في 25 أغسطس 2025، مرّت ثماني سنوات على الحملة العسكرية الوحشية التي شنّها جيش ميانمار ضد مسلمي الروهينجا في ولاية أراكان، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من مليون شخص، هذه الجرائم التي وصفها المجتمع الدولي بالإبادة الجماعية ما زالت مستمرة حتى اليوم، فيما يظل مستقبل الروهينجا غامضاً.
قالت فيكي هارتزلر، رئيسة لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية (USCIRF)، في فبراير 2025: “نتذكر اليوم الأرواح التي دمّرها الجيش البورمي بسبب الدين، لا يمكننا تجاهل هذه الجرائم ضد الإنسانية، نطالب بالعدالة والمساءلة”، تصريحاتها سلطت الضوء على أزمة اللاجئين المستمرة، إذ يعيش الروهينجا في ملاجئ مكتظة ببنغلادش، يفتقرون للمياه النظيفة والرعاية الصحية، ويواجهون مخاطر الاستغلال والاتجار وغياب الحقوق الأساسية.
مؤتمر دولي استمر ثلاثة أيام عُقد مؤخراً في كوكس بازار بعنوان “حوار أصحاب المصلحة بشأن وضع الروهينجا”، ركز على تراجع التمويل واستمرار اضطهاد ميانمار المنهجي، خاصة عبر قوانين تمييزية مثل قانون الجنسية لعام 1982، المشاركون أشاروا إلى انتهاكات مستمرة في أراكان تشمل الهجمات العشوائية، والقتل الجماعي، والاغتصاب، والتجنيد القسري من الجيش والميليشيات، كما عبّروا عن قلقهم من الضغوط الكبيرة على بنغلادش والمجتمعات المضيفة والبيئة المحلية.
التوصيات شملت تعزيز أصوات الروهينجا، ضمان عودة طوعية وآمنة، استمرار المساعدات الإنسانية من خلال التزام المانحين، وتفكيك مخيمات النزوح الداخلي في سيتوي وشمال أراكان، ودعم آليات العدالة الدولية مثل محكمة العدل الدولية (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC).
في الذكرى الثامنة، أكدت منظمة التعاون الإسلامي دعمها الراسخ للروهينجا، وجدّدت التزامها بمحاسبة مرتكبي الجرائم، كما أشادت بجهود بنغلادش والدول الأعضاء في استضافة اللاجئين، ودعت المجتمع الدولي لمواصلة الدعم وضمان العودة الطوعية والمستدامة.
لكن الأزمة الإنسانية تتفاقم، فقد حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن المساعدات الغذائية لمليون و200 ألف لاجئ في بنغلادش ستتوقف بعد 30 نوفمبر 2025 إذا لم يتم تأمين تمويل عاجل بقيمة 173 مليون دولار، وقال مدير البرنامج في بنغلادش دومينيكو سكالبيللي: “إذا خُفضت الحصص من 12 إلى 6 دولارات للشخص شهرياً، سترتفع معدلات سوء التغذية وسيموت الأطفال”، ودعا المانحين التقليديين ودول الخليج وآسيان إلى التدخل العاجل.
من جهته، حذّر الزعيم المؤقت لبنغلادش، محمد يونس، من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن استضافة 1.5 مليون لاجئ، بينهم أكثر من 150 ألف وصلوا منذ مطلع 2024، ودعا المجتمع الدولي لوضع خارطة طريق للعودة الطوعية، منتقداً تقاعس المجتمع الدولي بعد ثماني سنوات من التهجير الجماعي، كما طالب بوقف العنف في ميانمار، وإطلاق حوار بين المجموعات العرقية، وتعزيز دور آسيان والقوى الإقليمية لإعادة الاستقرار، وأكد أن العدالة الدولية أساسية لإنهاء الإبادة وضمان العودة الآمنة.
منذ أغسطس 2017، فرّ نحو 800 ألف من الروهينجا إلى بنغلادش، فيما تجاوز العدد الإجمالي للاجئين الآن 1.2 مليون، وقد خلص مؤتمر كوكس بازار إلى سبع توصيات أساسية هي حق العودة بإعادة عاجلة وآمنة وطوعية للروهينجا إلى أراكان، واستمرار الدعم وسد الفجوات التمويلية وضمان المساعدات طويلة الأجل، وإنهاء العنف ووقف الهجمات وضمان أمن الروهينجا، والحوار الشامل لخفض التوترات وتحقيق المصالحة، والدور الإقليمي والدولي وتعزيز الاستقرار ومكافحة الجرائم العابرة للحدود، ورفض التطهير العرقي والتصدي الحازم لجرائم ميانمار، والمساءلة بتقوية آليات العدالة الدولية.
المؤتمر شدّد على أن احتمالات العودة السريعة للروهينجا لا تزال ضعيفة، لكنه دعا الصين للعب دور قيادي نظراً لعلاقاتها الوثيقة بميانمار ونفوذها في المنطقة، وقال البروفيسور إشراف حسين، من مركز أبحاث العالم الإسلامي في كوالالمبور: “الصين لديها القدرة والعلاقات لقيادة جهد منسق بدعم دولي لإيجاد حل واقعي”.
من جانبه، أكّد رؤوف مازو، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، أن المساعدات وحدها لا تكفي، وأن العودة الطوعية والآمنة هي الحل الأفضل، مشدداً على أن الوضع إذا تُرك من دون حل قد يتحول إلى أزمة إقليمية واسعة.
كما أصدرت سفارات 11 دولة غربية بياناً مشتركاً في دكا، أكدت فيه أن الروهينجا يريدون العودة إلى منازلهم، وأن ذلك يتطلب معالجة جذور النزوح وبناء ميانمار سلمية ومستقرة، البيان أدان العنف والانتهاكات المستمرة، ودعا لوقفها فوراً والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود، متعهداً بدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة في بنغلادش، والاستمرار بالضغط على ميانمار في المحافل الدولية، ومنها المؤتمر رفيع المستوى حول أزمة الروهينجا في سبتمبر 2025.
(الكاتب: محمد زامير، سفير سابق، ومحلل متخصص في الشؤون الخارجية، كتب المقال في موقع “The Financial Express” وترجمته وكالة أنباء أراكان)