“ذكرى الإبادة”..الروهينجا بين أوجاع الماضي وآمال المستقبل

لاجئون من الروهينجا فارون من العنف والإبادة الجماعية في ميانمار يصلون عبر نهر ناف إلى بنغلادش (صورة: رويترز)
شارك

وكالة أنباء أراكان | خاص 

ثماني سنوات مرت على حملة “الإبادة الجماعية” التي تعرض لها الروهينجا على يد جيش ميانمار بولاية أراكان غربي البلاد، تم فيها من الفظائع ما لا يزال عالقاً في أذهان وقلوب الضحايا وذويهم، وهي الذكريات التي ربما لن تُشفى إلا بتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، لكن وفق لاجئين روهنجيين فإن ذلك الحلم يبدو بعيد المنال.

في 25 من أغسطس 2017، شن جيش ميانمار حملة وحشية ضد الروهينجا، قتل فيها الآلاف واغتصبت النساء وأحرق الناس أحياءاً ودمرت القرى، فر مئات الآلاف من الروهينجا باتجاه بنغلادش الملاصقة للحدود، يعيشون هناك بأعداد فاقت المليون لاجئ مؤخراً دون حل قريب لأزمتهم في الأفق.

تحل الذكرى الثامنة على الروهينجا بينما تحمل قلوبهم ألم الفظائع التي عاينوها جنباً إلى جنب مع الأمل بأن العالم ربما لم ينساهم وأن العدالة قادمة لا محالة لمحاسبة مرتكبي الفظائع بحقهم كي تتحقق أولى الخطوات نحو حلم العدالة والحقوق والعودة إلى الوطن بشكل آمن.

الإبادة الأكثر وحشية

أكد الرئيس المشارك لمجلس روهينجا أراكان الوطني “ناي سان لوين” أن إبادة الروهينجا لم تبدأ في 2017 بل تعود إلى سبعينات القرن الماضي، مؤكداً أن العنف الذي وقع ضدهم قبل 8 سنوات كان الأكثر وحشية والأوسع نطاقاً.

اللاجئة الروهنجية "روشيدة" تروي لوكالة أنباء أراكان المآسي التي شهدتها خلال الإبادة (صورة: ANA)
اللاجئة الروهنجية “روشيدة” تروي لوكالة أنباء أراكان المآسي التي شهدتها خلال الإبادة (صورة: ANA)

وقالت لاجئة روهنجية فرت إلى بنغلادش في أعقاب الإبادة تدعى “روشيدة” إن قريتها تعرضت لمذبحة استمرت لساعات رأت فيها أفراد أسرتها يقتلون أمام عينيها وفقدت بسببها سبعين شخصاً من أقاربها.

وروت لوكالة أنباء أراكان “تعرضت قريتي تولا تولي في مونغدو لمجزرة في 22 أغسطس 2017، بدأت  السباعة صباحاً وانتهت في الظهيرة بعد قتل معظم السكان بالبنادق والسيوف والفؤوس والرماح” وتابعت أنه لم ينج من أسرتها سوى ثلاثة أشخاص فقط واجتمعت معهم لاحقاً في مخيمات بنغلادش.

وفي قرية أخرى للروهينجا تدعى “ديول تولي” في “مونغدو” وقعت مذبحة مشابهة، وقال “ناجي ملا” إنه شهد على اغتصاب فتيات وحرق أشخاص أحياء وتعذيبهم بشكل وحشي.

اللاجئ الروهنجي "ناجي ملا" شاهد العيان على أحداث إبادة الروهينجا في ميانمار في 2017 (صورة: ANA)
اللاجئ الروهنجي “ناجي ملا” شاهد العيان على أحداث إبادة الروهينجا في ميانمار في 2017 (صورة: ANA)

وتابع قائلاً “تم جمع عدد من الناس على الشاطئ وسحبهم إلى منزل حيث تعرضت الفتيات للاغتصاب، ثم أُغلق المنزل وأُحرق، اختبئنا لاحقاً في الجبل وتم قتل الكثير من الأطفال الذين طعنوا بالرماح وقطعوا بالسيوف”.

وأضاف أنه شهد على حرق إمام القرية كبير السن العاجز حياً وتعذيبه حتى الموت، وأضاف “أحرقوا القرية كلها، قتلوا ما يقارب خمسة إلى ستة آلاف شخص ولم يقتلوا في قريتي  فقط بل في كل القرى، والآن عندما نتذكر 25 أغسطس نغرق في حزن وحداد عميق، أرواحنا وعيوننا تبكي ولا زلنا نطالب بالعدالة والحصول على حقوقنا”.

إحياء الذكرى

ومع حلول ذكرى سنوية تلو الأخرى، أكد لاجئو الروهينجا ممن تحدثوا لوكالة أنباء أراكان أن المطلوب هو تحقيق العدالة ومرتكبي الجرائم التي تمت بحقهم خلال إحدى أبشع المذابح التي شهدها العالم، إضافةً إلى استعادة حقوقهم المسلوبة وضمان عودتهم الآمنة لوطنهم.

