أدى تعزيز جيش أراكان (الانفصالي) سيطرته على طول حدود ميانمار مع بنغلادش إلى إثارة النقاش مجدداً حول مستقبل الروهينجا، فعلى مدى سنوات، واجهت هذه الأقلية المسلمة معدومة الجنسية القمع الممنهج والنزوح والعنف الوحشي، والآن يزعم جيش أراكان، وهو جماعة تنتمي لعرق “راخين” أنه مستعد لتسهيل إعادة الروهينجا إلى ولاية راخين (أراكان)، وبينما يبدو هذا التطور واعداً لكن النظر إليه من كثب يكشف تحديات كبيرة ويثير شكوكاً حقيقية حول ما إذا كان هذا خياراً آمناً أو قابلاً للتطبيق بالنسبة للروهينجا.
ويأتي عرض إعادة الروهينجا من قبل جيش أراكان في ظل تنامي سيطرته في ولاية أراكان حيث يسيطر على 11 بلدة من أصل 18 بلدة بالإضافة إلى كامل الحدود مع بنغلادش، ما يمثل تحولاً في ديناميكات القوة في المنطقة، عبر أخذه محل جيش ميانمار في العديد من المناطق، وقد دعا قائد جيش أراكان “توان مرات ناينغ” الروهينجا علناً للعودة، ومع ذلك فإن الخطاب القومي لجيش أراكان وإعطائه الأولوية لتقرير مصير الراخين يترك العديد من الأسئلة حول التزامه بضمان سلامة وكرامة الروهينجا العائدين بلا إجابة.
إن المشكلة الأكبر في هذا المقترح هي عدم قدرة الجماعة على ضمان سلامة الروهينجا، إذ لا يزال جيش ميانمار يتمتع بحضور هائل في ولاية “أراكان” ويستمر في ممارسة نفوذ كبير في أجزاء أخرى من ميانمار، ورغم تحقيق جيش أراكان مكاسب إقليمية فإنه يفتقر إلى الموارد والاعتراف الدولي لحماية الروهينجا.
تاريخياً، تعرض الروهينجا لموجات من العنف والإبادة، بما في ذلك الحملة العسكرية الوحشية في عام 2017 والتي دفعت أكثر من 700 ألف شخص للفرار نحو بنغلادش، وفي غياب آلية موثوقة لضمان أمنهم، فإن أي جهد لإعادتهم إلى وطنهم يهدد بتعريض الروهينجا للعنف مجدداً.
وعلاوة على ذلك، فإن جيش أراكان نفسه لديه سجل متضارب في تعاملاته مع الروهينجا، فبينما أعرب أحياناً عن استعداده للتعايش معهم ظهرت تقارير عن انتهاكات من جانب قواته ضد المدنيين الروهينجا على مر السنين، وتظل قضية الثقة تشكل حاجزاً كبيراً، ولكي يفكر الروهينجا في العودة فإنهم لا يحتاجون مجرد تأكيدات لفظية، بل ضمانات قانونية لسلامتهم وحرية حركتهم وحصولهم على الحقوق الأساسية، وهي أشياء جيش أراكان غير مستعد لتوفيرها حالياً.
وتتطلع بنغلادش التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا في مخيمات مكتظة في منطقة “كوكس بازار” لعودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، ومع ذلك فشلت المحاولات السابقة لتسهيل عودتهم بسبب الافتقار إلى ضمانات السلامة والكرامة من جانب ميانمار، ولكن مع سيطرة جيش أراكان الآن على الحدود قد تشعر دكا بضغوط تدفعها للتعامل معه، ولكن ينطوي هذا النهج على مخاطر لأنه قد يضفي الشرعية على جيش أراكان دون معالجة الأسباب الجذرية لمحنة الروهينجا.
وفي الوقت نفسه، تغلق الدول الإقليمية أبوابها أمام الروهينجا، ففي الأسبوع الماضي أعادت ماليزيا، التي كانت تعد لفترة طويلة ملاذاً آمناً، قاربين يحملان 300 لاجئ من الروهينجا معللةً ذلك بمخاوف متعلقة بالأمن القومي، كما شددت تايلاند وإندونيسيا إجراءاتهما الحدودية، ما قلص منافذ الهروب أمام الروهينجا، ويؤدي فشل المجتمع الدولي في الاستجابة بشكل منسق وإنساني إلى تفاقم معاناة الروهينجا ويضعهم أمام قرار صعب بين اختيار البقاء في مخيمات اللاجئين البائسة أو العودة إلى وطن لا يمكنه ضمان سلامتهم.
ولكي تكون عودة الروهينجا خياراً قابلاً للتطبيق فلابد من استيفاء عدة شروط، أولاً لابد من وجود آلية مراقبة دولية قوية لضمان سلامة وحقوق الروهينجا عند عودتهم، ويتطلب هذا تعاوناً من جانب جيش أراكان وحكومة الوحدة الوطنية في ميانمار والمجتمع الدولي، إن السيطرة أحادية الجانب لجيش أراكان على الحدود غير كافية لخلق بيئة آمنة لعودة الروهينجا دون تطبيق تغييرات نظامية أوسع نطاقاً.
ثانياً، يجب منح الروهينجا حقوقهم وحقوق المواطنة الكاملة في ميانمار، ولكن لا يزال قانون الجنسية لعام 1982 الذي جردهم من الجنسية عائقاً كبيراً أمام إعادة دمجهم، وبدون الاعتراف القانوني بهم سيستمر التمييز والإقصاء بحق الروهينجا ما يجعل عودتهم غير مستدامة على الأمد البعيد.
ثالثاً، يتعين على المجتمع الدولي أن يكثف جهوده لمحاسبة مرتكبي العنف ضد الروهينجا، ويشمل ذلك مقاضاة قادة جيش ميانمار عن دورهم في الإبادة الجماعية التي وقعت عام 2017 والضغط على ميانمار لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وتعد المساءلة أمراً بالغ الأهمية، ليس فقط لتحقيق العدالة بل من أجل إعادة بناء الثقة وضمان ألا يعيد التاريخ نفسه.
ورغم أن سيطرة جيش أراكان على الحدود بين بنغلادش وميانمار ودعوته الروهينجا للعودة قد تبدو خطوة للأمام، إلا إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون حلاً بسبب الافتقار إلى ضمانات السلامة ومحدودية قدرته على معالجة القضايا الكامنة خلف أزمة الروهينجا، ما يجعل من إعادة الروهينجا إلى وطنهم اقتراحاً محفوفاً بالمخاطر إلى حد كبير.
يستحق الروهينجا أكثر من الوعود الفارغة والبادرات الرمزية فهم يحتاجون إلى إجراءات ملموسة تضمن سلامتهم وكرامتهم وحقوقهم.
ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يتخلى عن مسؤوليته في حماية واحدة من أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، ويتعين على البلدان الإقليمية أيضاً أن تبذل المزيد من الجهود لتوفير ملاذ آمن والدفع نحو التوصل إلى حل مستدام، وإلى أن تتحقق هذه الشروط سيظل وضع الروهينجا يكتنفه الغموض، وسيظلون عالقين بين وطن لا يوفر لهم أي قدر من الأمان وعالم غير راغب بشكل متزايد في توفير الحماية لهم، وهذه أزمة إنسانية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وجماعية.