بينما يجتمع قادة العالم هذا الأسبوع في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجددون تأكيد التزامهم بالقانون الدولي وحقوق الإنسان وحماية الفئات الأكثر ضعفاً، ومع ذلك تقف مأساة الروهينجا كدليل صارخ على تآكل هذه المبادئ أمام أنظار العالم.
فقد مضت 7 سنوات منذ أن شنّ جيش ميانمار حملة تطهير عرقي ضد الروهينجا، دفعت بأكثر من 740 ألف شخص إلى الفرار إلى بنغلادش، واليوم يعيش ما يقرب من مليون لاجئ في مخيمات مكتظة حول كوكس بازار، محرومين من الجنسية التي سحبتها منهم ميانمار، غير مرغوب بهم في بنغلادش، ومنسيين إلى حدّ كبير من المجتمع الدولي.
كانت المساعدات الدولية شريان حياة لهم، لكنها تتراجع مع إرهاق المانحين، فُرضت تخفيضات قاسية على الحصص الغذائية، وتكاد التعليم والرعاية الصحية تكون معدومة، ويكبر الأطفال بلا مستقبل سوى الاعتماد والحرمان.
هذه ليست مجرد أزمة لجوء أخرى، بل إن أزمة الروهينجا أصبحت اختباراً حقيقياً لمعنى وجود نظام حماية اللاجئين الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، فإذا سمح العالم لأحد أكبر أعمال التهجير القسري في القرن الحادي والعشرين بأن ينتهي بحرمان دائم من الجنسية، فستكون الرسالة واضحة التطهير العرقي ينجح.
خطر هذا المثال ليس نظرياً، إذ أن أنظمة أخرى تراقب عن كثب، فإذا نجحت ميانمار في طرد وإبادة أقلية بأكملها دون عقاب، فما الذي يمنع حكومات أخرى من تكرار ذلك مع جماعات سكانية غير مرغوب فيها؟ انهيار حقوق الروهينجا لا يقوض أمن المنطقة فحسب، بل يهدم أسس النظام الدولي لحماية اللاجئين.
ورغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة مررت قرارات سنوية تدين ميانمار وتدعو إلى المساءلة، فإن غياب آليات التنفيذ جعلها مجرد كلمات، فما زال المجلس العسكري في نايبيداو يتمسك بالسلطة بلا عواقب تُذكر، في ظل حماية الصين وروسيا له داخل مجلس الأمن، ما يعطل أي إجراء ملزم.
وفي الوقت نفسه، شهد الصراع داخل ميانمار تحولات جديدة، حيث يسيطر جيش أراكان الآن على معظم ولاية أراكان، موطن الروهينجا الأصلي، لكن هذا الجيش وجناحه السياسي “رابطة أراكان المتحدة” يرفضان الاعتراف بهوية الروهينجا، بل ويحظران استخدام كلمة “روهينجا” في مناطق سيطرتهم، ليغلقوا بذلك باب العودة الكريمة أمام اللاجئين.
أما بنغلادش، فما زالت تصر على أن الإعادة الطوعية هي الحل الوحيد، لكن كل محاولات إعادة الروهينجا باءت بالفشل، فدكا ترفض منحهم وضعاً دائماً أو دمجاً حقيقياً، بينما ترفض ميانمار – سواء تحت حكم المجلس العسكري أو جيش أراكان استقبالهم مع ضمان حقوقهم، هذا الجمود جعل الأزمة مزمنة وهدد منظومة حماية اللاجئين العالمية.
أما آليات المساءلة الدولية فتكاد تنهار، إذ تنظر محكمة العدل الدولية في قضية رفعتها غامبيا ضد ميانمار بتهمة الإبادة الجماعية، وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات، لكن هذه العمليات تسير ببطء شديد، فيما يموت الناجون من مذابح 2017 دون أن ينالوا العدالة، وتضيع الشهادات بمرور الوقت، ما يهدد بتطبيع محو الروهينجا.
إن تجاهل الأزمة لا يقتصر على القانون والأخلاق، بل يهدد الأمن الإقليمي، فترك نحو مليون إنسان في حالة تيه دائم يخلق بيئة خصبة لعدم الاستقرار، حيث تستغل الجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية المخيمات، فيما يتزايد إحباط الشباب ويأسهم، ليصبح الوضع قنبلة موقوتة لبنغلادش ومصدراً محتملاً لعدم الاستقرار العابر للحدود.
فما الذي ينبغي على الجمعية العامة فعله؟ أولاً: يجب على الحكومات وقف انهيار التمويل واستعادة المساعدات الغذائية والإنسانية لمنع المجاعة، ثانياً: ينبغي اعتبار أزمة الروهينجا اختباراً لفعالية نظام حماية اللاجئين الدولي وليس قضية إنسانية هامشية.
ثالثاً: يجب توسيع المشاركة الدولية لتشمل الحكومة الوطنية الموحدة في ميانمار، التي تعهدت بإعادة حقوق الروهينجا، وأيضاً الضغط على جيش أراكان الذي يسيطر فعلياً على الأرض، لدفعهما نحو حل عادل.
فوق كل ذلك، يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن الوقت ينفد، فهناك جيل كامل من أطفال الروهينجا يكبر بلا جنسية، محروماً من التعليم والهوية، وإذا لم يحدث تغيير قريب، فقد يشهد العالم خلال عقد من الزمن أكبر جيل من المشردين الدائمين في التاريخ، وسيكون ذلك ليس فقط مأساة للروهينجا، بل دليلاً على أن نظام حماية اللاجئين الدولي قد انهار، وأن التهجير القسري والتطهير العرقي يمكن أن ينجحا.
(الكاتب: الدكتور عظيم إبراهيم، هو مدير المبادرات الخاصة في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسات في واشنطن العاصمة، نُشر المقال في موقع “Arab News”، وترجمته وكالة أنباء أراكان).