وقال “ناي سان لوين” في تصريح خاص لوكالة أنباء أراكان إنه يجب إحياء ذكرى الإبادة والضحايا الذين سقطوا، مضيفاً أنه رغم اعتراف المجتمع الدولي والأمم المتحدة بأن ما حدث للروهينجا في 25 أغسطس هو إبادة جماعية، إلا أن الاعتراف ليس كافياً إذ يجب محاسبة الجناة وتحقيق العدالة من أجل الضحايا.

وصرح القائد الروهنجي المنتخب حديثاً بمخيمات بنغلادش “خين ماونغ” لوكالة أنباء أراكان أن إحياء ذكرى الإبادة شديد الأهمية من أجل تعريف الأجيال الأحدث سناً بما مر به الروهينجا، مضيفاً “نحيي ذكرى يوم 25 من أغسطس لنذكر العالم بالجرائم التي ارتكبت في حقنا في 2017، حيث قتل الآلاف من الروهينجا وأجبر قرابة مليون منهم على الفرار إلى بنغلادش، كما نستمر في إحياء الذكرى بسبب عدم تحقيق العدالة فيما لا زلنا أيضاً محرومين من حقوقنا الأساسية”.

العدالة والمحاسبة

الرئيس المشارك لمجلس روهينجا أراكان الوطني "ناي سان لوين"
الرئيس المشارك لمجلس روهينجا أراكان الوطني “ناي سان لوين”

وحذر “ناي سان لوين” من أن العنف ضد الروهينجا قد يتكرر مجدداً ضد الأعداد القليلة التي لا زالت في أراكان، مؤكداً من أن موجة العنف الجديدة تتكشف بالفعل في الآونة الحالية وأنها ربما تكون أسوأ في بعض جوانبها من حملة عام 2017.

وانتقد الناشط بطء تحركات الآليات القانونية الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مؤكداً الحاجة إلى المزيد من الجهد لضمان ألا يفلت الجناة من العقاب، وتابع “بسبب هذا البطء ظهر المزيد من مرتكبي الجرائم، إذ ترتكب ميليشيات أراكان البوذية (جيش أراكان) أفظع الجرائم بحق الروهينجا، ويجب وقفها واتخاذ خطوات جادة وملموسة ضدها فلم يعد الإعراب عن القلق كافياً”.

ومن جانبه، صرح الدكتور طاهر محمد الأراكاني رئيس منتدى بورما للسلام والتنمية أن مأساة الروهينجا لم تنتهي في 2017، إذ يعيش أكثر من مليون منهم في مخيمات بنغلادش في ظروف صعبة بينما لا يزال الجناة أحراراً دون محاسبة ويتعرض من تبقى في أراكان للقتل والتهديد والتجويع.

وقال لوكالة أنباء أراكان “قتل أكثر من 25  ألف إنسان بدم بارد، وأحرقت أكثر من 350  قرية وأكثر من 40 ألف منزل، واغتصبت النساء، وذبح الأطفال، واضطر أكثر من مليون من الروهينجا إلى الهروب إلى بنغلادش ودول مجاورة”.

الدكتور طاهر الأراكاني خلال ندوة بالمخيم الشتوي الرابع لجمعية أراكان الإنسانية في تركيا، فبراير 2025 (صورة: ANA)
الدكتور طاهر الأراكاني خلال ندوة بالمخيم الشتوي الرابع لجمعية أراكان الإنسانية في تركيا، فبراير 2025 (صورة: ANA)

وأكد الأراكاني أن إحياء الذكرى لا يجب أن يقتصر على التذكير بالماضي فقط، بل للتأكيد على مطالب الروهينجا العادلة التي يجب رفعها في مؤتمر الأمم المتحدة المقبل بشأن الروهينجا والمقرر في 30 من سبتمبر في نيويورك.

وتابع أن مطالب الروهينجا تشمل الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية ومحاسبة الجناة، وضمان حق العودة الآمنة والكريمة إلى أراكان تحت حماية دولية، واستعادة المواطنة الكاملة والحقوق السياسية والقانونية، وتحسين أوضاع اللاجئين في المخيمات، وإشراك ممثلي الروهينجا في أي حوار أو مفاوضات تخص مستقبل ميانمار.

كما حث الأراكاني الروهينجا على التمسك بالوحدة والهوية والثقافة، مؤكداً أنه على العالم الإسلامي واجب بالوقوف مع الروهينجا بالدعاء والدعم المادي والمعنوي والسياسي اللازم، وأنه لا يمكن أن يكتمل العدل في العالم الإسلامي دون حماية حقوق الروهينجا وضمان حرياتهم وكرامتهم، وأن التضامن الإسلامي مع الروهينجا هو اختبار حقيقي لقيم الرحمة والعدل.

ويعيش حالياً في بنغلادش أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا في مخيمات “كوكس بازار”، التي تُصنفها الأمم المتحدة كأكبر مخيم للاجئين في العالم، وسط ظروف معيشية صعبة، فيما لا زالت موجات نزوحهم من أراكان إلى بنغلادش مستمرة جراء ممارسات ميليشيات أراكان البوذية ضدهم والتي تستهدفهم بالقتل والعنف والتهجير والتجنيد القسري.

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.