الروهينجا على حافة الهاوية

أعداد من لاجئي الروهينجا في بنغلادش يصطفون للتسجيل لدى مفوضية اللاجئين، 24-2-2025 (صورة: ANA)
أعداد من لاجئي الروهينجا في بنغلادش يصطفون للتسجيل لدى مفوضية اللاجئين، 24-2-2025 (صورة: ANA)
شارك

المجتمع الدولي يسير نائماً نحو كارثة، فعلى مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، استقبلت بنغلادش بهدوء أكثر من 150 ألف لاجئ روهينجي جديد فرّوا من تصاعد العنف في ميانمار، وهذا بالإضافة إلى ما يقرب من مليون لاجئ عالقين بالفعل في كوكس بازار ومخيمات أخرى، مما يجعلهم أكبر مجموعة لاجئين بلا دولة في العالم، ومع ذلك لم تكن استجابة المجتمع الدولي دعماً متجدداً بل انسحاباً واضحاً.

ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن المساعدات الدولية للروهينجا تتناقص بشكل كبير، فقد تم تقليص التمويل المخصص للغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم، واضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تقليص الحصص الغذائية إلى ما يعادل 3 دولارات فقط للشخص في الشهر وهو بالكاد يكفي للبقاء على قيد الحياة، وفي ظل توجه الدول المانحة نحو أولوياتها الدفاعية الداخلية أو النزاعات الجديدة في مناطق أخرى، يتم مرة أخرى تهميش الروهينجا من الاهتمام العالمي.

ويأتي هذا التراجع في وقت تواجه فيه بنغلادش عبئاً إنسانياً غير مسبوق، ورغم المعاناة الاقتصادية الشديدة، استمرت دكا في استقبال الروهينجا الفارين من موجات جديدة من العنف والاضطهاد، وقد رفضت الحكومة المؤقتة الحالية بقيادة محمد يونس وعن حق أن تدير ظهرها للمضطهدين، وهو موقف أخلاقي يستحق الثناء، لكنه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فبدون ضخ هائل للموارد والتزام دولي استراتيجي، فإن بنية المساعدات في بنغلادش معرضة للانهيار الوشيك، زإذا حدث ذلك فستكون العواقب كارثية ليس فقط للروهينجا.

إن المخيمات في كوكس بازار والمناطق المحيطة بها تقف على حافة الانفجار، ومن اللافت أن الروهينجا ومنذ طردهم الجماعي في 2017، ظلوا إلى حد بعيد شعباً مسالماً ومنظماً وهو دليل على صبرهم وانضباطهم وأملهم المستمر بأن العالم سيأتي لمساعدتهم، لكن هذا الأمل يتلاشى بسرعة.

ومن المرجح أن تظهر العلامات الأولى لانهيار النظام في شكل اضطرابات وشغب داخل المخيمات، فمع عجز العائلات عن توفير الطعام، وانقطاع الأطفال عن التعليم، وعدم وجود أفق للمستقبل، سيتحول اليأس لا محالة إلى غضب، وقد بدأت تلوح في الأفق بوادر نشاطات إجرامية، وتهريب غير رسمي للأسلحة، وتصاعد التوترات بين المجموعات المختلفة داخل المستوطنات المكتظة، وإذا اشتعل هذا الوقود، فسيكون من الصعب جداً احتواؤه.

والأخطر من ذلك هو الانجذاب المتزايد نحو الأيديولوجيات المتطرفة، فالروهينجا شعب تعرض للتطهير العرقي، والاغتصاب الجماعي، وتدمير قراهم، وسنوات من التهجير القسري، وقد ناشدوا العالم من أجل العدالة والحقوق والكرامة الإنسانية، ولكن إن واصل العالم تجاهل مأساتهم، فقد يستنتجون أن العنف هو اللغة الوحيدة التي تلقى صدى.

وليس سراً أن جماعات متطرفة عابرة للحدود حاولت سابقاً تجنيد شباب روهينجا محبطين، وحتى الآن قاومت الجماعة هذه المحاولات لكن عندما يتم انتزاع الأمل، وحرمانهم من التعليم، واستبدال المساعدات بالجوع، يتم خلق بيئة مثالية للتطرف، ولسنا بعيدين عن اليوم الذي قد يختار فيه بعض الروهينجا طريقاً مظلماً بعدما لم يتبق لهم شيء يخسرونه، وستكون التداعيات الأمنية على المنطقة بأسرها وخيمة.

ولهذا، فإن تخلي العالم عن الروهينجا ليس فقط فعلاً غير أخلاقي، بل أيضاً قصير النظر وخطير للغاية، فهناك قاعدة أساسية في منع النزاعات حيثما ينتشر اليأس دون رادع، يتبع ذلك العنف.

ولا يوجد مبرر لهذا الإهمال المتعمد، فقضية الروهينجا ليست أزمة منسية، لقد كانت في صلب نقاشات حقوق الإنسان العالمية على مدى ما يقرب من عقد، وفي عام 2022، اعترفت الولايات المتحدة رسمياً بالإبادة الجماعية ضد الروهينجا، وقد وثقت تقارير الأمم المتحدة العديد من الفظائع، ومع ذلك في عام 2025، يبدو أن المجتمع الدولي راضٍ بترك هذا الشعب يختفي في ظلال انعدام الجنسية والجوع والصمت.

ما ينبغي فعله واضح:

أولاً، يجب على الدول المانحة الكبرى التراجع فوراً عن تخفيضات التمويل، فالحجة بأن الموارد مرهقة بسبب أوكرانيا أو غزة أو الإنفاق الدفاعي لا تصمد أمام حقيقة أن إطعام أسرة روهينجا لمدة شهر يكلف جزءاً بسيطاً مما يُصرف على نظام صاروخي واحد، القضية ليست في القدرة، بل في الإرادة السياسية.

ثانياً، يجب إحياء استراتيجية دبلوماسية منسقة، ويُعد المؤتمر الأممي المقبل بشأن الروهينجا فرصة أخيرة لتحفيز العمل، ويجب ألا يقتصر المؤتمر على العبارات الرنانة، بل يجب أن يلتزم بوضع إطار متعدد الأطراف لإعادة التوطين، مع جداول زمنية ملزمة وضمانات بالأمان والمواطنة في ولاية أراكان، ويتطلب هذا إشراك جهات فاعلة جديدة في ميانمار مثل جيش أراكان والحكومة الوطنية الموحدة، وكلاهما يسيطر الآن على مساحات واسعة من الأراضي وأبدى استعداداً للتعامل مع قضية حقوق الروهينجا.

ثالثاً، على دول المنطقة أن تتحمل مسؤولياتها، فلديها مصالح أخلاقية ودينية واستراتيجية في هذه الأزمة، ويجب عليها زيادة مساهماتها في المساعدات الإنسانية، والضغط على رابطة دول جنوب شرق آسيا لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه المجلس العسكري في ميانمار، فالصمت لم يعد حياداً بل تواطؤاً.

وأخيراً، يجب ألا تُترك بنغلادش لتتحمل هذا العبء وحدها، فكرمها يجب ألا يتحول إلى عقوبة، وينبغي للمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن تنظر في حزم دعم مباشر للاقتصاد البنغلادشي مرتبطة باستضافته للاجئين، فاستضافة اللاجئين عمل إنساني عالمي، ومن يقوم به يجب أن يُكافأ، لا أن يُفلس.

نحن نقف على حافة الهاوية، فهناك أكثر من مليون إنسان يواجهون خطر التخلي التام عنهم، بينما يواصل آخرون الفرار من الاضطهاد دون ملاذ آمن، وإذا انهارت المخيمات في الفوضى أو التطرف، فلن يكون لدى العالم أي عذر، فالمؤشرات التحذيرية واضحة، والأمم المتحدة أطلقت صافرة الإنذار، وبنغلادش صمدت في وجه العاصفة، لكن بدون تحرك عالمي عاجل، فإن هذا الوضع الهش سينهار بالكامل.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.