بقلم: تاج الإسلام
عندما عاد دونالد ترامب إلى المسرح الآسيوي هذا الأسبوع، ركز الانتباه العالمي في الغالب على تصريحاته التصادمية بشأن الصين، والنزاعات التجارية، وتغير ترتيبات الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن وراء العناوين المثيرة تكمن فرصة هادئة وغير متوقعة إمكانية أن تقوم واشنطن، تحت نهج واقعي جديد في السياسة الخارجية على طريقة ترامب، بإحياء جهود فعلية لمعالجة إحدى أكثر الكوارث الإنسانية تهميشًا في العالم: مستقبل شعب الروهينجا.
على مدار ما يقرب من ثماني سنوات، تذبذب الاهتمام العالمي بأزمة الروهينجا، لا يزال أكثر من 1.2 مليون لاجئ روهنجي محتجزين في مخيمات ضخمة في كوكس بازار وجزيرة بهاسان تشار في بنغلادش، يعيشون في ملاجئ مكتظة ويعتمدون على مساعدات إنسانية تتقلص باستمرار، دون أي أمل واقعي في العودة إلى ديارهم الأصلية في ولاية أراكان بميانمار.
أما من بقي في ميانمار، فيواجه قيوداً صارمة على الحركة والتعليم واستخدام الأراضي والحصول على الرعاية الصحية، ووجود خانق تشكله سياسات أشبه بالفصل العنصري، وقد تلاشى الجمهور العالمي الذي أعرب عن غضبه سابقاً، تاركاً الروهينجا عالقين بين شلل دبلوماسي ولا مبالاة جيوسياسية.
لطالما استجابت الحكومات الغربية للأزمة بصيغة متوقعة: إدانة حكام ميانمار العسكريين، وموجات من العقوبات، وبيانات دبلوماسية تدعو إلى المساءلة، قد تكون هذه الخطوات قد لبّت التوقعات الأخلاقية في الداخل، لكنها لم تغير ديناميكيات السلطة داخل ميانمار.
لا يزال مجلس ميانمار العسكري يسيطر على أراضٍ واسعة، وتسيطر الجماعات المسلحة العرقية القوية مثل ميليشيات أراكان البوذية على مناطق شاسعة من البلاد، بما في ذلك معظم ولاية أراكان، فيما تعمّق الصين بهدوء وجودها على جميع الجوانب، موسعةً الممرات الاقتصادية وتأمين النفوذ الاستراتيجي، في هذا المشهد الممزق، أصبح الروهينجا مجرد متفرجين في صراع يحدد مصيرهم ونادراً ما يشمل أصواتهم.
ومن المفارقات أن عودة ترامب إلى المسرح العالمي قد تهز هذا الجمود الدبلوماسي، فغرائزه في السياسة الخارجية لا تشكلها خطابات حقوق الإنسان أو المواقف الأخلاقية التقليدية، بل نهج صفقاتي يعطي الأولوية للنتائج على الرمزية.
وبينما أثار هذا النهج غالباً انتقادات من محللين غربيين، فقد فتح أحياناً قنوات دبلوماسية لم تحركها عقود من الانخراط التقليدي، وأظهرت استعداده للتفاوض المباشر مع الخصوم مثل طالبان وكيم جونغ أون وغيرهم، قدرة على الانخراط حيث ترددت الإدارات السابقة، وإعطاء الأولوية للمصالح الاستراتيجية على الإطار الأخلاقي المجرد.
تطبيق هذا النهج المتمركز على النتائج على ميانمار قد يكون تحويلياً، لطالما تصرفت الحكومات الغربية كما لو أن ميانمار ما زالت دولة مركزية تحكم بالكامل من نايبيداو، لكن الواقع مختلف تماماً ميانمار اليوم عبارة عن فسيفساء من السلطات المتنافسة، والتحالفات غير المستقرة، والمناطق شبه المستقلة، فقد فَقد المجلس العسكري الحاكم السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد.
ويمارس جيش أراكان حوكمة فعلية على معظم ولاية أراكان، بما في ذلك المناطق التي طُرد منها الروهينجا بعنف في 2017، وتتمتع الحكومة الوطنية المتحدة (NUG)، التي شكلها ممثلون منتخبون سابقون وجماعات عرقية، بشرعية دولية واسعة لكنها تملك نفوذاً محدوداً داخلياً، أما الصين، فتلعب على جميع الأطراف في الوقت نفسه، مؤمنة الوصول إلى الموارد الطبيعية والموانئ وممرات النفوذ.
