الحاجة الملحة إلى إصلاح قانوني للاجئين الروهينجا

لاجئون من الروهينجا في أحد أسواق مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: ABC)
لاجئون من الروهينجا في أحد أسواق مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: ABC)
شارك

بقلم: سخاوت سجات سيجان وأبو بكر صديق

يعيش أكثر من مليون من الروهينجا في مخيمات اللاجئين بجنوب بنغلادش، محرومين ليس فقط من الجنسية بل أيضاً من العدالة، وُصفوا بأنهم “رعايا ميانماريون نازحون قسراً”، ما جعلهم خارج نطاق الحماية القانونية الرسمية ونظام القضاء في البلاد، ويخضعون لنظام موازٍ وغير رسمي وغير منظم للعدالة داخل المخيمات، لا يوفر أي سبل إنصاف خاصة للنساء والفقراء.

ورغم إشادة المجتمع الدولي باستضافة بنغلادش للاجئين الروهينجا منذ عام 2017، إلا أن هؤلاء لم يُمنحوا بعد صفة لاجئ رسمية مما أبقاهم في منطقة قانونية رمادية لا هم مواطنون ولا لاجئون معترف بهم رسمياً، وبالتالي فهم غير مرئيين أمام القضاء، تُحسم شكاواهم سواء كانت سرقة أو عنفاً منزلياً أو جرائم مسلحة من قبل جهات غير قضائية تفتقر للتأهيل المهني أو المسؤولية القانونية.

قضية دستورية وليست إنسانية فقط
الدستور البنغلادشي، في مادته 31، يضمن الحماية القانونية “لأي شخص” داخل البلاد، كما تنص المادة 35 على الحماية من العقوبة دون اتباع الإجراءات القانونية وحق المحاكمة العادلة، وهذه الحقوق ليست مقتصرة على المواطنين فقط، وقد أكدت المحكمة العليا في قضية “عبد اللطيف ميرزا ضد بنغلادش” (1979) أن الحقوق الأساسية تنطبق على جميع الأشخاص ضمن اختصاصها، ومع ذلك فإن هذه الضمانات لا تصل إلى داخل المخيمات، ولا يمكن للاجئين الروهينجا التوجه للشرطة أو الظهور في المحاكم أو طلب الدعم القانوني.

في غياب النظام الرسمي، يتولى زعماء المخيمات ورجال الدين وبعض المنظمات غير الحكومية مهام فض النزاعات، دون وجود قواعد قانونية أو إجراءات سليمة أو إشراف.

في ضوء القانون الدولي
رغم أن بنغلادش لم تصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلا أنها طرف في العديد من المعاهدات الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) الذي يضمن الحق في محاكمة عادلة، وتُلزم المادة 2 من العهد الدول بضمان هذه الحقوق لكل فرد داخل أراضيها بغض النظر عن جنسيته، وأكّدت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في تعليقها العام رقم 32، على ضرورة ضمان هذا الحق للجميع، كما كرّست المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذا المبدأ في قضية “MSS ضد بلجيكا واليونان”.

ورغم أن البعض يرى أن هذه الالتزامات لا تُلزم غير الموقعين على اتفاقية اللاجئين، فإن معاهدات مثل CEDAW (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) تُلزم بنغلادش بضمان الإجراءات القانونية والنزاهة القضائية للجميع، فإنكار العدالة لمجتمع بأكمله يمثل انتهاكاً للقانونين المحلي والدولي.

بلا وطن لكن ليس بلا حقوق
الافتراض بأن انعدام الجنسية يعني انعدام الحق في الحماية القانونية خطأ خطير، العدالة تُمنح بناءً على المكان لا الجنسية، قانون العقوبات (1860) وقانون الإجراءات الجنائية (1898) ينطبقان على “أي شخص” داخل بنغلادش، كما أن قانون المساعدات القانونية (2000) لا يشترط حالة الهجرة أو الجنسية، ومع ذلك لا يحصل الروهينجا على أي من هذه الحقوق.

التصنيف الحالي للروهينجا كـ”نازحين قسريين” يمنعهم من التمتع بالحقوق القانونية، ويُبقيهم خارج السجلات الرسمية، ويُفسح المجال أمام أنظمة تحكم غير رسمية تفتقر للمساءلة، القادة المحليون في المخيمات يصدرون أحكاماً تعسفية، بينما يظل الضحايا في صمت خاصة النساء اللواتي يتعرضن للعنف دون أن يجدن منصفاً.

القضاء في مواجهة الجمود السياسي
أظهرت المحاكم البنغلادشية وعياً بقيمة العدالة، ففي قضية “محمد صدقات خان ضد مفوض الانتخابات” (2008)، قضت المحكمة بحق سكان البهاري (الذين كانوا عديمي الجنسية آنذاك) في التسجيل والاعتراف القانوني، كما أكدت هيئات دولية مثل لجنة مناهضة التعذيب (CAT) على أن الوضع القانوني لا يمكن استخدامه كذريعة لحرمان أي شخص من الإجراءات القانونية أو الاعتقال التعسفي.

ورغم هذه السوابق تظل السياسات جامدة، لا حاجة لبنغلادش لتصديق اتفاقية اللاجئين حتى تضمن الحماية الأساسية، فالإطار القانوني موجود بالفعل في الدستور والمحاكم والمعاهدات الدولية، ما ينقص هو الإرادة السياسية.

خطوات عملية نحو عدالة شاملة
لضمان العدالة للاجئين الروهينجا يُقترح اتخاذ الخطوات التالية:

هوية قانونية مؤقتة: تمنح للاجئين وثائق مؤقتة تمكنهم من الإبلاغ عن الجرائم وطلب الإنصاف القانوني دون أن تعني توطيناً دائماً.

دمج المساعدة القانونية: إنشاء مكاتب مساعدات قانونية داخل المخيمات بإشراف محامين ومترجمين، حسب قانون المساعدات القانونية لعام 2000.

إدخال القضاء الجنائي: السماح للدولة بالتحقيق في الجرائم الكبرى ومحاكمتها رسمياً، مع إمكانية إنشاء محاكم داخل المخيمات بإدارة قضاة مختصين.

آليات تراعي النوع الاجتماعي: توفير خدمات قانونية خاصة للنساء والفتيات، وفقاً لالتزامات بنغلادش بموجب CEDAW.

رقابة مستقلة: تشكيل هيئة مستقلة من القضاة والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان لمتابعة العدالة في المخيمات والإبلاغ عن الانتهاكات.

الروهينجا لا يطالبون بالجنسية أو الاندماج بل بالحماية والكرامة، والعدالة هي بداية الكرامة، منعهم من الوصول إلى المحاكم لا يفيد أحداً، كلما طال الانتظار زادت الجراح ليس فقط للاجئين بل لسيادة القانون نفسها، العدالة ليست جائزة تُمنح بعد زوال الخطر السياسي بل هي أساس النظام القانوني لذا لا بد أن تبدأ الآن.

(الكاتبان: سخاوت سجات سيجان، أستاذ مساعد بقسم القانون في جامعة أوروبا، بنغلادش، وأبو بكر صديق، أستاذ مساعد بقسم القانون في جامعة كوملا، كتب المقال بموقع “The Daily Star” وترجمته وكالة أنباء أراكان”.

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.