وقف المساعدات الأمريكية سيعمق أزمة الروهينجا

لاجئ من الروهينجا يسير بمخيم "بالوخالي" للاجئين بمنطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: BenarNews)
لاجئ من الروهينجا يسير بمخيم "بالوخالي" للاجئين بمنطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: BenarNews)
شارك

في عالم تحدد ملامحه الأزمات الإنسانية كانت الولايات المتحدة دوماً منارة أمل لمن يعانون من العنف والنزوح والفقر، إلا أن القرار الأخير للإدارة الأمريكية الجديدة بوقف المساعدات إلى ميانمار وبنغلادش يمثل انحرافاً صارخاً عن هذا الإرث كما أن له عواقب مدمرة لملايين من المستضعفين خاصةً الروهينجا، وهي الأقليلة المضطهدة التي عانت فظائع لا توصف، إن القرار ليس غير قابل للتبرير من الناحية الأخلاقية فحسب بل هو أيضاً قصير النظر استراتيجياً ويقوض قيادة الولايات المتحدة على الساحة الدولية ويفاقم واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً في عصرنا.

إن أقلية الروهينجا المسلمة بولاية أراكان في ميانمار واجهت عقوداً من العنف والتمييز الممنهجين، ففي عام 2017 شن جيش ميانمار حملة تطهير عرقي وحشية قتل خلالها الآلاف وأحرق القرى وأجبر أكثر من 740 ألفاً من الروهينجا على الفرار إلى بنغلادش المجاورة، ووصفت منظمة الأمم المتحدة الحملة بأنها “مثال واضح على التطهير العرقي”، ووثقت منظمات حقوق الإنسان فظائع واسعة النطاق بينها القتل الجماعي والعنف الجنسي والتدمير المتعمد للمجتمعات، وبالنسبة لمن نجوا فقد باتت مخيمات اللاجئين بمنطقة “كوكس بازار” في بنغلادش ملاذاً محفوفاً بالمخاطر، فهي مكتظة وتفتقر إلى الموارد، لكنها رغم ذلك مثلت لهم شريان حياة.

ولعبت المساعدات الأمريكية دوراً هاماً في الأزمة، فعلى مدار سنوات وفر الدعم الأمريكي الماء النظيف والغذاء والرعاية الصحية والمأوى للاجئي الروهينجا، بالإضافة إلى دعم المجتمعات المضيفة في بنغلادش التي استقبلت اللاجئين بترحاب، ولم تنقذ تلك المساعدات الحيوات فحسب بل ساهمت في استقرار منطقة متقلبة ومنعت الأزمة من التفاقم والخروج عن نطاق السيطرة، ولكن عبر وقف هذا التمويل فإن الإدارة الأمريكية تتخلى فعلياً عن الروهينجا في أكثر لحظاتهم ضعفاً وتتركهم يواجهون الجوع والمرض واليأس دون الدعم الذي يحتاجون إليه بشدة.

وسيمتد صدى هذا القرار  إلى أبعد من مخيمات اللاجئين، ففي بنغلادش التي تعاني بالفعل من الفقر والزيادة السكانية سوف يضع هذا القرار المزيد من الضغط على الموارد المحلية للبلاد التي استقبلت أكثر من مليون روهنجي لكنها لا تستطيع أن تستمر في القيام بذلك إلى أجل غير مسمى دون دعم دولي، فدون تمويل ملائم ستسوء الأوضاع المتدهورة بالفعل في المخيمات ما يزيد من فرص انتشار الأمراض وسوء التغذية والاضطرابات المجتمعية، وسوف يؤدي هذا بدوره إلى زعزعة استقرار المنطقة ويخلق بيئة مواتية للتطرف والمزيد من النزوح.

