لاجئو الروهينجا في بنغلادش تحت رحمة تغير المناخ

مآوي للروهينجا مقامة على التلال المجرفة في منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Daily Satr)
مآوي للروهينجا مقامة على التلال المجرفة في منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Daily Satr)
شارك

يواجه الروهينجا، وهم أقلية مسلمة مضطهدة من ميانمار، أزمة متصاعدة في مخيمات اللجوء المكدسة في بنغلادش، حيث يعيش أكثر من مليون روهنجي فروا من الإبادة الجماعية والعنف بولاية أراكان في 2017 بحثاً عن ملجأ في مخيمات “كوكس بازار”، ويعيش هؤلاء في مآوي مؤقتة مترامية الأطراف تعد من بين الأكثر كثافة سكانية على وجه الأرض، كما أنها معرضة بشكل متزايد لتغير المناخ.

تهدد الأعاصير والفيضانات والزلازل المنطقة، بينما يقلص ارتفاع منسوب مياه البحر مساحة بنغلادش، ودون استثمار دولي عاجل غي مجالات الاستعداد للكوارث والبنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر، ودون إعادة ناجحة للاجئي الروهينجا إلى وطنهم، فإن الروهينجا سيكونون بين أول ضحايا التغير المناخي وأكثرهم تضرراً.

تعد بنغلادش من بين أكثر دول العالم كثافة في السكان، كما أنها على الخط الأول لتغير المناخ إذ تجعلها جغرافيتها المنخفضة أكثر عرضة للكوارث المناخية، وقد تزايد عدد وحدة الأعاصير خلال السنوات الماضية، مثل إعصار “أمفان عام 2020 وإعصار “مورا” عام 2017، ما تسبب في دمار واسع في “كوكس بازار”.

وتمثل الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية وارتفاع مستوى سطح البحر خطراً مستمراً، فقد تسببت الأمطار الموسمية في 2024 في نزوح الآلاف من سكان المخيمات بينما لم تستطع المآوي المهترئة مقاومة مياه الأمطار الغزيرة، ويضاف لتلك المخاطر وقوع المنطقة بالقرب من خطوط الصدع التكتونية ووقوع الزلازل الأخيرة في خليج البنغال ما ينذر بتزايد المخاطر الزلزالية، وبالنسبة للروهينجا الذين يعيشون في ملاجئ من الخيزران والقماش المشمع على سفوح التلال شديدة الانحدار فتشكل هذه المخاطر تهديداً لحياتهم.

إن المخيمات التي تضم أكثر من 1.2 مليون شخص تعد كارثة إنسانية مستعدة للتفاقم، فالمآوي المصممة كملاجئ مؤقتة تفتقر للبنى التحتية اللازمة لتحمل الطقس القاسي، كما أن الطرق الموحلة الضيقة ستصبح غير قابلة للاستخدام حال وقوع فيضانات، وأنظمة الصرف الرديئة ستفاقم مشكلة تشبع المياه وانتشار الأمراض في المخيمات المكدسة، وقد أدت الانزلاقات الأرضية الناجمة عن الأمطار الغزيرة لمصرع عدد من الأشخاص، وفي عام ٢٠٢٣ دمر حريق فاقمه الجفاف والرياح أجزاءاً من مخيم “كوتوبالونغ” ما أدى إلى نزوح الآلاف، وتكشف هذه الكوارث هشاشة المخيمات، حيث يمكن حتى للظواهر المناخية المعتدلة أن تسبب أضراراً جسيمة.

ويفاقم ارتفاع منسوب البحر من الأزمة، فتخسر بنغلادش 1% تقريباً من مساحتها سنوياً بسبب التعرية والفيضانات، فيما تعد المناطق الساحلية مثل “كوكس بازار” من بين المناطق المعرضة للخطر، ويقول الخبراء إنه بحلول عام 2050 ستغمر 17% تقريباً من مساحة بنغلادش بالمياه ما سيؤدي لنزوح الملايين وبينهم الروهينجا، وبالنسبة إلى مجتمع مقيد بالفعل داخل مساحة متناقصة ومعرضة للفيضانات، يمثل هذا حكماً بالإعدام إلا إذا تم اتخاذ إجراءات جذرية.

وتظل إعادة الروهينجا هي الحل الأفضل على المدى الطويل لكن التوقعات تظل قاتمة، فجيش ميانمار المسؤول عن فرار الروهينجا لا يظهر أي استعدادلضمان عودة آمنة له، كما أن عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب انقلابه على السلطة عام 2021 أسهم في خفوت الآمال، وقد حدثت محاولتان فاشلتان لعودة الروهينجا في 2018 و2019 قاطعها الروهينجا بسبب مخاوف من استمرار الاضطهاد ما يوضح التحديات أمام العودة، ودون خيار قابل للتطبيق لتنفيذ العودة فسيظل الروهينجا عالقون في المخيمات غير المجهزة لمواجهة حقائق تغير المناخ للقرن الواحد والعشرين.

ورغم سخاء بنغلادش باستضافة الروهينجا فإنها لا يمكنها مواجهة تلك الأزمة وحدها، وتواجه البلاد تحدياتها الخاصة للتأقلم مع تغير المناخ حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2800 دولار فقط ويبلغ عدد السكان 170 مليون شخص، فالموارد شحيحة، وقد استثمرت الحكومة في بعض التحسينات بالمخيمات مثل قنوات الصرف الخرسانية وملاجئ الأعاصير إلا أن ذلك ليس كافياً بالنظر إلى حجم التهديد واستمرار أعداد الروهينجا في التزايد حيث يولد 30 ألف طفل سنوياً، وبحلول عام 2030 قد يكون في المخيمات 1.5 مليون شخص، ما يؤكد الحاجة العاجلة إلى بنية تحتية قوية.

ولطالما كان الدعم الدولي غير كافي، ففي عام 2024 تم تمويل 37% فقط من خطة الأمم المتحدة المشتركة للاستجابة للروهينجا، ما ترك فجوات حرجة في الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، ويتلقى الاستعداد للكوارث اهتماماً أقل، وأنظمة الإنذار المبكر التي يمكن أن تنقذ الأرواح بتنبيه السكان للأعاصير أو الفيضانات الوشيكة بدائية، كما يفتقر العديد من الروهينجا إلى شبكات الهاتف المحمول أو أجهزة الراديو، بينما تعيق الحواجز اللغوية التواصل، وتتطلب تحسينات البنية التحتية مثل بناء ملاجئ مرتفعة، وتدعيم الطرق، وإعادة التشجير لمنع الانهيارات الأرضية مليارات الدولارات، وهو ما يفوق قدرة بنغلادش بكثير.

يجب على المجتمع الدولي التصرف بسرعة، أولاً يجب إعطاء الأولوية لتمويل البنى التحتية المقاومة لتغيرات المناخ، وتوفي رمآوي مطورة ومقاومة للرياح والفيضانات كما أن تحسين نظم الصرف يمكنه تخفيف تفشي الأمراض وإعادة التشجير يمكنها تثبيت سفوح التلال في مواجهة الانزلاقات الأرضية.

ثانياً، يجب توسيع عمل أنظمة الإنذار المبكر، كما تحسن أجهزة الراديو التي تعمل بالطاقة الشمسية والإنذارات باللغات المختلفة والتدريبات المجتمعية لمواجهة الكوارث من تجاوب الروهينجا مع التحذيرات.

ثالثاً، يمكن أن تقلل حلول الطاقة المتجددة مثل شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة، أن تُقلل الاعتماد على الحطب، مما يُقلل من التصحر ومخاطر الحرائق، وهذه التدابير،وإن كانت مكلفة إلا أنها أقل تكلفة بكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن التقاعس.

تتحمل القوى العالمية وخاصةً الدول الغنية ذات الانبعاثات الكربونية العالية مسؤولية أخلاقية، فأزمة المناخ تضر بشكل غير متناسب الفئات السكانية الضعيفة مثل الروهينجا الذين لا يسهمون إلا بشكل ضئيل في الانبعاثات العالمية، ويجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجموعة العشرين الأخرى قيادة جهود التمويل، ليس فقط من خلال المساعدات الإنسانية، بل أيضاً من خلال منح تهدف للتكيف مع المناخ، وينبغي للجهات الفاعلة الإقليمية مثل الهند والصين دعم الجهود الدبلوماسية للضغط على ميانمار من أجل عودة آمنة للروهينجا إلى وطنهم مع الإسهام في تعزيز قدرة المخيمات على الصمود.

تعد أزمة الروهينجا اختباراً حاسماً للتضامن العالمي، فإذا فشل العالم في التحرك ستصبح المخيمات مصائد موت حيث ستزهق الأعاصير والفيضانات والزلازل أعداداً لا تحصى من الأرواح، وسيواجه الروهينجا، الذين هم بالفعل ضحايا إبادة جماعية، ظلماً جديداً كلاجئين بسبب تغير المناخ في أرض ليست أرضهم.

ولكن بتضافر الجهود الدولية التي تجمع بين الدعوة إلى العودة إلى الوطن والاستثمار الضخم في التأهب للكوارث سيمكن التخفيف من معاناتهم، الوقت يمر بسرعة وعلى العالم أن يقرر ما إذا كان سيسمح للروهينجا بأن يصبحوا أول ضحية بارزة لتغير المناخ أو أن يتحرك بالسرعة التي يتطلبها الوضع.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.