مخاطر الممر الإنساني البنغلادشي إلى ولاية أراكان

الآلاف من الروهينجا خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمخيمات اللاجئين في كوكس بازار (صورة: UNB)
شارك

موافقة بنغلادش المبدئية الشهر الماضي على تسهيل ممر إنساني تقوده الأمم المتحدة إلى ولاية أراكان في ميانمار، تُعد خطوة جريئة نحو التخفيف من أزمة إنسانية خطيرة، فالمنطقة التي مزقتها الصراعات ودمّرها زلزال كارثي مؤخراً، تواجه مجاعة وشيكة تُهدد ملايين الأرواح، بمن فيهم الروهينجا المضطهدين وغيرهم من الجماعات العرقية النازحة، واستعداد دكا لدعم هذه المبادرة يعكس إرثها الإنساني، لكنه يضعها أيضاً على مفترق طرق حساس.

فبدون تدابير أمنية قوية وإشراف دولي وآلية تابعة للأمم المتحدة لضمان وصول المساعدات إلى السكان الأكثر ضعفاً، فإن هذا الممر مهدد بأن يتحول إلى وسيلة استغلال من قبل مجلس ميانمار العسكري أو جيش أراكان، وعلى بنغلادش أن تتصرف بحذر لتحقيق توازن بين التزاماتها الأخلاقية وضرورة تجنب زعزعة الاستقرار الإقليمي.

تُعد ولاية أراكان كارثة إنسانية تتكشف ببطء، فالحصار الذي يفرضه مجلس ميانمار العسكري بهدف خنق سيطرة جيش أراكان على معظم المنطقة، أدى إلى خنق خطوط الإمداد وتدمير الزراعة المحلية وترك ملايين الأشخاص على شفا المجاعة، وقد حذّرت الأمم المتحدة من أن الولاية قد تواجه مجاعة شاملة بحلول منتصف 2025 إن لم يتم التدخل العاجل.

الزلزال الأخير، الذي يُعد من أسوأ الزلازل التي شهدتها ميانمار، فاقم من هذه المعاناة ودمر البنية التحتية وأدى إلى نزوح المزيد من المدنيين، وبالنسبة للروهينجا الذين يعانون بالفعل منذ عقود من الاضطهاد المنهجي، فإن هذه الظروف تمثل حكماً بالإعدام، وتدرك بنغلاديش، التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ من الروهينجا في كوكس بازار، خطورة الوضع جيداً، فموجة نزوح جديدة تلوح في الأفق إن لم يتم معالجة الأزمة في أراكان.

الممر الإنساني المقترح، الذي نوقش خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى دكا في مارس الماضي، يهدف إلى تمرير مساعدات تقودها الأمم المتحدة من خلال بنغلادش إلى أراكان، ويمكن أن تمثل هذه المبادرة شريان حياة للمدنيين الجائعين، وتُساهم في استقرار المنطقة، وتُهيئ الظروف لعودة لاجئي الروهينجا إلى ديارهم وهو هدف سعت إليه دكا، وقد شدّد المستشار الخارجي محمد توحيد حسين على أن دعم بنغلادش مشروط بـ”بيئة مناسبة” لتوزيع المساعدات، ما يُظهر وعيها بالمخاطر، لكن تعقيدات المشهد في أراكان تتطلب أكثر من مجرد نوايا حسنة.

المخاطرة الأكبر تكمن في تحويل مسار المساعدات، فمجلس ميانمار العسكري، المعروف باستخدامه للمساعدات الإنسانية كسلاح، لديه تاريخ في حجب أو تحويل المساعدات لإضعاف الجماعات المتمردة أو إثراء الموالين له، ففي عام 2023، وبعد إعصار “موكا”، أعاق إيصال المساعدات إلى ولايتي أراكان وتشين، مفضلاً السيطرة السياسية على أرواح البشر، أما جيش أراكان، فهو أيضاً موضع شك، مع ورود تقارير عن انتهاكات ضد الروهينجا ومشاعر معادية لهم، ما يُثير تساؤلات حول مدى استعداده لتوزيع المساعدات بعدالة.

