من المقرر أن تعقد الأمم المتحدة في سبتمبر مؤتمراً رفيع المستوى لمعالجة واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية إطالة وتجاهلاً في العالم وهي أزمة الروهينجا.
فبعد مرور ثمانية أعوام على فرار أكثر من 740 ألف روهنجي من عمليات “التطهير” الوحشية التي نفذها جيش ميانمار، لا تزال مخيمات اللاجئين في بنغلادش مكتظة وتعاني من نقص حاد في الموارد، وتزداد عرضتها للعنف والأمراض واليأس، ولا يُنظر إلى هذا المؤتمر كمجرد مناسبة دبلوماسية، بل كمحطة مفصلية لا بد أن تؤدي إلى تحرك حقيقي، وتحقيق العدالة، وإيجاد حل دائم.
يأتي هذا المؤتمر نتيجة جهد دبلوماسي متواصل، خاصة من حكومة بنغلادش المؤقتة بقيادة الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس، فقد أظهرت فشل الاتفاقات السابقة، مثل اتفاق 2018 الثلاثي بين الأمم المتحدة وميانمار وبنغلادش، الحاجة إلى نهج جديد، إذ رفض اللاجئون العودة إلى بلد يُنكر عليهم الجنسية، وينتهك حقوقهم، ولا يضمن لهم الأمن.
وفي أواخر 2024، تبنت الأمم المتحدة قراراً يدعو إلى عقد قمة رفيعة المستوى لوضع خطة “شاملة ومبتكرة وملموسة ومحددة زمنياً” لإعادة الروهينجا طوعاً وبكرامة، ويُتوقع أن يكون مؤتمر سبتمبر هو هذا المنبر المنشود، بدعم من مبعوثين أمميين، من بينهم جولي بيشوب.
الوضع الحالي لا يمكن تحمله، إذ تستضيف مخيمات “كوكس بازار” و”بهاسان تشار” أكثر من 1.5 مليون لاجئ روهنجي، وقد تراجعت المساعدات الإنسانية بشكل حاد، حيث حذّر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً من سوء تغذية حاد نتيجة خفض الحصص الغذائية بسبب نقص التمويل.
كما تدهورت الأوضاع الأمنية مع تصاعد أنشطة جماعات مسلحة مثل “جيش إنقاذ الروهينجا” وتزايد التوترات المجتمعية، وخدمات التعليم والصحة النفسية في طريقها إلى الانهيار، فيما ينشأ جيل كامل من أطفال الروهينجا دون تعليم رسمي أو وضع قانوني أو أمل في المستقبل.
ويُتوقع أن يكون هذا المؤتمر مختلفاً، إذ توجد مؤشرات قوية على أن أصوات الروهينجا ستكون في صلب النقاش لأول مرة، وهو أمر طال انتظاره، فقد كانت الجهود الدولية في السابق تتحدث عن الروهينجا لا معهم، المشاركة أمر جوهري، وأي خارطة طريق توضع دون إشراكهم محكوم عليها بالفشل، وتبدو الأمم المتحدة ملتزمة هذه المرة بضمان دور فعّال لقادة وممثلي المجتمع المدني الروهنجي في صياغة النتائج.
كذلك من المرتقب أن يركز المؤتمر على التزامات قابلة للتنفيذ بدلاً من لغة دبلوماسية فضفاضة، في ظل اعتراف متزايد بأن الوعود المجردة لم تعد مقبولة، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن معايير ملموسة لإصلاح قوانين الجنسية في ميانمار، وجداول زمنية لإعادة اللاجئين بإشراف دولي، وآليات لضمان الرقابة والمساءلة الدولية.
العدالة ستكون عنصراً محورياً. فجرائم الجيش الميانماري ضد الروهينجا موثقة، ووُصفت بالإبادة الجماعية من قبل عدة جهات مستقلة، ولا يمكن إحلال سلام دائم من دون مسار واضح للمحاسبة القانونية، سواء عبر المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم الولاية القضائية العالمية أو محكمة خاصة.
وسيُطرح أيضاً مستقبل المساعدات الإنسانية للنقاش بجدية، فالنموذج القائم على الإغاثة الطارئة لم يعد كافياً، ويتوجب على الأمم المتحدة والجهات المانحة التحول نحو إطار تنموي يبني القدرة على الصمود، ويقدم التدريب المهني، ويدمج خدمات الصحة النفسية، ويجب تجميع التمويل طويل الأمد في صندوق ائتماني خاص بالأمم المتحدة لدعم استقرار المخيمات ومساعدة المجتمعات المضيفة في بنغلادش التي تحملت عبئاً هائلاً لما يقارب العقد.
بالنسبة لبنغلادش، يمثل المؤتمر فرصة وتحدياً استراتيجياً في آن واحد، فعلى الحكومة أن تستغل المنصة لتأمين التزامات دولية ملزمة سياسياً ومالياً ولكن عليها أيضاً اتخاذ خطوات داخلية صعبة لتعظيم أثر المؤتمر، بدءاً بتحسين سيادة القانون داخل المخيمات.
تصاعد العنف والجريمة والابتزاز جعل بعض المناطق غير آمنة. ويجب أن يكون الرد الأمني حازماً، لكنه قانوني، مع وجود آليات للمساءلة. ويجب تأسيس مراكز شرطة مجتمعية ومراكز للمساعدة القانونية، كما ينبغي للحكومة السماح بمشاركة أكبر للروهينجا في إدارة المخيمات وصنع القرار، بما في ذلك تمثيل النساء والشباب.
وينبغي على بنغلادش العمل مع الأمم المتحدة لإعادة صياغة وجود الروهينجا ليس كعبء فقط، بل كقضية يمكن معالجتها عبر الدبلوماسية الذكية والاستثمار الموجّه، ويمكن أن يؤدي إدماجهم اقتصادياً بشكل غير رسمي عبر السماح لهم بمهن مراقبة ومُنظّمة إلى تقليل اعتمادهم على المساعدات وتخفيف التوتر مع المجتمعات المضيفة.
كما ينبغي الدفع باتجاه توسيع برامج إعادة التوطين في دول ثالثة، خاصة للفئات الضعيفة مثل النساء والأيتام وكبار السن، ويتوجب على الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا تحمل مسؤولياتهم في هذا الجانب.
في نهاية المطاف، يكمن الحل في ربط خطط الإعادة بإصلاحات حقيقية في ميانمار، فسيطرة جيش أراكان المتزايدة على ولاية أراكان، وإشاراته الأخيرة إلى الاستعداد للتعامل مع قضية الروهينجا، تفتح نافذة جديدة، وعلى الأمم المتحدة دعم إجراءات بناء الثقة مثل نشر قوات حفظ سلام وبعثات رقابة إقليمية، ويجب إشراك رابطة دول جنوب شرق آسيا، والهند، والصين في هذا الجهد، كما ينبغي الضغط على ميانمار لإلغاء القوانين التمييزية واستعادة المواطنة الكاملة للروهينجا.
إن مؤتمر الأمم المتحدة المرتقب يجب أن يقدم أكثر من مجرد كلمات، يجب أن يكون بداية لحقبة جديدة من السياسات والتحركات، قائمة على العدالة والمساءلة والتمثيل الكامل للروهينجا، وإذا تم التعامل معه بشكل صحيح، يمكن أن يكون نموذجاً لمعالجة الأزمات الإنسانية طويلة الأمد، أما إذا فشل، فإن جيلاً جديداً من الروهينجا سيُحكم عليه بالحرمان من الجنسية والتهميش واليأس، المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى.