إعادة توطين الروهينجا عند مفترق طرق

مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
شارك

مع استمرار وتصاعد الحرب في الشرق الأوسط دون توقف، حان الوقت للتفكير في العواقب المحتملة لمشاكل اللاجئين المتفاقمة، بما في ذلك برنامج إعادة توطين الروهينجا غير المحلول.

تُعدّ قضية فلسطين درساً للجميع، فقد قررت الحكومة البريطانية وحلفاؤها عام 1917، من خلال إعلان بلفور، منح اليهود وطناً عبر زرعهم بين العرب في فلسطين، مما كان الشرارة لنكبة 1948 والتطهير العرقي لفلسطين، وبطريقة شبه مماثلة دفع جيش ميانمار أكثر من مليون روهنجي إلى بنغلادش، وآن الأوان لإعادة النظر بجدية في أزمة الروهينجا المتفاقمة داخل بنغلادش وبذل جهد جديد لتسريع إعادة توطينهم في ميانمار.

وقد وعدت الحكومة الانتقالية في بنغلادش بإعطاء أولوية قصوى لقضية إعادة الروهينجا، وطلب المستشار الرئيسي البروفيسور محمد يونس مراراً الدعم الدولي، لكن منذ تسلم الحكومة الانتقالية للسلطة، عبر مئات الآلاف من الروهينجا الجدد إلى بنغلادش.

وعلى الجانب الإيجابي، من المقرر عقد “اجتماع رفيع المستوى” بشأن وضع الروهينجا والأقليات الأخرى في ميانمار في 30 سبتمبر المقبل بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، استجابة لمناشدة المستشار الرئيسي خلال زيارته للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، حيث تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في 13 نوفمبر 2024 يدعو لعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى هذا العام حول أزمة الروهينجا في ميانمار، ومع ذلك من الصعب وضع آمال كبيرة على نتائج هذا المؤتمر.

وفي الأثناء، تكثر التصريحات بشأن إعادة التوطين من الحكومة الانتقالية، وأثناء زيارة إلى بنغلادش، تفقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مخيمات الروهينجا وأعرب عن تضامنه مع اللاجئين، فيما تعهد المستشار الرئيسي إلى جانب غوتيريش، بالعمل من أجل مستقبل يتمكن فيه الروهينجا من الاحتفال بعيد الفطر العام المقبل في وطنهم بولاية أراكان بميانمار.

ونظراً لاقتراب موعد الانتخابات في بنغلادش أوائل العام المقبل، يبدو أن الحكومة الانتقالية ستحتاج إلى العمل بوتيرة متسارعة لتحقيق ذلك قبل تسليم السلطة إلى رئيس الوزراء المقبل.

ويُعد من الإيجابي أن الحكومة الانتقالية أعطت أولوية قصوى لإعادة توطين الروهينجا، وخلال رحلته إلى لندن هذا الشهر، حذر الدكتور يونس من خطورة الوضع الراهن، بل وأشار إلى أن محنة الروهينجا يجب أن تكون سبباً للقلق، محذراً: “إذا لم يكن هناك أمل لهم، فقد يؤدي ذلك إلى انفجار”.

وفيما يتعلق بأفكار حول قضية إعادة التوطين، من الصعب توقع تقدم كبير قبل الانتخابات الوطنية، ورغم الآمال التي أُثيرت عندما أفادت الحكومة الانتقالية ووسائل الإعلام بأن سلطات ميانمار أكدت أهلية 180 ألف لاجئ روهنجي للعودة، إلا أنه بات واضحاً الآن أن ذلك مجرد وهم، ومن العقبات الرئيسية رفض اللاجئين العودة دون ضمانات واضحة، وهناك أيضاً عوائق أخرى تعرقل العملية.

وكما أُشير سابقاً، يمكن ويجب على الصين أن تلعب دورها في تسهيل إعادة التوطين، فالصين حليف قوي وذو نفوذ لحكومة مجلس ميانمار العسكري، كما أنها شريك استراتيجي طويل الأمد لبنغلادش، ومع ذلك لم تنجح الدبلوماسية البنغالية حتى الآن في إقناع الصين بممارسة المزيد من الضغط على ميانمار، ويُوصف النهج الصيني بأنه “تعاملي”، حيث يعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية، وبناءً عليه فإن دور الصين في أزمة الروهينجا ظل متقلباً.

وفي ورقة بحثية حديثة، حذّر الباحث الصيني “يي ميو هين” من مركز ويلسون في واشنطن العاصمة قائلاً: “مع تراجع الاهتمام الغربي بميانمار، انتهزت الصين الفرصة لتوسيع نفوذها الاستراتيجي، وهي الآن تملك تأثيراً كبيراً على جميع أطراف الصراع، وقامت بشكل منهجي بتهميش النفوذ الغربي من خلال عزل الجماعات المتحالفة مع الغرب”.

وقد حضر “دينغ شيجون”، المبعوث الصيني الخاص لشؤون آسيا، إلى جانب قائد جيش ميانمار “مين أونغ هلاينغ” وضيوف دوليين آخرين “منتدى السلام 2025” الذي بدأ في 25 يونيو في نايبيداو، وأشار “دينغ” إلى أن ميانمار قد توافق على إعادة الروهينجا من كوكس بازار إلى قراهم الأصلية في شمال مونغدو والمناطق القريبة، بدلاً من نقلهم إلى مخيمات أو “قرى نموذجية” كما كان مخططاً سابقاً.

ومع ذلك، يجب ألا ننسى أن المبادرة الصينية مرتبطة بمصالحها الاقتصادية واستثماراتها في أراكان، حيث يُعد “ممر الصين-ميانمار الاقتصادي” (CMEC) جزءاً أساسياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ يربط بين مقاطعة يونان الصينية وموارد ميانمار الطبيعية الواسعة ووصولها إلى المحيط الهندي.

والخلاصة أن بنغلادش بحاجة إلى رؤية طويلة الأمد، وتعيين دبلوماسيين ذوي كفاءة عالية للتعامل مع هذه الملفات والتفاوض مع كل من الصين وميانمار.

وقد رحبت بنغلادش مؤخراً بتبرعات من الحبوب الغذائية وغيرها من المواد الغذائية للاجئين الروهينجا، رغم أن هذه المساعدات ما هي إلا نقطة في بحر الاحتياجات، لكنها تأتي في وقت حرج حيث تتراجع المساعدات الدولية ويبدأ موسم القحط في يوليو، وهو الوقت الذي تتفاقم فيه أزمات الغذاء، وقد أشار الدكتور يونس في خطاب حديث إلى هذا الوضع، موضحاً أن حصة الغذاء التي يوفرها برنامج الأغذية العالمي ستنخفض إلى النصف قريباً.

وقد لخّص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلاصة هذه التحركات الأخيرة بوضوح أمام العالم، حيث قال في نهاية زيارته لمخيمات كوكس بازار: “سمعت رسالتين واضحتين: أولاً، الروهينجا يريدون العودة إلى ميانمار، وثانياً، يريدون ظروفاً أفضل في المخيمات”، ويجب على المجتمع الدولي أن يأخذ هذه الرسالة بجدية ويساعد في تسهيل إعادة توطين لاجئي الروهينجا في وطنهم.

(الكاتب: الدكتور عبد الله شبلي هو خبير اقتصادي ويعمل في مؤسسة مالية غير ربحية في الولايات المتحدة، كما عمل سابقاً لدى البنك الدولي وجامعة هارفارد، نُشر المقال بموقع “AsiaNews” وترجمته وكالة أنباء أراكان).

شارك
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لوكالة أنباء أراكان

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.