وتواجه بنغلادش نفسها مخاطر كبيرة، فقد يؤدي هذا الممر عن غير قصد إلى تورط دكا في الحرب الأهلية في ميانمار، ويزج بها في صراع جيوسياسي تُهيمن عليه مصالح الصين والهند، فقد عمّقت بكين، الداعمة الثابتة لمجلس ميانمار العسكري، نفوذها في أراكان من خلال مفاوضات وقف إطلاق النار وأنشطة على الحدود، وقد يُنظر إلى الممر الإنساني المدعوم من الغرب كمناورة مضادة، ما قد يُصعّد التوترات ويُعقد موقف بنغلادش الحرج إقليمياً، إضافة إلى ذلك، إذا تدفقت المساعدات إلى أراكان دون ضمانات بإعادة توطين الروهينجا، فقد يُنظر إليها كإضفاء شرعية على تهجيرهم طويل الأمد في كوكس بازار، ما سيُفاقم الضغط على موارد بنغلادش ونسيجها الاجتماعي.

ولتقليل هذه المخاطر، يجب أن يُقرن الممر الإنساني بآلية إشراف أممية لضمان الشفافية والمساءلة، وتتضمن هذه الآلية مراقبين مستقلين، وتتبعاً مباشراً لشحنات المساعدات، وشبكات توزيع بقيادة المجتمع المحلي تشمل ممثلين عن الروهينجا وسكان أراكان، كما يجب على الأمم المتحدة تأمين التزامات من جميع الأطراف بوقف إطلاق نار أو على الأقل ضمان المرور الآمن لقوافل الإغاثة، وبدون هذه الضمانات، فإن الممر الإنساني مهدد بأن يصبح مجرد لفتة رمزية، أو ما هو أسوأ، أداة استغلال.

ويجب أن تُركز شروط دكا بشأن الممر على شمول الروهينجا، وقد حذّر مستشار الأمن القومي خليل الرحمن من أن السلام في أراكان لا يمكن أن يتحقق دون تمثيل الروهينجا في الحكم المحلي، ويجب على بنغلادش استغلال موقعها للمطالبة بمشاركة قادة الروهينجا في توزيع المساعدات، ودمج ضمانات العودة في إطار عمل الممر.

كما أن المجتمع الدولي والدول المانحة عليها تمويل آليات الرقابة بالإضافة إلى المساعدات، وينبغي على الأمم المتحدة التنسيق مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لتوسيع الدعم الدبلوماسي للممر، وتقليل النظرة إليه كمبادرة غربية، كما ينبغي تشجيع الدول المجاورة مثل الهند والصين وتايلاند ولاوس، التي تتشارك الحدود مع ميانمار، على إنشاء قنوات إغاثة موازية لتخفيف العبء عن بنغلادش وتجنب اتهامات بالتدخل المفرط.

وتستحق الحكومة المؤقتة في بنغلادش بقيادة محمد يونس، الإشادة على استعدادها للتحرك وسط شكوك سياسية داخلية، فقد انتقد حزب BNP وأطراف أخرى الممر، مشيرين إلى مخاطر على السيادة وضرورة التشاور الأوسع، وهي مخاوف مشروعة، لكن لا يجب أن تعرقل التقدم.

إن الممر الإنساني إلى أراكان مقامرة خطيرة، قد تُنقذ الأرواح أو تُعمّق الفوضى، وتجد بنغلادش نفسها مرة أخرى تتحمل عبء أزمة لم تكن من صنعها، من خلال الإصرار على تدابير أمنية قوية، وإشراف دولي وآلية أممية شفافة، يمكن لدكا أن تضمن وصول المساعدات إلى الروهينجا والفئات المستضعفة الأخرى دون تغذية النزاع أو زعزعة الاستقرار، العالم يراقب، وقد تُشكل قيادة بنغلادش سابقة للتدخل الإنساني في النزاعات المعقدة، لكن بدون اليقظة والمساءلة، قد يتحول هذا الممر من شريان حياة إلى وعد مكسور جديد لملايين المتألمين في أراكان.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.