بقلم: د. محمد أسعد الزمان
في خطاب ألقاه في 13 أكتوبر 2022 بالأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في بروج، قال جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية: “أوروبا حديقة لقد بنينا حديقة، أما بقية العالم فليس بالضبط حديقة معظم بقية العالم غابة”.
ربما يفسر هذا السبب وراء غياب الاهتمام الكافي بقضايا إنسانية أخرى في العالم، فبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، جمعت حملة “Stand Up for Ukraine” عام 2022 نحو 8.9 مليار دولار، في واحدة من أسرع وأكثر الاستجابات سخاءً لنداء إنساني عاجل، لكن هذا السخاء لم يظهر في حالات أخرى مثل ميانمار، وغزة، واليمن، والساحل الإفريقي، وإثيوبيا وأفغانستان.
بعد شهر من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن المحكمة ستنظر في الجرائم المحتملة بأوكرانيا، وأصدر تحذيراً شديد اللهجة ضد ارتكاب جرائم هناك، لكن المحكمة لم تصدر تصريحات مشابهة بخصوص ميانمار، رغم أن إصدار مذكرات توقيف وملاحقات قضائية كان يمكن أن يشكل رادعاً خلال النزاع.
وعندما تصبح الإنسانية والاستجابات الإنسانية انتقائية، فإنها تخلق كارثة جديدة كما نرى الآن، فمن يناير 2024 إلى يوليو 2025 هجّر جيش أراكان (AA) أكثر من 150 ألف روهنجي كانوا ما يزالون يعيشون في ولاية أراكان بعد عملية التطهير العرقي عام 2017 التي نفذها الجيش البورمي، وتفيد تقارير حديثة أن نحو 50 ألفاً آخرين يستعدون لعبور الحدود إلى بنغلادش، وإذا استمر ذلك فقد نشهد قريباً ولاية أراكان خالية من الروهينجا.
ومع دخول الأزمة عامها التاسع، لم يتمكن قادة العالم من تأمين عودة حتى لاجئ روهنجي واحد إلى ميانمار، وعندما فتحت بنغلادش حدودها عام 2017 أمام الروهينجا بدافع إنساني، وعد المجتمع الدولي بتقاسم العبء لكن قادة العالم فشلوا في توفير التمويل الكافي لخطة الاستجابة المشتركة (JRP)، إذ لم تتجاوز مساهمات المانحين 56% عام 2024 وحوالي 70% بين 2022 و2023، كما لم يتم ضمان العدالة لضحايا الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة قدّرت في دراسة أجريت عام 2018 أن الجيش والسكان المحليين قتلوا عام 2017 ما لا يقل عن 25 ألف روهنجي، وارتكبوا جرائم اغتصاب جماعي وانتهاكات جنسية بحق 18 ألف امرأة وفتاة، وأحرقوا 36 ألفاً أحياء، وضربوا 116 ألفاً آخرين، وهي فظائع لم يشهدها العالم منذ إبادة رواندا عام 1994.
وفي 2022، وجد آلية التحقيق المستقلة للأمم المتحدة بشأن ميانمار (IIMM) أدلة على ارتكاب الجيش جرائم ضد الإنسانية، كما كشفت لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA) عن وثائق تثبت حملة تطهير منهجية ضد الروهينجا، ومع ذلك لم تُتخذ أي خطوات ملموسة من قادة العالم.
القضايا المتعلقة بالإبادة ما زالت جارية أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، ومحاكم في الأرجنتين وأندونيسيا وألمانيا، لكن الوصول إلى أحكام قد يستغرق سنوات.
عندما يرتكب قادة على أعلى مستوى جرائم جماعية، يعرف المجتمع الدولي ما يجب فعله، فكما حدث في السودان وليبيا، يستطيع مجلس الأمن إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية لتوسيع التحقيق ليشمل كل الجرائم في ميانمار، كما يمكنه إنشاء محكمة خاصة على غرار ما جرى بعد مجازر رواندا ويوغسلافيا السابقة، أو قد تطالب دولة إقليمية أو طرف ثالث بمحاكمة المسؤولين كما حدث مع دكتاتور تشاد، لكن المؤسف أنه لم يحدث شيء مماثل في حالة ميانمار.
بنغلادش ما تزال تتحمل العبء الإنساني وحدها، وبعد فشل محاولات الإعادة في 2018 و2019 و2021 و2024، تسعى مع ماليزيا ودول آسيان أخرى لمقاربات جديدة من خلال إرسال بعثة سلام إلى ميانمار لإيجاد تسوية وضمان عودة آمنة ومستدامة للروهينجا.
كما يجري هذا العام تنظيم ثلاث مؤتمرات دولية لحل الأزمة الأول في كوكس بازار ببنغلاديش (24-26 أغسطس)، والثاني في نيويورك يوم 30 سبتمبر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثالث في الدوحة بقطر يوم 6 ديسمبر.
لقد آن الأوان لقادة العالم أن يتخلوا عن “ازدواجية المعايير” وأن يدعموا هذه المبادرات، لإجبار سلطات ميانمار على ضمان سلام عادل وعودة مستدامة للروهينجا المهجرين قسراً.
(الكاتب: الدكتور محمد أسعد الزمان أستاذ في قسم اللغويات بجامعة دكا، والمدير العام لمعهد اللغة الأم الدولي، نشر المقال بموقع “Eurasia Review” وترجمته وكالة أنباء أراكان).