بقلم: أريج الخلف
لقد أصبحت مفاهيم اللاجئ، وأزمة اللاجئين، والهجرة مؤخراً محوراً للنقاش في جميع أنحاء العالم، فقد أدى تسارع الهجرات القسرية وتدفقات اللاجئين، خصوصاً من منطقة الشرق الأوسط، إلى إحداث تغيير ملحوظ وأثر تحويلي في شتى جوانب الحياة، وخاصة على الدول المستضيفة التي واجهت هذه الموجات الضخمة من التحركات القسرية للاجئين.
وبالمعنى العام، يُعتبر اللاجئون مهاجرين قسريين تركوا منازلهم أو دولهم بالقوة حين لم يكن لديهم خيار آخر، ووفقاً لقاعدة بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منتصف عام 2023، “تم تهجير أكثر من 110 ملايين شخص قسرياً حول العالم نتيجة الاضطهاد أو الصراع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان، إننا نشهد الآن أعلى مستويات النزوح المسجلة على الإطلاق” (قاعدة بيانات اللاجئين، 2023).
لقد حدثت أزمات لاجئين كثيرة على مر التاريخ القديم والحديث، وتشترك جميعها في أسباب متشابهة، بعض هذه الأسباب من صنع الإنسان، وترتبط بالاضطرابات السياسية التي خلقت الهجرة القسرية، فالاضطرابات السياسية وغيرها من الصراعات البشرية، مثل النزاعات الثقافية والدينية، أجبرت ملايين الأشخاص حول العالم على مغادرة أماكن إقامتهم، سواء داخل حدود بلدانهم أو خارجها، هرباً من الصراعات المسلحة والعنف والإبادات الجماعية والتطهير العرقي والتمييز الديني وانتهاكات حقوق الإنسان.
ومن الأمثلة الجيدة هنا الروهينجا، وهم أقلية مسلمة في ميانمار، يُنظر إليهم كضحايا للتمييز العرقي والديني، وكما ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: “لقد عانى الروهينجا من عقود من العنف والتمييز والاضطهاد في ميانمار، وبدأ نزوحهم الأكبر في أغسطس 2017 بعد اندلاع موجة ضخمة من العنف في ولاية أراكان، مما أجبر أكثر من 742,000 شخص على اللجوء إلى بنغلاديش” (أزمة لاجئي الروهينجا، 2023).
يُنظر عادةً إلى مسلمي الروهينجا كلاجئين بسبب اضطهادهم وحالتهم كعديمي جنسية، وغالباً ما تصوغ المنظمات الإنسانية أو الوكالات الإعلامية الأجنبية تمثيلهم ضمن سردية تركز على كونهم ضحايا، ومع ذلك، يختلف هذا التمثيل بشكل ملحوظ تبعاً للجمهور، فإعلام الدول المضيفة والجهات الحكومية غالباً ما يصور مسلمي الروهينجا كعبء اقتصادي أو تهديد للأمن القومي، مما يعزز فكرة “الآخرية” من خلال تصويرهم كأشخاص أدنى أو غريبين أو خطيرين.
وقد استغلت المؤسسة العسكرية في ميانمار والأحزاب القومية المتطرفة هذه السرديات والخطابات لتصوير الروهينجا كخطر أمني، لتبرير عقود من الاضطهاد المستمر، كما استخدمت بعض المؤسسات الإعلامية والسياسيين المحليين في دول مستضيفة مثل بنغلادش والهند هذه السرديات لبناء مواقف مناهضة للاجئين، وزيادة التمييز، وتبرير السياسات القمعية ضدهم.
وبنتيجة هذا التمثيل السلبي، فإن خطاب “التهديد للأمن القومي” له تأثير كبير على الحقوق المدنية وسلامة وفرص مسلمي الروهينجا، فهو يمدد من وضعهم في النزوح واللا دولة والتهميش، من خلال تجريدهم من إنسانيتهم، فتصوير الروهينجا كتهديد وطني ينقل وضعهم من ضحايا مهجرين إلى مخاطر أمنية.
وعلاوة على ذلك، يبرر هذا الخطاب كلاً من الوحشية التي ترعاها الحكومة في ميانمار والسياسات والقوانين التقييدية والقمعية في الدول المضيفة، مما يسمح باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان بلا محاسبة، وأخيراً، فإن تصويرهم كتهديد يتيح للسلطات والحكومات تبرير حرمان الروهينجا من حقوق أساسية، بما في ذلك حرية التنقل، والتعليم، وفرص العمل.
في الختام، تدعونا محنة لاجئي الروهينجا إلى التعمق في كارثتهم وكيف يجب أن يُمثَّلوا بصورة موثوقة وأصيلة، إذ لا ينبغي أن يكون التركيز الأساسي على عملية النزوح بحد ذاتها، بل على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يواجهونه، إضافة إلى تمثيلهم في المجال العام كلاجئين.
وخلال العقد الماضي، أصبح واضحاً أن بعض السلطات، وخاصة في الدول المضيفة، تقدم صوراً نمطية عن الروهينجا وتروج لصورة غير صحيحة ومضللة عنهم، ولذلك فإن كسر أي تمثيل سلبي ليس مهمة سهلة، لكنه أمر ضروري، ولتحقيق ذلك يجب أن نواجه الخطاب المتحيز عبر دمج هذه القضية في جميع جوانب الإنتاج الثقافي والإعلامي مثل الأدب والفنون والتعليم، علينا أن نُذكِّر العالم بهذا المجتمع المتألم ونُظهر الحقيقة عنه، فهذا واجبنا كبشر، وليس فقط كباحثين أو مربين.
(الكاتبة: أريج الخلف، مدربة ومُعلمة لغة إنجليزية معتمدة دولياً من جامعة كامبريدج، حاصلة على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي بمعهد الدراسات الاجتماعية جامعة إسطنبول آيدن بتركيا).