيا أو ميتا، فآثرت الهروب بأمها وأولادها بعد أن زادت وفاة والدها من شعورها بالقلق على مصير عائلتها.

وروت محسنة قبل أن تهم بمغادرة مركز توزيع المساعدات، ما قالت إنه رأته بعيونها لعمليات قتل وتقطيع أوصال الروهنغيا من قبل البوذيين والجيش في ميانمار التي هربت منها قبل نحو ثلاثة أشهر.

ومنذ قدوم محسنة بلغ عدد اللاجئين الروهنغيا القادمين إلى مخيمات اللجوء في بنغلادش نحو 700 ألف وزعوا على 12 مخيما قريبا من الحدود مع ميانمار ووفقا للناشط في إغاثة اللاجئين الروهنغيا في مؤسسة العلامة فضل الله محمد محي الدين، الذي أشار إلى سعي السلطات البنغالية تجميع اللاجئين في مخيم واحد.

وفي ذات المخيم الذي يبعد نحو خمسة كيلومترات عن الحدود الميانمارية وصلت مساعدات للاجئين الجدد، فيما ترقبت عيون باقي اللاجئين عملية التوزيع، وتوسل بعضهم شمولهم بها، فيما استدرج الطفل عطاء الرحمن الذي فقد شقيقه وأصبح وأهله وشيخه الذي علمه التجويد لاجئين في المخيم، بصوته العذب عطف المحسنين الذين دمعت أعينهم لصوته القرآني.

بينما القت سيدة طاعنة في السن بجسدها النحيل بين أقدام المشاركين في عملية التوزيع للحصول على طرد غذائي إلا أن رجال الأمن البنغال سرعان ما قاموا بإبعادها، فيما تجول طفل أكلت النيران جزءا من جسده وذراعه مستجديا المساعدة شارحا قصته مع النيران التي أتت على منزل عائلته في ميانمار «ميانمار» وأدت إلى وفاة شقيقه واشعلت فتيل هجرة عائلته.

فيما جلس أحد معمري الروهنغيا الشيخ «رشاد» في مركز توزيع المساعدات يقلب بعينيه مشاهد المجازر التي تعرض لها شعبه ونقلها بلغة عربية مجروحة للناطقين بها قبل أن يغادر المركز بصحبة عدد من محبيه.

ولم تكن موجة اللجوء الأخيرة الأولى من نوعها، إذ سبقها وفقا لمحي الدين موجات لجوء في العام 1996، تلتها موجة اخرى في العام 2008، فيما كانت موجة اللجوء الأخيرة الأكبر والأقسى.

وباتت الذاكرة الجمعية نحو 700 ألف لاجئ روهنغي تشكل حاجزا شائكا أمام قبولهم بفكرة العودة إلى قراهم، ودفع بعضهم للابتعاد عن أنظار السلطات البنغالية الساعية لإقناعهم بالعودة.

ولعل «رشاد» و»محسنة» و» عطاء الرحمن» لم يسمعوا بالشهادة التي أدلى بها محقق في الأمم المتحدة وأكد فيها أن «الإبادة» لا زالت مستمرة بحق هذه الأقلية المسلمة، إلا أنهم بحاجة لمن يوقف تلك المجازر، قبل أن تبدأ السلطات البنغالية خطوات إعادتهم إلى قراهم بناء على اتفاق توصلت إليه مع السلطات الميانمارية مؤخرا.

شارك

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.