وفي ميانمار، سيقوض قطع المساعدات الأمريكية جهود حل الأسباب الجذرية لأزمة الروهينجا، فبينما أظهرت حكومة ميانمار القليل من العزم على محاسبة الجيش على جرائمه أو منح الروهينجا الجنسية وحقوقهم الأساسية، كانت المساعدة الأمريكية هامة جداً لدعم منظمات المجتمع المدني وتعزيز حقوق الإنسان ورعاية الحوار بين المجتمعات، ولكن عبر سحب هذا الدعم فإن الإدارة الأمريكية تبعث رسالة خطيرة لقادة ميانمار مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بمحاسبتهم على أفعالهم وهو ما قد يشجع الجيش على الاستمرار في حملته القمعية ضد الروهينجا والأقليات العرقية الأخرى ما يؤدي لاستمرار دائرة العنف والنزوح.

إن قرار وقف المساعدات محير نظراً إلى السياق الجيوسياسي الأوسع، فقد سارعت الصين التي تسعى منذ فترة طويلة لتوسيع نفوذها في جنوب شرق آسيا إلى ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة وقدمت الدعم الاقتصادي والعسكري لميانمار، ما يحمي حكومتها من الانتقادات الدولية ويقوض الجهود الرامية إلى محاسبة جيش ميانمار على جرائمه، كما أن وقف المساعدات يعد تراجعاً من الولايات المتحدة أمام الصين ما يضعف موقفها في المنطقة ويقوض قدرتها على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

علاوة على ذلك، فإن قرار قطع المساعدات يخالف القيم التي تدعي أمريكا تمثيلها، فطالما كانت الولايات المتحدة مناصرة لحقوق الإنسان ورائدة في التجاوب مع الأزمات الإنسانية حول العالم، وبقرارها أن تدير ظهرها للروهينجا فإن الإدارة الأمريكية تخون إرثها وتبعث رسالة بأنها لم تعد عازمة على الدفاع عن الفئات الأكثر ضعفاً، ولا يشوه هذا سمعة أمريكا فحسب بل يقوض أيضاً سلطتها الأخلاقية في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في أماكن أخرى.

إن عواقب هذا القرار ستمتد لسنوات مقبلة، ودون الحصول على الدعم الملائم سيستمر الروهينجا في المعاناة داخل مخيمات اللاجئين محرومين من حقوقهم الأساسية وغير قادرين على العودة إلى ديارهم، كما ستتدهور الظروف في المخيمات ما يزيد من مخاطر الأمراض والاضطرابات الاجتماعية، كما ستصبح المنطقة أكثر اضطراباً ما يخلق تحديات جديدة للمجتمع الدولي، وسوف تفقد الولايات المتحدة مكانتها كزعيمة عالمية وتتراجع أمام الأنظمة الاستبدادية وتقوض مصالحها طويلة المدى.

لا يزال هناك وقت للتراجع عن هذا القرار، ويتعين على الولايات المتحدة أن تؤكد من جديد التزامها تجاه الروهينجا ومبادئ حقوق الإنسان والدعم الإنساني وهذا يعني إعادة المساعدات إلى ميانمار وبنغلادش وزيادة الدعم لبرامج اللاجئين والعمل مع المجتمع الدولي لمحاسبة جيش ميانمار على جرائمه، كما يعني هذا أيضاً معالجة الأسباب الجذرية للأزمة بما في ذلك التمييز والعنف المنهجي الذي أجبر الروهينجا على الفرار من ديارهم.

إن أزمة الروهينجا تشكل اختبارً للإنسانية وهي تذكير بأن العالم لا يمكنه تحمل تكلفة التخلي عن المحتاجين مهما بعدت المسافة على الخريطة، وبقطع المساعدات عن ميانمار وبنغلادش تفشل الإدارة الأميركية في اجتياز هذا الاختبار، وهو ما له عواقب مدمرة على ملايين البشر.

*(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم: هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن العاصمة، نشر المقال في موقع “عرب نيوز” وترجمته وكالة أنباء أراكان)

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.