الروهينجا على حافة الكارثة مع انهيار المساعدات الإنسانية

لاجئون روهينجا يستمعون إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" خلال زيارته لمخيم للاجئين في بنغلادش، 14-3-2025 (صورة: AFP)
لاجئون روهينجا يستمعون إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" خلال زيارته لمخيم للاجئين في بنغلادش، 14-3-2025 (صورة: AFP)
شارك

تظهر تقارير جديدة صورة مأساوية لحياة نحو مليون لاجئ من الروهينجا في بنغلادش، حيث تكافح العائلات للحصول على الغذاء والرعاية الصحية الأساسية ومواد بناء الملاجئ وحتى مستلزمات تغذية الرضع، بحسب تحقيق أجرته صحيفة The Guardian هذا الشهر.

وفقاً للأطباء تتزايد حالات سوء التغذية في المخيمات، وتصطف الأمهات لساعات بحثاً عن الحليب المجفف الذي لم يعد يصل، وقد قلصت العيادات خدماتها أو أغلقت بالكامل، وبعد سنوات من تراجع التمويل الدولي، يوشك الاستجابة الإنسانية على الانهيار، ويكون الأكثر تضرراً هم اللاجئون عديمو الجنسية الأكثر ضعفاً في العالم.

تاريخ الأزمة مألوف، عاش الروهينجا لمدة ثمان سنوات في أكبر مخيم لاجئين في العالم بعد تهجيرهم من ميانمار نتيجة الإبادة الجماعية عام 2017، وخلال تلك الفترة، حذرت وكالات الإغاثة مراراً من أن تقليص التمويل سيؤدي حتماً إلى الجوع والأمراض القابلة للوقاية، ولكن هذه التحذيرات تم تجاهلها، والآن وصلت الأزمة إلى نقطة الانهيار السريع، حيث لم يعد الوضع يتدهور ببطء، بل يتفكك بسرعة.

وتأتي هذه الأزمة في وقت حساس بالنسبة لبنغلادش، حيث تتحمل الحكومة المؤقتة المسؤولية عن استقرار البلاد خلال فترة انتقال سياسي، فيما تواجه مسؤولية كبيرة تجاه لاجئين يفوق عددهم سكان مدينة ريجا عاصمة لاتفيا.

وأظهرت دكا على مدى السنوات الماضية سخاءً كبيراً في استضافة الروهينجا، لكن استضافة نحو مليون شخص مع تقلص الدعم الدولي لم يعد مستداماً، اقتصاد بنغلادش تحت الضغط، والصبر العام بدأ ينفد، والتوترات في كوكس بازار في ارتفاع، وآفاق الروهينجا على المدى الطويل تتضاءل يوماً بعد يوم.

ما يجعل هذه اللحظة مقلقة بشكل خاص هو تلاقي عدة ضغوط أولاً تم تخفيض الميزانيات الإنسانية العالمية بشكل كبير، حيث تسجل وكالات الأمم المتحدة عجزاً قياسياً وتعيد الدول المانحة ترتيب أولوياتها نحو احتياجاتها المحلية أو النزاعات الأقرب إلى ديارها.

ثانياً المشهد الجيوسياسي في ميانمار يتغير بسرعة، فجيش أراكان يسيطر على معظم شمال ولاية أراكان، لكنه حظر استخدام كلمة “روهينجا” ويفرض قيوداً تجعل أي عودة آمنة وكريمة غير مؤكدة، ثالثاً الآفاق بالنسبة لأطفال الروهينجا مدمرة، فهم يكبرون بلا تغذية كافية أو تعليم أو أمل، وهذا يمثل اختفاءً بطيئاً لمستقبل شعب بأكمله.

ويعكس الشق الإنساني للأزمة ما تعانيه الأسر: أم تحضر ماء الأرز المسلوق لإطعام أطفالها لعدم توفر الحصص الغذائية الأساسية، وأخرى تلف مولودها الجديد بالبلاستيك لعدم وجود بطانيات، ويشير العاملون الصحيون إلى ظهور علامات التقزم على الرضع، ما يؤثر بشكل دائم على النمو الجسدي والذهني.

وأوضح التقرير أن المسؤولية لا تقع على المانحين فقط، بل هناك فشل استراتيجي في الاستجابة الدولية، إذ تعاملت أزمة الروهينجا لسنوات على أنها مشكلة إنسانية ثابتة تُدار بدلاً من أن تُحل كخطر أمني إقليمي.

الآن، أصبح كوكس بازار مستوطنة مكتظة وفقيرة وشبه دائمة على حدود دولة تعيش حرباً أهلية، جيل من الشباب الروهينجا بلا تعليم أو فرص معيشية أو حرية حركة، وترك هذه الفئة في الحرمان الدائم وصفة للاضطرابات لن تبقى محصورة في بنغلادش.

ولذلك، يرى التقرير أن نهجاً جديداً عاجلاً مطلوب، الأولوية الآن منع الانهيار الإنساني الحالي، ويجب على الدول المانحة اعتبار الوضع حالة طارئة، واستعادة مساعدات الغذاء إلى حدها الأدنى من التغذية، واستقرار خدمات الصحة، وتعزيز برامج المياه والصرف والحماية فورًا، باعتبارها التزامات أساسية بموجب المعايير الإنسانية الدولية، لا مجاملة اختيارية.

كما يجب دعم بنغلادش في مواجهة الضغوط السياسية والأمنية الناتجة عن استضافة نحو مليون لاجئ، فدكا تحملت هذا العبء بمفردها لثمان سنوات، ويجب تعزيز إدارة المخيمات، ودعم المجتمعات المضيفة، وتوسيع برامج سبل العيش المراقبة لمنع المزيد من التدهور.

وأيضا يجب استئناف الجهود الدبلوماسية بشأن شروط العودة الطوعية، مع إعادة تقييم الاستراتيجية في ضوء المشهد المتغير بسرعة في ميانمار، خصوصاً توسع سيطرة جيش أراكان بولاية أراكان، فبديل ذلك هو استمرار التخييم إلى أجل غير مسمى، وهو أمر غير مقبول أخلاقياً وخطر استراتيجي.

وأخيراً شدد التقرير على ضرورة الاعتراف بالروهينجا كشعب له هوية ثقافية غنية وتاريخ طويل، وليس مجرد ضحايا أزمة ممتدة، السماح لأطفالهم بالغرق في الحرمان الدائم لا يمثل فشلاً إنسانياً فحسب، بل محواً لمستقبل أمة بأكملها.

(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.