أي استراتيجية أمريكية تتظاهر بأن ميانمار تُحكم من سلطة واحدة محكومة بالفشل، النهج الواقعي يتطلب الانخراط مع مراكز السلطة الفعلية التي تشكل مستقبل البلاد، بما في ذلك تلك التي تجنبتها الدبلوماسية الغربية لفترة طويلة، ويعني ذلك إقامة قنوات اتصال سرية مع جيش أراكان، الذي تجعل سيطرته على ولاية أراكان أي نقاش حول إعادة توطين الروهينجا مستحيلاً بدونه، ويعني أيضاً الانخراط مع الحكومة الوطنية المتحدة، ليس كشريك رمزي ديمقراطي فحسب، بل كشريك محتمل في إقامة ضمانات سياسية لعودة مجتمعات الروهينجا.
ضمن إطار سياسة على طريقة ترامب، لن يكون هذا الانخراط مدفوعاً بالمناشدات الأخلاقية، بل بالمصلحة الجيوسياسية، فالاستقرار في غرب ميانمار ضروري لمنع المنطقة من التحول إلى مركز طويل الأمد لشبكات تهريب البشر والجريمة العابرة للحدود والجماعات المتطرفة.
علاوة على ذلك، فإن التوغل الصيني غير المحدود في ميانمار يهدد بخلط ميزان القوى الاستراتيجي في خليج البنغال وتقويض تحالفات الولايات المتحدة في جنوب وجنوب شرق آسيا، ويمكن لخطة أمريكية براغماتية تربط الاستقرار الإقليمي بعودة الروهينجا بأمان من خلال ضمانات متفاوض عليها قسراً، ورصد دولي، وحوافز اقتصادية توائم الأولويات الاستراتيجية مع الاحتياجات الإنسانية.
بنغلادش، التي تتحمل العبء الأكبر في استضافة أكثر من مليون روهنجي، ستستفيد بشكل كبير من هذا التحول، فقد أمضت دكا سبع سنوات في رعاية عدد هائل من اللاجئين المفترض أن يكون مؤقتاً.
تقلصت تدفقات المساعدات، وازدادت إرهاق الجهات المانحة، وارتفعت التوترات المحلية، وقد اقتربت القدرة السياسية والاقتصادية والبيئية لبنغلادش على استضافة الروهينجا إلى حدودها القصوى.
يمكن لمبادرة أمريكية موثوقة تتجاوز صيغ العقوبات والبيانات المستهلكة، أن تخفف الضغط عن بنغلادش وتعيد الأمل في تسوية إقليمية مستدامة.
من المحتمل أن يجادل النقاد بأن موقف ترامب “أمريكا أولاً” يترك مساحة ضيقة للمخاوف الإنسانية، لكن هذا النقد يسيء فهم طبيعة الدبلوماسية الواقعية، فالواقعية لا ترفض النتائج الإنسانية، بل تسعى لتحقيقها عبر التفاوض القائم على القوة بدل الإقناع الأخلاقي.
وفي حالة ميانمار، حيث فشلت المناشدات الضميرية مراراً، قد تنجح استراتيجية قائمة على النفوذ والصفقات والحوافز الواضحة حيث انهارت المثالية.
وقد ألمح مستشارو ترامب بالفعل إلى إعادة معايرة استراتيجية أمريكا في آسيا تركز على استعادة النفوذ الاقتصادي، ومواجهة الهيمنة الصينية الإقليمية، وتعزيز العلاقات الأمنية.
وتقع ميانمار، بين قوتين آسيويتين رئيسيتين وغنية بالمعادن الحيوية، ضمن هذه الأجندة الاستراتيجية مباشرة، وربط إعادة الانخراط الأمريكي في ميانمار بتحسينات ملموسة في معاملة الروهينجا وإعادتهم قد يوفر لواشنطن فرصة لاستعادة المصداقية مع تعزيز مصالحها الجيوسياسية.
ما يبقى في نهاية المطاف، هو الشجاعة السياسية شجاعة مواجهة واقع ميانمار بدلاً من وهمها الدبلوماسي، والتفاوض مع الفاعلين الذين يمتلكون القوة الفعلية على ولاية أراكان، وأيضاً إدارة أمريكية مستعدة للعمل في هذا الفضاء، مهما كان أسلوبها مثيراً للجدل، قد تكون في موقع فريد لكسر الجمود الذي عرف الأزمة منذ 2017.
إذا ترجمت عودة ترامب إلى آسيا إلى مبادرة دبلوماسية هادئة وجادة تشمل بنغلادش والحكومة الوطنية المتحدة والقوى الإقليمية المجاورة، والأهم جيش أراكان، فقد يتمكن الروهينجا أخيراً من لمحة عن مستقبل يتجاوز أسلاك المخيمات الشائكة، لقد جرب العالم الإدانة والعقوبات والعزلة ولم يحقق أي منها تغييراً، ربما حان الوقت لتجربة شيء قد ينجح بالفعل.
(الكاتب: تاج الإسلام هو مراسل خاص لـ Blitz، نُشر المقال بالمنصة ذاتها، وترجمته وكالة أنباء أراكان)
