معضلة بنغلادش مع جيش أراكان

عناصر من جيش أراكان أمام مقر عسكري تابع لجيش ميانمار في بلدة "آن" بولاية أراكان بعد سيطرتهم عليه أثناء الهجوم على المقر العسكري الإقليمي الغربي، 13-11-2024 (صورة: AA Info Desk)
عناصر من جيش أراكان أمام مقر عسكري تابع لجيش ميانمار في بلدة "آن" بولاية أراكان بعد سيطرتهم عليه أثناء الهجوم على المقر العسكري الإقليمي الغربي، 13-11-2024 (صورة: AA Info Desk)
شارك

تسبب الصعود المفاجئ لجيش أراكان (الانفصالي) في ولاية راخين (أراكان) غربي ميانمار وسيطرته على الحدود مع بنغلادش، البالغ طولها 271 كيلو متراً، في اهتزاز الوضع الإقليمي الراهن، وبالنسبة إلى بنغلادش لا يعد هذا التطور لغزاً في السياسة الخارجية فحسب بل يشكل أزمة أمن قومي وأزمة إنسانية في آن واحد.

فبينما يعزز جيش أراكان قبضته على ولاية أراكان، تظل دكا مترددة ومتمسكة باستراتيجيات عفا عليها الزمن فشلت مراراً وتكراراً، لقد حان الوقت لكي تغير بنغلادش مسارها وتصوغ سياسة دقيقة تعكس الوقائع الجديدة على الأرض.

تاريخياً، ارتكز نهج دكا تجاه ميانمار على التعامل مع حكومتها المركزية بما فيها المجلس العسكري الذي دبر إبادة الروهينجا، إلا أن الاعتماد على ذلك كان محفوفاً بسوء التقدير إذ ظهر بوضوح عدم اهتمام نظام ميانمار بحل أزمة الروهينجا في إخفاقاته المتكررة في احترام اتفاقيات إعادتهم إلى الوطن، فعلى مدى سنوات حاولت دكا التفاوض مع الجهة التي طردت أكثر من 730 ألف من الروهينجا، لكن نظام ميانمار لم يظهر أي اهتمام بتهيئة الظروف لعودتهم بشكل آمن.

إن صعود جيش أراكان يغير المشهد بشكل جذري، فقد بات يمثل السلطة الفعلية في معظم أنحاء ولاية أراكان بعد سيطرته على مواقع عسكرية رئيسية بما في ذلك مقر القيادة الإقليمية الغربية لجيش ميانمار في بلدة “آن”، ما يظهر ضعف سيطرة حيش ميانمار على المنطقة بشكل متزايد، كما تؤثر سيطرة جيش أراكان على حدود ميانمار بشكل مباشر على بنغلادش وأمن الحدود وتدفق اللاجئين وإمكانية توصيل المساعدات الإنسانية.

إلا أن رد فعل دكا كان مخيباً للآمال، فقد أكد متحدث الخارجية البنغلادشية “محمد رفيق العلم” مؤخراً التزام بنغلادش بأمن الحدود ورفض التعليق على احتمال الانخراط مع جهات فاعلة غير حكومية مثل جيش أراكان، وفيما يتوافق هذا الموقف مع الأعراف الدبلوماسية التقليدية إلا أنه يخفق في معالجة التعقيدات الناجمة عن هيمنة جيش أراكان.

إن أحد أخطاء دكا الكبرى كان افتراض أن اللعب الآمن عبر الالتزام بالدبلوماسية التقليدية بين الدول هو المسار الأكثر حكمة، ولكن يتجاهل هذا النهج حقيقة أن جيش ميانمار غير مهتم بالدخول في مفاوضات حقيقية، كما أن ممارساته الأخيرة وتصعيد العنف بما يشمل قطع الرؤوس والاغتصاب والتعذيب، وفق خبراء الأمم المتحدة، تؤكد عدم اكتراثه بالمعايير الدولية والإنسانية.

