لا يجب تجاهل جرائم التعذيب في ميانمار

فرار الروهينجا بعدما أجلاهم جيش أراكان قسراً من بعض قرى "بوثيدونغ" في فبراير 2025 (صورة: وسائل التواصل الاجتماعي)
فرار الروهينجا بعدما أجلاهم جيش أراكان قسراً من بعض قرى "بوثيدونغ" في فبراير 2025 (صورة: وسائل التواصل الاجتماعي)
شارك

أصدر محققو الأمم المتحدة أحدث تقاريرهم بشأن ميانمار، وُصف بأنه من أكثر التقارير ترويعاً حتى الآن، حيث وثّق الاستخدام المنهجي للتعذيب من قبل قوات أمن مجلس ميانمار العسكري في السجون ومراكز الاستجواب في مختلف أنحاء البلاد، وما يثير الفزع بشكل خاص هو أن الأطفال كانوا من بين الضحايا، إذ تعرّض بعضهم للصعق بالكهرباء والعنف الجنسي، فيما اعتُقل آخرون بدلاً من آبائهم وتعرضوا للتعذيب لانتزاع المعلومات أو لترهيب المجتمعات المحلية بأكملها.

لا يتعلق الأمر بمجرد قصة أخرى عن نظام قمعي، بل بجرائم جسيمة تنتهك القانون الدولي، وتصل في بعض الحالات إلى جرائم ضد الإنسانية، ورغم أن التعذيب طالما ارتبط بالأنظمة الاستبدادية، فإن ما يحدث في ميانمار أصبح واسع الانتشار، منظماً، ومعلناً، ويهدف إلى إرهاب السكان وإخضاعهم في وقت يفقد فيه المجلس العسكري السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد أمام المقاومة المسلحة.

جمع المحققون شهادات من ناجين ومنشقين، تضمنت ممارسات مثل الصعق الكهربائي للأعضاء التناسلية، والحرق بالحديد الساخن، واقتلاع الأظافر، والضرب المبرح لفترات طويلة، وروى الضحايا إجبارهم على الركوع لساعات على أجسام حادة أو خنقهم بأكياس بلاستيكية حتى كادوا يختنقون، وأكدت الشهادات أن النساء والفتيات يتعرضن للاعتداء الجنسي في أماكن الاحتجاز كوسيلة للإذلال والإكراه.

وكان الأطفال من أكثر الضحايا صدمة، إذ اعتُقل بعضهم بدلاً من آبائهم المطلوبين لنشاط سياسي، فيما جرى توقيف آخرين خلال اعتقالات جماعية بعد الاحتجاجات، وستبقى الندوب النفسية التي لحقت بهؤلاء الصغار حتى بعد انتهاء الصراع.

خلص محققو الأمم المتحدة إلى أن هذه الجرائم ليست أفعالاً فردية من جنود متمردين، بل سياسة ممنهجة صيغت على أعلى المستويات في أجهزة أمن المجلس العسكري، وهو ما يجعلها جريمة بموجب القانون الدولي.

السؤال الأصعب: ماذا يمكن أن يُفعل؟
لقد واجه جنرالات ميانمار إدانات دولية من قبل، خصوصاً بعد حملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الروهينجا المسلمين عام 2017، التي دفعت مئات الآلاف للنزوح إلى بنغلادش حيث ما زالوا يعيشون في مخيمات اللاجئين، ومع ذلك لم يُحاسب أي جنرال رفيع حتى اليوم، وعلى الرغم من القضايا المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، فإن العدالة تسير ببطء فيما يستمر الضحايا في المعاناة.

هذا الإفلات من العقاب شجع المجلس العسكري، إذ يدرك أن المجتمع الدولي يملك أدوات محدودة وإرادة سياسية أضعف لمحاسبته، تُصدر بيانات القلق وتُفرض عقوبات متفرقة، لكن لم يظهر بعد أي تحرك دولي منسق لمساءلة قادة الجيش.

ما يجب أن يحدث واضح، استخدام التقرير الأممي كأساس لتحرك جديد في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، وحتى إن عرقلت الصين أو روسيا قرارات ملزمة، ينبغي إحالة الأدلة مباشرة إلى المحاكم الدولية، وفرض عقوبات موجهة لا تقتصر على القادة العسكريين، بل تشمل شبكات الشركات والوسطاء الممولين للسلطة، وكسر صمت دول رابطة آسيان، والضغط من أجل وصول المساعدات الإنسانية ومحاسبة الجناة، وتمكين المجتمع المدني والمغتربين لتوثيق الجرائم والمطالبة بالعدالة وإبقاء القضية حاضرة إعلامياً وحقوقياً.

القضية تتجاوز حدود ميانمار، فالتسامح مع التعذيب الممنهج للأطفال ولعموم المعتقلين يقوّض النظام الدولي بأسره، وصمود الشعب الميانماري في مواجهة المجازر والتعذيب يستحق أكثر من التعاطف، بل يفرض تحركاً دولياً عاجلاً.

لقد وفّر التقرير الجديد الأدلة، ويبقى السؤال: هل يملك المجتمع الدولي الإرادة للتحرك؟ إن الصمت ليس سوى شكل من أشكال التواطؤ. مراكز التعذيب في ميانمار لم تعد خفية، فهي مفتوحة أمام أعين العالم. والسؤال الوحيد: هل يختار العالم أن يغض الطرف؟.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.