في مفارقة جيوسياسية لافتة، قد لا يكون الطريق الأكثر واقعية لعودة واحدة من أكثر المجتمعات المسلمة اضطهاداً في العالم الروهينجا عبر حكومة ميانمار أو المؤسسات الدولية، بل من خلال فاعل غير متوقع: جيش أراكان.
لطالما نظر الروهينجا بعين الريبة إلى جيش أراكان، فيما تجاهله المجتمع الدولي بدرجة كبيرة، لكن خلال العامين الماضيين، برز جيش أراكان كقوة مهيمنة في ولاية أراكان، مع تراجع النظام العسكري في ميانمار بسرعة، وصعوبة الحكومة الوطنية المؤقتة في فرض سيطرتها الإقليمية، اليوم يدير جيش أراكان 11 من أصل 18 بلدة في الولاية، وهو فعلياً السلطة التي تقرر من يحق له العيش أو العودة إلى غرب ميانمار.
هذا الواقع الجديد لا يجب الاستهانة به، على مدى سنوات اعتمد الرد الدولي على أزمة الروهينجا على إعادة التوطين من خلال التفاوض مع جيش ميانمار أو ممارسة الضغط على رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والأمم المتحدة، لكن هذه الجهود فشلت تماماً، إذ لم تُسفر جولتا إعادة التوطين منذ 2017 إحداهما برعاية الأمم المتحدة والأخرى بقيادة الصين عن أي عودة.
اللاجئون في بنغلادش أصيبوا بخيبة أمل، والمساعدات تتناقص، والتطرف بدأ ينمو في المخيمات، وكما حذر رئيس الوزراء البنغلادشي المؤقت محمد يونس، الأسبوع الماضي في معهد تشاتام هاوس “الانفجار وشيك” ما لم يُتخذ إجراء عاجل.
إن هذه الحاجة الماسة تتطلب مقاربة جديدة، جيش أراكان ليس شريكاً مثالياً، فقد رفض في أوقات سابقة مصطلح “روهينجا”، وكانت علاقته التاريخية مع المجتمعات المسلمة في الولاية متوترة، لكن السلطة تغيّر السلوك، وتصريحات قادة الجيش بمن فيهم القائد الأعلى “توان مْرات ناينغ” تظهر تحولاً لافتاً في الخطاب.
فقد أبدى الجيش انفتاحاً لفكرة التعايش السلمي وسيادة القانون، وحتى إعادة اللاجئين بشكل تدريجي، بشرط توافر ظروف معينة، أي أن الحركة المسلحة بدأت تتحول إلى كيان شبيه بالدولة مستعد للحديث عن الحكم والإدارة، هذا التحول يفتح نافذة ضيقة ولكن واقعية للتواصل، ويجب على العالم الإسلامي ألا يدعها تُغلق.
لطالما عبّرت الدول العربية والإسلامية، خصوصاً الخليجية وضمن منظمة التعاون الإسلامي، عن تضامنها مع الروهينجا، لكن التضامن بدون استراتيجية غير كافٍ، حان الوقت لتطوير سياسة تتماشى مع الواقع الجديد، تشمل فتح قنوات تواصل خلف الكواليس مع قيادة جيش أراكان، واستكشاف سبل الدعم السياسي والمالي والتنموي التي يمكن أن تدفعهم باتجاه تبني إعادة التوطين.
بنغلادش لا تستطيع وحدها، فهي تواجه ضغوطاً داخلية هائلة لاستضافتها ما يقارب مليون لاجئ، ويُعد رئيس وزرائها المؤقت، من القلائل في المنطقة الذين يتحدثون بصراحة عن خطر التطرف في المخيمات المهملة، ولكن من دون دعم إقليمي وإسلامي، تفتقر دكا إلى النفوذ والموارد لعقد صفقة منفردة مع جيش أراكان.
بدلاً من متابعة مفاوضات غير واقعية مع مجلس ميانمار العسكري أو انتظار تسوية سياسية بعيدة المنال من الحكومة الوطنية، يجب على منظمة التعاون الإسلامي، التعاون مع الحكومة البنغلادشية وجهات دولية موثوقة لوضع خارطة طريق واقعية لإعادة التوطين التدريجية.
قد تشمل هذه الخطة، ضمانات أمنية من جيش أراكان للعائدين، برامج تجريبية للعودة بإشراف طرف ثالث، دعماً تنموياً لكل من المجتمعات الراخينية والمسلمة للحد من التوترات الاقتصادية والطائفية، ومسارات قانونية للحصول على الاعتراف والحقوق للروهينجا وفق القوانين المحلية.
بالتأكيد، يتطلب ذلك بناء الثقة من جميع الأطراف، فالكثير من الروهينجا ما زالوا يشككون في نوايا جيش أراكان، ولا تزال ذاكرة الانتهاكات والخيانات حاضرة بقوة، لكن عند المفاضلة بين النفي الدائم في مخيمات بائسة، وعودة مشروطة ومدعومة في ظل واقع سياسي جديد، قد يختار كثيرون العودة إذا شعروا بالأمان.
هنا، يمكن للعالم الإسلامي أن يؤدي دوراً محورياً، فدول مثل السعودية والإمارات وتركيا وقطر التي لطالما دعمت القضايا الإسلامية قادرة على تقديم دعم سياسي وموارد عملية لهذه الجهود، كما أن مشاركتها تمنح الروهينجا الشعور بأنهم ليسوا وحدهم، وأن مصيرهم لا يُقرر من قبل مجموعة مسلحة جديدة، بل من خلال عملية تستند إلى المعايير الدولية والمبادئ الإسلامية للعدالة.
لن تكون هذه الطرق سهلة، لا يزال على جيش أراكان أن يبرهن صدق نواياه، ويجب أن تُترجم خطاباته إلى التزامات حقيقية، تتضمن وقف التمييز ودمج أصوات الروهينجا في أي تخطيط سياسي، كما يجب تشجيع الحكومة الوطنية على التعاون مع جيش أراكان بدلاً من التمسك بمثل مجردة تفتقر إلى السيطرة الميدانية.
في نهاية المطاف، أزمة الروهينجا ليست مأساة لميانمار فقط، بل للعالم الإسلامي بأسره، لقد كشفت عن عجزنا الجماعي عن حماية المستضعفين، وعن غياب القيادة الأخلاقية والاستجابة الموحدة، ولكن إن كنا على استعداد لتجاوز دبلوماسية المجاملات والانخراط مع القوى الفعلية على الأرض، فقد نرسم طريقاً جديداً للمستقبل، ربما لا يكون جيش أراكان هو الحليف الذي توقعناه، لكنه قد يكون الحليف الذي نحتاجه إذا امتلكنا الجرأة للتواصل معه.
(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان).