بقلم: ماونج زارني
قبل ثماني سنوات، شنّت القوات المسلحة في ميانمار إبادة جماعية مكتملة الأركان، استهدفت تدمير شعب الروهينجا في موطنهم التاريخي بولاية أراكان، أحرق جيش ميانمار قرى الروهينجا بالكامل وقُتل الآلاف وتعرضت النساء والفتيات للاغتصاب.
ربما كانت تلك أول صور للتطهير العرقي بهذا الحجم، جماعات ضخمة من الناس يُجبرون على مغادرة أراضيهم، تُعرض مباشرة على شاشات التلفاز، وما يزال العنف مستمراً حتى اليوم، في وقت نشهد فيه إبادة جماعية أخرى تجري أمام أعيننا، وأنا أتابع ما يحدث في غزة، لا يسعني إلا أن أتذكر العنف الإبادي المماثل الذي تعرّض له المدنيون العُزّل من الروهينجا في وطني ميانمار، والدور الذي لعبته إسرائيل فيه.
بالطبع هناك اختلافات بين ما يتعرض له الروهينجا وما يحدث للفلسطينيين في غزة من حرب إبادة علنية، فإبادة إسرائيل في غزة تمول وتدعم من الولايات المتحدة، والأهم أن متاحف ذكرى الهولوكوست، وعلى رأسها في واشنطن، اعترفت باضطهاد ميانمار للروهينجا كإبادة جماعية، لكنها في المقابل أخفقت في تطبيق شعارها “لن يتكرر أبداً” على الفلسطينيين في غزة.
ومع ذلك، فإن كلا الإبادتين ينفذهما كيانان عنصريان تأسسا عام 1948 ويتمتعان بعلاقات جيدة فيما بينهما (حيث باعت إسرائيل أسلحة بملايين الدولارات لجيش ميانمار) ضد شعوب مسلمة مضطهدة منذ عقود، بينما يكتفي العالم بالمشاهدة.
ومع إحياء يوم ذكرى إبادة الروهينجا، يصبح من الضروري التفكير في الإبادة المستمرة ضدهم، وفي الدروس التي لم نتعلمها طوال ثماني سنوات من العنف والتهجير والحرمان من الحقوق، وكذلك في عجز القانون الدولي أمام جبروت القوة العسكرية ومحاولات الاستيلاء على الأرض في منطقتين مختلفتين من العالم.
من هم الروهينجا؟
قبل عقود من النزوح الجماعي الذي تصدّر العناوين في أغسطس 2017، تعرّض الروهينجا وهم أقلية مسلمة لعملية تدمير بطيئة ممنهجة عبر القوانين وحملات العنف المنظمة.
منذ الانقلاب العسكري عام 1962، رسّخ جنرالات ميانمار نظام مواطنة قائم على “النقاء العرقي”، توج بقانون الجنسية لعام 1982، وبه أصبح الروهينجا بلا جنسية في أرضهم التاريخية، حُرموا من التعليم والعمل، وأُجبروا على حمل بطاقات هوية للأجانب استخدمت لاحقاً كأداة رئيسية في الإبادة الجماعية.
بدأت موجات النزوح الجماعي منذ عام 1978، حين دفع الجيش بعنف أعداداً كبيرة من الروهينجا لعبور الحدود نحو بنغلادش ذات الأغلبية المسلمة.
وفي 2011، مع الانتقال إلى حكومة مدنية شكلية تحت هيمنة العسكر، روج الغرب لهذه المرحلة باعتبارها “حقبة إصلاحية”، وحظيت بإشادة إدارة باراك أوباما وهيلاري كلينتون. لكن أوضاع الروهينجا لم تتحسن بل زادت سوءاً.
أظهرت دراسات أن الروهينجا بين 2011 و2014 تعرضوا للحرمان الممنهج من فرص العيش والتعليم والرعاية الصحية وحرية التنقل، سواء داخل ولاية أراكان أو خارجها، كما حوّل الجيش قرى الروهينجا إلى ما يشبه شبكة من السجون المفتوحة، مقيدة الحركة، محرومة من الأنهار والغابات والمزارع، ومعرّضة للأعمال الشاقة والاعتقالات التعسفية والإعدامات الميدانية.
بحلول 2015، كانت أونغ سان سو تشي قد أصبحت الحاكم الفعلي للبلاد، ومع أنها حازت إعجاب الغرب كرمز للديمقراطية، التزمت الصمت تجاه محنة الروهينجا، وعندما تحدثت ألقت اللوم على “إرهابيين” في أراكان، مكررة خطاب الجيش ومتماهية مع النظرة الغربية التي تصف أي مقاومة مسلحة من مسلمين بأنها “إرهاب”.
في 25 أغسطس 2017، شهد العالم أول بث مباشر تقريباً لهروب مئات الآلاف من الروهينجا إلى بنغلادش، بينما كانت قراهم تُحرق وتُقصف، ووفقاً لـ BBC، قُتل 6,700 روهنجي في الشهر الأول بينهم 730 طفلاً دون الخامسة، في النهاية نزح أكثر من 740,000 شخص، واليوم يعيش ما يزيد قليلاً عن مليون لاجئ روهنجي في مخيمات بنغلادش.
الروهينجا اليوم
ما يزال نحو 600,000 من الروهينجا عالقين في غرب ميانمار، لكنهم الآن يواجهون خطراً جديداً، فقد سيطر جيش أراكان، الممثل للمصالح السياسية والاقتصادية للبوذيين المحليين، على شمال ولاية أراكان بعد هزيمة جيش ميانمار في الحرب الأهلية التي اندلعت عقب انقلاب 2021.
وقالت منظمات حقوقية بارزة، منها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إن جيش أراكان ارتكب انتهاكات جسيمة بحق الروهينجا، شملت الإعدامات خارج القانون والتعذيب والعمل القسري وحرق القرى، ومنذ منتصف 2024 فرّ نحو 150,000 روهنجي إلى بنغلادش.
وكان البوذيون المحليون في أراكان، الذين يفوقون الروهينجا عدداً بثلاثة أضعاف قبل 2017، قد تبنوا خطاباً عدائياً شديداً تجاه المسلمين، ما جعل كثيرين منهم شركاء في محاولات محو هوية الروهينجا ووجودهم من تاريخ ميانمار.
(الكاتب ماونج زارني، وهو معارض ميانماري يعيش في المملكة المتحدة، وباحث سابق في قضايا الإبادة الجماعية، ورشحته مايريد ماغواير لجائزة نوبل للسلام لعام 2024، نشر المقال بموقع “Zeteo” وترجمته وكالة أنباء أراكان)