وعلى النقيض من ذلك، أظهر جيش أراكان، رغم تصنيفه كجهة فاعلة غير حكومية، استعداده للحكم والتفاوض، فقد قدمت قيادته رؤية مفادها ولاية شاملة في أراكان تضم كل من شعب “راخين” (البوذيين) والمسلمين بما في ذلك الروهينجا، وفي حين تحتاج هذه التصريحات إلى التدقيق للتأكد من وجود النية الحقيقية، إلا إنها تقدم فرصة للحوار لم تكن موجودة مع جيش ميانمار، ومن شأن التعامل مع جيش أراكان أن يوفر لبنغلادش مساراً عملياً للمضي قدماً وخاصة في معالجة أزمة الروهينجا.

ولكن الانخراط مع جيش أراكان لا يخلو من المخاطر، فالأهداف السياسية له لا تزال غير واضحة، فبينما يسعى حالياً إلى تحقيق قدر أعظم من الحكم الذاتي داخل ميانمار إلا أن خطابه يلمح أحياناً إلى تطلعاته إلى الاستقلال الكامل، كما أن هناك توترات لم يتم حلها بين جيش أراكان والروهينجا وهو ما قد يعقد الجهود الرامية إلى تيسير العودة الآمنة للاجئين، كما يجب أن يعطي أي حوار مع جيش أراكان الأولوية لحماية حقوق الروهينجا وضمان عدم تهميشهم في إطار حكم جيش أراكان للولاية.

كما يتعين على بنغلادش أيضاً أن تتعامل مع التداعيات الجيوسياسية المترتبة على التعامل مع جيش أراكان كجهة فاعلة غير حكومية، فقد تؤدي هذه الخطوة إلى توتر علاقاتها مع قوى إقليمية مثل الصين والهند، وكلاهما لديه مصالح راسخة في ميانمار، ويتعين على دكا أن تعمل دبلوماسياً لضمان عدم حدوث ذلك، وقد يساعد التنسيق مع الشركاء الدوليين والاستفادة من المنصات متعددة الأطراف بنغلادش في إدارة هذه التعقيدات.

بالإضافة إلى ذلك ينبغي لدكا أن تتبنى استراتيجية متعددة الأوجه تتخطى الانخراط المباشر مع جيش أراكان، ويشمل هذا تقوية أمن الحدود لمنع المزيد من تدفقات اللاجئين وتهريب الأسلحة مع ضمان وصول المساعدة الإنسانية إلى السكان المتضررين في أراكان، كما يمكن لبنغلادش أن تدفع نحو الاعتراف الدولي بحكم جيش أراكان في الولاية، ما قد يفتح آفاقاً للوساطة من جانب طرف ثالث ويسهل حل النزاعات.

كما لا يمكن تجاهل البعد الإنساني، فالنزوح المستمر للاجئي الروهينجا، والذي فاقمه الصراع بين جيش ميانمار وجيش أراكان، أدى إلى تكدس المخيمات في بنغلادش حيث شحت الموارد، كما أن تراجع التزامات المجتمع الدولي بالمساعدات من شأنه أن يزيد من تفاقم الأزمة، ويتعين على بنغلادش أن تستخدم صعود جيش أراكان كوسيلة ضغط للمطالبة بزيادة الدعم العالمي للإغاثة الفورية والحلول طويلة الأجل.

إن سيطرة جيش أراكان على الحدود بين بنغلادش وميانمار تشكل تحولاً زلزالياً في الجغرافيا السياسية الإقليمية، فبالنسبة لدكا لم يعد الوضع الراهن المتمثل في التعامل مع حكومة ميانمار فقط قابلاً للتطبيق، ويمكنها حماية مصالحها الوطنية والمساهمة في إحلال الاستقرار الإقليمي بشكل أفضل عبر الاعتراف بسلطة جيش أراكان الفعلية وتبني نهج مرن وعملي، وسوف يتطلب هذا الشجاعة والإبداع والاستعداد للتخلي عن الكتب الدبلوماسية التقليدية، إن تكلفة التقاعس باهظة للغاية سواء بالنسبة لبنغلادش أو بالنسبة لعدد لا يحصى من الروهينجا الذين بات مستقبلهم على المحك.

*(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.