في خطوة تاريخية، أصدرت محكمة أرجنتينية مؤخراً أوامر اعتقال بحق كبار القادة العسكريين في ميانمار بسبب دورهم في إبادة الروهينجا، واستند القرار إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، في تطور يحمل دلالات عميقة، ليس فقط للجيش الميانماري، ولكن أيضاً للجهود الدولية الأوسع في مكافحة الإفلات من العقاب.
وتسمح الولاية القضائية العالمية للمحاكم الوطنية بمحاكمة الجرائم الخطيرة مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية مرتكبيها، ويتماشى لجوء الأرجنتين إلى هذا المبدأ مع قضايا بارزة سابقة، مثل محاولة إسبانيا محاسبة الديكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه، ومحاكمة ألمانيا لمجرمي الحرب السوريين.
وقعت إبادة الروهينجا، التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان ومحققو الأمم المتحدة، عام 2017، وقُتل الآلاف وتعرضت النساء للاغتصاب، وأُجبر أكثر من 700 ألف شخص على الفرار إلى بنغلادش، ورغم الإدانة الدولية، لم يُتخذ سوى القليل من الإجراءات الملموسة ضد القادة العسكريين، بمن فيهم الجنرال مين أونغ هلاينغ، لكن هذه الخطوة الأخيرة من المحكمة الأرجنتينية تفتح مساراً قانونياً جديداً لتحقيق العدالة.
جرى رفع القضية من قبل تون خين، رئيس منظمة الروهينجا البورمية في المملكة المتحدة، وقاد حملة لا تعرف الكلل من أجل العدالة لشعب الروهينجا، رغم التهديدات والعوائق القانونية والمقاومة الجيوسياسية والتحديات الهائلة لجمع الأدلة، لكن بالتعاون مع محامي حقوق الإنسان، نجحت المنظمة في إقناع المحكمة الأرجنتينية بالنظر في القضية، مما يمثل انتصاراً حاسماً لقضية الروهينجا.
لا تزال التداعيات العملية لأوامر الاعتقال غير واضحة، ومن غير المرجح أن تقوم الطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار، بتسليم جنرالاتها، كما أن ميانمار ليست خاضعة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مما يحدّ من سبل الملاحقة القضائية المباشرة، ومع ذلك فإن هذه الأوامر تشكل تهديداً دبلوماسياً وقانونياً كبيراً.
في حال أصدرت الإنتربول “نشرات حمراء” بناءً على طلب الأرجنتين، فإن السفر لهؤلاء القادة العسكريين سيصبح مقيداً بشكل كبير، بالبلدان التي تعترف بالولاية القضائية العالمية ومنها أوروبا، وهذا يشبه حالات سابقة حيث اضطر منتهكو حقوق الإنسان إلى البقاء داخل حدود بلدانهم لتجنب الاعتقال في الخارج.
وقد تؤثر هذه الأوامر على دبلوماسية ميانمار الإقليمية، وربما تواجه رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي كافحت لاتخاذ موقف قوي ضد فظائع الطغمة العسكرية، وربما تعيد الدول المجاورة مثل تايلاند والهند، النظر في مخاطر استضافة الأشخاص المتهمين.
ورغم الأهمية الرمزية لهذه الأوامر، لكن المساءلة الدولية بطيئة خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تنظران في قضايا تتعلق بمعاملة ميانمار للروهينجا، وبينما يزيد قرار المحكمة الأرجنتينية من الضغوط القانونية، فإنه لا يلغي الحاجة إلى تعاون دولي أوسع.
بالنسبة للروهينجا، تمثل أوامر الاعتقال بصيص أمل نادر في ظل واقع قاتم، فلا يزال معظمهم بلا جنسية، ويعيشون في مخيمات مكتظة في بنغلادش، بينما يعاني من بقوا في ميانمار من التمييز والعنف المنهجي، كما أن جهود إعادتهم إلى وطنهم متعثرة بسبب تعنت ميانمار، في حين أن التمويل الدولي للاجئي الروهينجا آخذ في التراجع.
ورغم أن قرار المحكمة الأرجنتينية لن يغير الأوضاع على الأرض، لكنه يعزز المبدأ القائل بأن الإبادة الجماعية لا يمكن أن تمر دون عقاب، وإذا اكتسبت هذه الجهود القانونية زخماً، فقد تمهد الطريق لتجميد الأصول وفرض عقوبات مستهدفة وعزل دبلوماسي لقادة ميانمار العسكريين.
يمثل قرار المحكمة الأرجنتينية نقطة تحول في السعي لتحقيق العدالة للروهينجا، لكن مدى ترجمته إلى عواقب ملموسة لقادة ميانمار العسكريين يعتمد على استعداد المجتمع الدولي للتحرك، لكن الأمر المؤكد هو أن أيام الإفلات من العقاب لمرتكبي الإبادة الجماعية بدأت تقترب من نهايتها، ولو ببطء.
*الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان.